Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 110-110)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ حتَّى إذا اسْتيأسَ } أى ضجروا ضجرا شديدا من طول تأخير النصر شبيها بالإياس ، وحاشاهم أن ييأسوا من شئ وعده الله لهم ، وهذه لا يتصور ممن صدق إيمانه فضلا عن نبى ، أو المراد ما يحدث فى النفس وتعاند به من القنوط ، مع أنك غير جازم به ، ولا مساعد لها ، وهم بشر وحتى للابتداء ، وليست إلا ابتدائية خارجة عن الغاية بالكلية كما قد يتوهم ، فإن معناها كمعنى فاء السببية ، والتسبب غاية من حيث أنه ارتباط ، وأن استيئاسهم مسبب عن تراخى النصر ، وليست جارة لإذا على الصحيح ولا متعلقة ، ومن أطلق أنها متعلقة كالزمخشرى ، فمراده التعلق المعنوى ، فإن معناها مع ما بعدها متعلق لمحذوف ، ومرتبط به أى لا يغرر قومك يا محمد تمادى إياهم ، فإن من قبلهم أمهلوا وتراخى نصر الله الرسل عليهم حتى إذا استيأس الرسل عن النصر عليهم ، أو عن إيامانهم لعدم ما يكفيهم عن الكفر ، ووجود مقتضياتهم من كونهم غالبين ومترفهين . { وظنُّوا } أى أيقن الرسل { أنهم قَدْ كُذِبوا } أى أنهم قد كذبهم قومهم إلى الأبد ، لا تكذيبا يرجى له الإيمان كما أشار إليه قتادة ، فالضمائر كلها للرسل ، أو الظن بمعنى عدم اليقين رجحانا أو شكا ، فالمكذبون على هذا بكسر الذال هم المؤمنون ، أى وظن الرسل من غير قطع أنهم قد كذبهم من آمن بهم لرؤيته تغلب الكفرة ، وعدم النصر ، وشدة المحنة عليهم كما قال عروة بن الزبير ، والضمائر أيضا للرسل ، وليس هذا الظن بالمؤمنين الذى بمعنى الرجحان مؤاخذا عليه لأنه يجئ مثلا فى نفوس الرسل ضرورة ، وذلك قراءة نافع ، وابن كثير ، وأبى عمرو ، وابن عامر بالبناء للمفعول والتشديد ، وكذا تقرأ عائشة ، وقرا الباقون بتخفيف الذال والبناء للمفعول ، أى كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم لا ينصرون بتخفيف ذال كذبتهم ، أى لم تخبرهم بصدق ، والضمائر أيضا للرسل ، وهكذا إذا قلنا كذبهم رجاؤهم بالتخفيف ، أى لم يطابق لهم النصر ، وهكذا إذا قلنا كذبهم قومهم بالتخفيف ، أى لم يخبرهم قومهم بصدق أى وعدوا لهم الإيمان مطلقا ، أو على شرط الإتيان بآية . وإن قلنا إن المعنى ظن القوم أن رسلهم قد كذبوا بالتخفيف ، أى لم يخبرهم بصدق من أمرهم بدعاء الخلق إلى الله ، أو بمجئ الوعيد والنصر على عدم إجابة الخلق لهم قالوا وفى ظنوا للمرسل إليهم بفتح السين ، وفى أنه وفى كذبوا للرسل ، فكأنه قيل ظن القوم أن رسلهم قد أخلفهم الله أو جبريل الوعد تعالى الله وجبريل عن ذلك . وعن ابن عباس ان الرسل ظنوا أن الله أو جبريل أخلفهم الوعد ، فإن صح عنه هذا فمعنى ظنهم ما تحدث به النفس على طريق الوسوسة ، والإنسان كاره له ناف ، وهى تعاند به كما روى عنه أنه قال إن الرسل بشر يعنى تحدثهم أنفسهم كما تحدث غيرهم نفسه ، أو المراد بظنهم التمثيل لشدة تأخير النصر . ويدل له ما روى عنه أنه قال ذلك ، وتلا { حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله } فبأحد التأولين تتنزه الرسل عن ظن خلف الوعد ، وابن عباس عن رميهم بذلك حاشاه ، وقال ابن الأنبارى ذلك كذب عن ابن عباس ا هـ . وعلى صحته عنه بأحد التأويلين ، فالضمائر كلها للرسل ، ويجوز أن يكون المعنى أن القوم ظنوا أنهم قد كذبهم الرسل بالدعوة والوعيد ، فالضمائر للمرسل إليهم لأن كذبوا مبنى ، للمفعول مخفف ، وفاعله قبل قبل البناء للمفعول وهو الرسل لإعادة الضمير الأول ، والثالث للمرسل ، والثانى للرسل خلافا لمن غلط لبقاء الخبر ، بل رابط . ويجوز أن يكون المعنى أن الرسل ظنوا أنهم قد كذبهم من وعدهم النصر من قومهم المؤمنين ، أو مطلقا بالتخفيف ، أى لم يخبروهم بصدق فى وعدهم ، ولم ينجزوهم الوعد ، وقرأ مجاهد كذبوا بفتح الذال والتخفيف ، فهو مبنى للفاعل ، وعليه فالمعنى ان القوم ظنوا أن الرسل كاذبون فيما قالوا ، إذ لم يروا له أثرا ، فالضمير الأول للمرسل إليهم ، والآخران للرسل ، وهو من كذب اللازم ، أو المعنى أن القوم ظنوا أن الرسل قد كذبوهم بالتخفيف ، أى لم يخبروهم بصدق ، فالأول للمرسل إليهم ، والآخران للرسل أيضا ، وهو من كذب المتعدى ، ومفعوله محذوف مقدر كما رأيت . ويجوز أن يكون المعنى ظن الرسل أنهم كاذبون فى قولهم ، ومعنى ظنهم الكذب فى أنفسهم أن نفوسهم توسوس لهم ، إنما أخبرتموهم به كذب أو التمثيل لشدة تأخير النصر ، والضمائر للرسل ، وكذب لازم وإن قلت كيف جاز عود الضمير للقوم المرسل إليهم ، والمذكور إنما هو الرسل معلومين من ذكر الرسل ، قد ذكروا فى قوله { كيف كان عاقبة الذين } . { جاءهم } أى جاء الرسل { نَصْرنا } فجأة من غير احتساب ، والنصر بعذاب المكذبين وإهلاكهم { فَنُجِّى } وقرأ ابن عامر ، وعاصم ويعقوب ، فنجى بنون واحدة مضمومة ، وبكسر الجيم ، وفتح الياء ، فيكون فعلا ماضيا مبنى للمفعول مشدد الجيم ، وقرئ ننجى بنونين مضمومة ، والثانية مفتوحة ، وكسر الجيم مشددة ، وإسكان الباء ، وقرأ ابن محيصن فنجا بماض مبنى للفاعل { مَنْ نَشاء } وهم الرسل والمؤمنون ، ولم يصرح بهم لظهور أنهم هم الأهل للتنجية ، ولتبيين ذلك بقوله { ولا يُردُّ بأسُنا } أى عذابنا { عَن القوْمِ المجْرِمينَ } وهم غير الرسل والمؤمنين ، لا يرد أحد بأس الله عز وجل عنهم إذ جاءهم .