Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 98-98)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلوْلا } للتوبيخ والتنديم { كانَتْ قَريةٌ } أى أهل قرية ، أو أطلق القرية على أهلها للحالية والمحلية { آمنَتْ فَنفَعَها إيمانُها } وبخ أهل القرى وندمهم على ما فاتهم من أن يؤمنوا ، فينفعهم إيمانهم ، بأن يوقعوه قبل معاينة عذاب وجه إليهم ، وذلك أنهم لم يؤمنوا إلا بعد المعاينة ، هذا ما ظهر لى فى تفسير الآية ، ولولا على الصناعة . وقرأ ابن مسعود فهلا كانت ، وكذا فى مصحفه ، وليست هلا التحصيصية بل التوبيخية والتنديمية ، لأن التحضيض على أمر مستقبل لا ماض فائت ، وقد تجعل لولا وهلا فى الآية للتحضيض على تنزيل ما مضى منزلة المستقبل ، كأن أهل القرى الموتى أحياء حضهم على الإيمان وقت ينفع ، ثم رأيت ابن هشام قال إنها للتوبيخ كما قلت ، قال والظاهر أن المعنى على التوبيخ ، أى فهلا كانت قرية واحدة من القرى المهلكة تابت عن الكفر قبل مجئ العذاب ، فنفعها ذلك ، وهو تفسير الأخفش ، والكسائى ، والفراء ، والنحاسى ، ويؤيده قراءة أبىّ ، وعبد الله بن مسعود فهلا انتهى . { إلاَّ قَومَ يُونسَ } استثناء منقطع ، ويجوز أن يكون متصلا ، لأن التوبيخ يقتضى عدم الوقوع ، والمراد الناس فى قوله { كانت قرية } كما مر ، فكأنه قيل ما كانت قرية آمنت بعد معاينة العذاب ، فنفعها إيمانها إلا قوم يونس ، فلمراعاة معنى النفى من التوبيخ كانت النكرة ، وهى قرية للعموم ، وذلك أولى من قول الهروى إن لولا هنا حرف نفى ، ولا دليل له فى قراءة بعض برفع قوم على البدلية ، لأن البدلية كما تجوز بعد النفى الصريح نحو ما قام أحد إلا زيد ، تجوز بعد غير الصريح كقولك تغير المنزل إلا النوء والوتد ، فباعتبار الظاهر يجب النصب بذكر المستثنى منه ، وكذا حيث استتر ضميره ، والكلام إيجاب لكن رفع نظرا إلى أن المعنى لم يبق المنزل على حاله إلا النوء والوتد . { لمَّّا آمنُوا } بعد معاينة عذاب وجه إليهم { كَشفْنا } أنزلنا { عَنْهم عَذابَ الخِزْى فى الحَياةِ الدُّنْيا ومتَّعْناهُم } أحييناهم فى منفعة لهم دنيوية وأخروية { إلىَ حِينٍ } هو حين آجالهم ، والأكثر أنهم رأوا العذاب ، فلذلك صح استثناؤهم ممن رآه فلم ينفعه إيمانه وقيل لم يروه ، وعليه فالاستثناء منقطع ، وكذا هو منقطع على قول من قال إن أهل تلك القرى آمنوا بعد معاينة العذاب ووقوعه عليهم ، لأن قوم يونس عاينوه ، ولم يقع عليهم ، لكن الظاهر أن العذاب الموجه إلى قوم لكفرهم إذ رأوه ، ولو لم يقع عليهم فى حينهم ، كالواقع فى أنه لا يرد ، ولا تنفع التوبة إلا قوم يونس ، فإن لله الحكم بما شاء ، وحكمه كله حكمة وعدل . وقيل نفعتهم توبتهم بأنها قبل نزوله عليهم ، بخلاف توبة فرعون ، فإنها بعد المباشرة ، وقيل لصدق نيتهم ، بخلاف فرعون ، فإن نيته لم تصدق فيما قيل إنما أراد دفع البلية الحاضرة ، أو كانت فى شك كما مر . قال صاحب عرائس القرآن وغيره لم ينسب أحد إلى أمة إلا عيسى ويونس بن متى ، وقيل متى أبوه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ينبغى لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ، قال الله عز وجل { وذا النُّون إذْ ذهب مُغاضباً } " . وكان رجلا صالحا يتعبد فى جبل كان من أهل قرية من قرى الموصل تسمى نينوى ، كان قومه يعبدون الأصنام ، فبعثه الله إليهم ، وكان لا يصبر مع الناس ، فلحق بالجبل يعبد فيه ، وكان حسن القراءة تستمع الوحوش إلى قراءته كداود ، وكانت تعتريه حدة ، وكان قليل الصبر على قومه ، قليل المداراة لهم ، ولذلك نهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكون مثله ، لعجلة ظهرت منه ، ولا تكن كصاحب الحوت . زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كانت فى يونس خفة وعجلة ، فلما حمل أعباء النبوة تفسح تحتها تفسح الرابع تحت الحمل " . قال على بن أبى طالب بعث الله تعالى يونس إلى قومه وهو ابن ثلاثين سنة ، وقام يدعوهم ثلاثا وثلاثين سنة فلم يؤمنوا ، إلا رجلان روبيل وكان عالما حكيما ، وبنوحا وكان زاهدا عابدا ، قال ابن مسعود لما أيس منهم دعا عليهم ، فقيل له ما أسرع ما دعوت على عبادى ، ارجع إليهم وادعهم أربعين ليلة ، فإن أجابوك وإلا فإنى مرسل عليهم العذاب ، فرجع فدعاهم سبعا وثلاثين ليلة فلم يجيبوه ، فقام خطيبا فيهم ، فقال إنى محذركم العذاب إلى ثلاثة أيام إن لم تؤمنوا ، وقيل حذرهم العذاب من أول الأربعين إن لم يؤمنوا لتمامها وآية ذلك أن تغير ألوانكم ، فقالوا إنه رجل لم يجرب عنه كذب قط ، فانظروا فإن بات فيكم ليلة الثالثة فليس ذلك بشئ ، وإلا فاعلموا أن العذاب مصبحكم ، فآمنوا قبل أن ينزل عليكم ، فتغيرت ألوانهم ليلة الثالثة ، فرأوا تغيرها ، وخرج ولم يبت فيهم . فلما أصبحوا تغشاهم العذاب ، قال سعيد بن جبير كما يغشى الثوب القبر إذ أدخل فيه صاحبه ، وقال مقاتل كان فوقهم قدر ميل ، وقيل أربعة أميال ، وعن ابن عباس قدر ثلث ميل ، وعنه ثلثى مثل ، وعن قتادة ، ووهب أن السماء غامت غيما أسود هائلا يرى منه دخان شديد ، وهبط حتى غشا مدينتهم ، واسودت سطوحهم ، فطلبوا يونس فلم يجدوه ، فأيقنوا بالهلاك ، وبصدق يونس ، فقذف الله فى قلوبهم التوبة ، وألهمهم حتى خرجوا إلى الصعيد بأنفسهم ، ونسائهم ، وصبيانهم ، ودوابهم ، ولبسوا المسوح ، وأظهروا الإيمان والتوبة ، وأخلصوا النية ، وفرقوا بين كل امرأة أو دابة وولدها ، ليزدادوا ضجيجا ، ويحن بعضهم إلى بعض ، فعلت أصواتهم ، واختلطت ، وتضرعوا وقالوا آمنا بما جاء به يونس ، فرحمهم ربهم ، وقبل توبتهم ، وكشف العذاب عنهم يوم عاشوراء يوم الجمعة ، وقيل نصف شوال يوم الأربعاء . قال ابن مسعود بلغ من توبة أهل نينوى أن ترادوا المظالم حتى كان الرجل يأتى حجرا ووضع عليه أساس بنيانه فيقلعه ويرده لصاحبه . وروى صالح المرى ، عن أبى عمران الجونى ، عن أبى الخلد لما غشيهم العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا قد نزل بنا العذاب فما ترى ؟ قال قولوا يا حىّ حين لا حى ، ويا حىّ محى الموتى ، ويا حىّ لا إله إلا أنت ، فقالوا ذلك ، فكشف عنهم . وقال الفضيل بن عياض ، قالوا اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت ، وأنت أعظم منها وأجل ، فافعل بنا ما أنت أهله ، ولا تفعل بنا ما نحن أهله ، وجعل ينتظر العذاب فلم ينزل بهم ، فقيل له ارجع إليهم ، فقال كيف أرجع إليهم وقد وعدتهم بالعذاب ولم يعذبوا ، وكانوا يقتلون من كذب .