Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 24-24)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إنمَّا مَثلُ } صفة { الحياةِ الدُّنيا } أو حالها العجيبة فى سرعة الذهاب بعد إقبالها ، والاغترار بها التى هى كالمثل المضروب { كماءٍ أنْزلناهُ منَ السَّماءِ } ليس المشبه به مجرد الماء ، بل هو وما بعده إلى { حصيد } أو بالأمس ، فذلك تشبيه تمثيلى ، ويقال له مركب . { فاخْتلطَ بهِ } بسببه { نباتُ الأرْضِ } بعضه ببعض ، بأن كثر والتفَّ وهو النبات الذى خرج به ، أو مطلق النبات ، بأن يزيد النبات السابق عنه نمواً ، ويخرج الآخر وينمو فيتزاحم النبات ، ويجوز أن تكون الباء للمصاحبة ، بأن يكون المراد باختلاط النبات به اشتماله عليه بدخوله فيه بالمص من الأرض ، على أن يكون النبات سابقا فى الوجود ، والأصل أن يقال على هذا الوجه فاختلط بنبات الأرض ، لكنه ليس من باب القلب ، لأنه إذا امتزج شيئان فكل منهما مختلط بالآخر ، واختار إسناد الاختلاط للنبات مبالغة فى قوة جبذ الماء ، حتى كأنه يتحرك إلى الماء ، هذا ما ظهر لى من الأوجه بالتأمل وعن ابن عباس اختلاط النبات به وجود أنواع النبات مختلطا بعضها ببعض بسببه ، ووقف بعض القراء على اختلط ، أى اختلط الماء بالأرض ، فحذف بالأرض ، واستأنف قوله { به نبات الأرض } على أنه خبر ومبتدأ ، وعلى هذا بالهاء للاختلاط أو للماء { ممَّا يأكلُ الناسُ } كالبرق والشعير { والأنْعامُ } كسرق ذلك وورقه ، والكلأ . { حتَّى إذا أخَذَتِ الأرضُ زُخْرفَها } أى أخذت زينتها من ألوان النبات ، وأصناف الثمار ، شبهها بعروس أخذت عطرها وثيابها ، واستعملتها للزينة { وازيَّنتْ } وزنه تفعَّلت ، أصله تزينت ، أبدلت التاء زاياً وسكنت وأدغمت فى الزَّاى ، فجئ بهمزة الوصل لوقوع الساكن أول الكلمة ، وقرأ ابن مسعود ، والأعمش ، وأبى وتزينت على الأصل ، وقرأ الحسن ، وأبو العالية ، والشعبى ، وقتادة ، ونصر بن عاصم ، وعيسى وازيَّنت بإسكان الزاى وتشديد النون ، كقولك اخضرَّ الزرع واحمر زيد بتشديد الراءين وقرأ أبو عثمان وازاينت بذلك الضبط وزيادة الألف قبل النون ، وقرأت فرقة كذا لكن بهمز الألف المزيدة ، وفرقة وازاينت بتشديد الزاى بعدها ألف وتخفيف الياء والنون ، أصله تزاينت ، أبدلت التاء زاياً وسكنت ، وأدغمت وجئ بهمزة الوصل ، وقرئ أزينت بقطع الهمزة مفتوحة بوزن أكرمت ، أى أحضرت زينتها ، أو صارت ذات زينة ، وهو شاذ ، لأن القياس أن تنقل فتحة الياء للزاى فتنقلب الفاء . { وظنَّ أهْلُها أنَّهم قادِرُون عَليها } أى على ثمارها ، أى متمكنون من حصدها ورفعها والمضاف محذوف كما رأيت ، وقيل الضمير عائد إلى الغلة ، أو الثمار ، وقيل إلى الزينة المفهومة من ازينت ، وعلى القولين فلا حذف { أتاهَا أمْرُنا } أى قضاؤنا بهلاكها ، بريح أو ماء أو برد أو جراد أو غير ذلك { ليْلا أو نَهاراً فجعَلْناهَا } أى جعلنا ثمارها ، فحذف المضاف ، ويجوز عود الضمير إلى المضاف المقدر فى قوله { عليها } وهو الثمار ، وأما هاء فى أتاها ففيها الوجهان ، ووجه آخر وهو عودها إلى الأرض بلا تقدير ، لأن إتيانها إتيان لما فيها ، وإنما حسن أن يقدر فجعلنا ثمارها بعد تقدير أنهم قادرون على ثمارها ، لأن المضاف لم يذكر أولا ، فكان يقدر ظاهر ، أو لا يمكن أن يقدر ضمير لأن الضمير لا يضاف . { حَصِيداً } أى محصودة ، وذكر لأن فعيلا بمعنى مفعول يذكر إذا وصف به المؤنث ، وكانت قرينة على ذلك المؤنث ، ويقدر المضاف أيضا هنا ، أى حصيداً ثمارها ، وإن رددنا الضمير فى جعلناها للثمار لم يقدر هنا مضاف ، فيكون الحصيد هو الثمار ، والتذكير لما مر ، والإفراد بتأويل الجماعة أو الجملة ، أى جملة حصيداً ، أى محصودة ، كامرأة قتيل ، وعلى كل حال لو جعلناها ذات حصيد ، أى ذات زرع حصيد ، فالمراد التشبيه بما حصد بنحو المنجل وذهب به . { كأنْ لَم تَغْنَ } بفتح التاء ، أى لم تلبث ثمارها ، يقال غنى بالمكان أى لبث به ، وقرأ الحسن ، وقتادة ، يغن بالتحتية أى زرعها إما على تقدير المضاف فى المواضع المذكورة لفظة زرع فاعتبر هنا ، وإما إرجاء للحصيد ، على أن الأصل ذات زرع حصيد ، وقرأ مروان على المنبر كان لم يتغن ، وهو يتفعل من غنى مبالغة فى اللبث ، وهارون كأن لم تتغن بتاءين . { بالأمْسِ } أى فى الأمس ، وهو هنا مثل فى الوقت القريب ، كقولك كأن لم تكن آنفا شبه زوال الدنيا بعد إقبالها بزوال خضرة النبات وذهابه بثماره بعد سكون النفس ، الى أنه قد سلم من الحوائج ، ودخل فى زوال الدنيا زوال الإنسان عنها بالموت ، فإن من مات فقد زالت عنه الدنيا ، وقال الشيخ هود ذلك مثل للبعث ، ورد على منكره ، فكما أنه قادر على إحياء الأرض بالنبات بعد ذهابه ، قادر على إحياء الموتى . { كَذلكَ نُفصِّلُ } نبين { الآياتِ لقَومٍ يتفكَّرونَ } فإنهم المنتفعون بها ، ولو كان التفصيل عاما لكل أحد ، وعن ابن عباس إن فى مصحف أبىّ كأن لم تغن بالأمس ، وما كنا لنهلكها إلا بذنوب أهلها ، كذلك نفصل الخ ، وقيل فيه وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها ، وقرأ أبو الدرداء ، لقوم يتذكرون .