Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 29-33)
Tafsir: Tafsīr Furāt al-Kūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ } المفروضة { وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } السرّ التطوّع ، والعلانية الزكاة المفروضة . يستحب أن تعطي الزكاة علانية ، والتطوّع سراً ، ويقال : صدقة السرّ تطوّعاً أفضل من صدقة العلانية . قال : { يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } أي : لن تفسد ، وهي تجارة الجنة ، يعملون للجنة . قال : { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } أي : ثوابهم الجنة { وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ } أي : يضاعف لهم الثواب . وقال الحسن : تضاعف لهم الحسنات ، أي : يثابون عليها في الجنة . { إِنَّهُ غَفُورٌ } أي : لمن تاب { شَكُورٌ } أي : يشكر اليسير ويثيب بالكثير ، أي : يقبل العمل اليسير من المؤمن ويثيبه الجنة . قال : { وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ } يعني القرآن { هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أي : من التوراة والإِنجيل . { إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } . قوله : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا } أي : اخترنا { مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } . ذكروا عن جعفر بن زيد أن رجلاً بلغه أنه من أتى بيت المقدس ، لم يشخصه إلا الصلاة فيه ، فصلّى فيه ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه . قال : فأتيت بيت المقدس ، فدخلت المسجد فصلّيت فيه ركعتين ، ثم قلت : اللهم صُن وحدتي ، وآنس وحشتي ، وارحم غربتي ، وسق إليّ جليساً صالحاً تنفعني به . [ فبينا أنا كذلك إذ دخل شيخ موسوم فيه الخير ] ، فقام عند سارية فصلّى ركعتين ، ثم جلس . فقمت إليه ، ثم سلّمت عليه ، ثم جلست فقلت : من أنت ، يرحمك الله ، فقال : أنا أبو الدرداء ، فقلت : الله أكبر ! قال : ما لك يا عبد الله ، أذعورة أنا ؟ قلت : لا والله ، ولكن بلغني أن من أتى هذا المسجد لم يشخصه إلا الصلاة فيه ، فصلّى فيه ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه . قال : الحديث كما بلغك . قلت : فجئت إلى هذا المسجد فصليت فيه ركعتين ، ثم قلت : اللهم صُن وحدتي ، وآنس وحشتي ، وارحم غربتي ، وسق إليّ جليساً صالحاً ينفعني . قال : فأنا أحق بالحمد منك إذ أشركني الله في دعوتك ، وجعلني ذلك الجليس الصالح . لا جرم لأحدثنك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أحدث به أحداً قبلك ولا أحدث به أحداً بعدك . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا … } إلى آخر الآية . قال : " فيجيء هذا السابق بالخيرات فيدخل الجنة بغير حساب ، ويجيء هذا المقتصد فيحاسب حساباً يسيراً ، ثم يدخل الجنة ، ويجيء هذا الظالم لنفسه فيوقف ويعيّر ويوبّخ ويعرّف ذنوبه ثم يتجاوز الله عنه فيدخله الجنة بفضل رحمته ، فهم الذين قالوا : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } . غفر الذنب الكبير وشكر العمل اليسير ، سبحانه وتعالى " . ذكروا عن أبي قلابة أنه تلا هذه الآية إلى قوله : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } فقال : دخلوها كلهم . ذكروا عن أبي المتوكل الناجي أن حبراً من الأحبار لقي كعباً فقال : يا كعب ، تركت دين موسى واتبعت دين محمد ؟ فقال : بل أنا على دين موسى واتبعت دين محمد ، فقال : فما حملك على ذلك ؟ فقال : إني وجدت أمة محمد يقسمون يوم القيامة ثلاثة أثلاث : ثلث يدخلون الجنة بغير حساب ، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً ، وثلث يقول الله تبارك وتعالى لملائكته : قلبوا عبادي فانظروا ما كانوا يعملون . فيقلبونهم فيقولون : ربنا نرى ذنوباً كثيرة وخطايا عظيمة . فيقول : قلبوا عبادي فانظرو ما كانوا يعملون فيقلبونهم إلى ثلاث مرات ، فيقول في الرابعة : قلبوا ألسنتهم فانظروا ما كانوا يعملون ، فيقلبون ألسنتهم ، وهو العالم بقولهم ، فيقولون : ربنا ، نراهم يخلصون لك ولا يشركون بك شيئاً . فيقول عبادي اخلصوا لي ولم يشركوا بي شيئاً اشهدوا يا ملائكتي إني قد غفرت لعبادي وقد رحمتي بالغفران لعبادي بما أخلصوا لي ولم يشركوا بي شيئاً . ذكروا عن عقبة بن صهبان قال : سألت عائشة عن هذه الآية ، فقالت : نعم ، يا بنيّ ، كلُّهم إلى الجنّة ؛ السابق من مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحياة والرزق ، والمقتصد من اتَّبع أثره من أصحابه حتى لحق به ، والظالم لنفسه مثلي ومثلك . فألحقت نفسَها بنا من أجل الحدَث الذي أصابت . ذكروا عن عمر بن الخطاب قال : سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له بعد توبته . ذكروا عن الحسن قال : السابقون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، والمقتصد رجل سأل عن آثار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فاتَّبعهم ، والظالم لنفسه منافق قُطِعَ بِه دونهم . ذكروا عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأ هذا الحرف : { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } فقال : سقط هذا ، يعني ما قال الحسن : إنه المنافق . وتفسير مجاهد : إنه منافق . وقال : هي التي في سورة الواقعة ، السابقون هم السابقون ، يعني قوله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } [ الواقعة : 10 ] فوصف صفتهم في أول السورة ، والمقتصد أصحاب اليمين ؛ وهم المنزل الآخِر في سورة الواقعة : { وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ الْيَمِينِ } [ الواقعة : 27 ] فوصف صفتهم . والظالم لنفسه أصحاب المشأمة . وقال بعضهم : إن أصحاب اليمين هم الذين يحاسبون حساباً يسيراً ، وهو المقتصد في حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم أصحاب المنزل الآخِر في سورة الرحمن حيث يقول : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 62 ] فوصفهما . ومنزل السابقين المنزل الأول في سورة الرحمن : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 46 ] . قوله : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } قد فسَّرنا ذلك في غير هذه الآية . قوله : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً } . وقال في آية أخرى : { وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ } [ الإِنسان : 21 ] . قوله : { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } ذكروا عن أبي هريرة قال : دار المؤمن من درة مجوّفة ، في وسطها شجرة تنبت الحلل ، ويأخذ بأصبعيه حلّة منظمة باللؤلؤ والمرجان . ذكروا عن عمرو بن ميمون الأزدي قال : إن المرأة من نساء أهل الجنة من الحور العين لَيَكُونَ عليها سبعون حلّة ، وإنه ليُرى مخُّ ساقها من وراء ذلك كما يبدو الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء .