Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 18-18)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وجَاءُوا عَلى قميصِهِ } متعلق بمحذوف حال من دم ، ولا يقاس ذلك ، لأن الحال لا تتقدم على صاحبها المجرور بحرف غير زائد ، وأجاز ابن مالك قياسه كالفارسى ، وابن كيسان ، وابن برهان ، وابن ملكون ، وبعض الكوفيين ، قال ابن مالك فى شرح التسهيل هو الصحيح ، انتهى ، وعلى كل حال فتخريج الآية عليه أنسب المعنى ، وأسلم من التكلف ، ويجوز كون على بمعنى مع فتعلق بمحذوف حال من الواو ، أو بجاءوا على الأول تكون الباء فى قوله { بدمٍ } بدلا من همزة التعدية متعلقة بجاءوا بمعنى مع متعلقة بمحذوف حال من الواو ، وبجاءوا على الثانى ، تكون بدلا من الهمزة متعلقة بجاءوا بمحذوف حال من قميص ، ويجوز كون الباء متعلقة بكون خاص هو الحال من قميص أى ملطخا بدم . { كَذبٍ } وصف بالمصدر مبالغة ، كأنه نفس الكذب كقوله @ * فهن به جود وأنتم به بخل * @@ فجعلهن نفس الجواد ، وجعلهم نفس البخل مبالغة ، أو يأول باسم مفعول أى بدم مكذوب فيه ، أو يقدر مضافا أى ذى كذب ، أو هو صفة مبالغة لا مصدر ولو قل مثله ، وقرئ كذبا لنصب على الحال بأحد تلك الأوجه من كونه مصدرا مبالغة ، أو مؤلا بالوصف لكن باسم الفاعل هنا ، أى كاذبين ، أو كونه بتقدير مضاف ، أى ذوى كذب ، أو كونه صفة مبالغة ، وأجيز كونه مفعولا لأجله ، وإنما وصف الدم بأنه كاذب لأنه ليس دم يوسف كما قالوا ، وقراءة عائشة كذب بإهمال الذال ، أى طرى وقيل كدر ، واختاره بعض . وقال ابن جنى أصله البياض الخارج على أظفار الصغار ، شبه به الدم اللاصق على القميص ، وفى رواية أنهم لم يجيئوا أولا بقميصه إليه بل أمسكوه عندهم حتى ، قال ماعلامة ذلك ؟ فأخرجوه إليه ، وقيل لما قالوا له { إنَّ ذهبنا نستبق } الخ قال لهم أرونى قميصه ، فأروه إياه فقال والله الذى لا إله إلا هو ما رأيت ذئبا أحلم من هذا لم يخرق له قميصا ، ولم يشق له جيبا ، وصاح صيحة وخر مغشيا عليه ، فلم يفق إلا بعد ساعة طويلة ، فلما فاق بكى بكاء شديدا ، وأخذ القميص يشمه ويضعه على وجهه وعينيه . قال الشعبى كان فى قميص يوسف ثلاث آيات لما جاءوا به إلى أبيه وقالوا أكله الذئب فقال لو أكله لشق قميصه ، وحيث سعى نحو الباب فقدت زليخا قميصه من خلف ، فعلم العزيز أنه لو راودها لكان الشق من بين يديه ، وحيث ألقى على وجه أبيه فارتد بصيرا ، وكل قميص غير الآخر . وعن ابن عباس لما أعطوه القميص بكى ، ثم تأمله فلم ير به خرقا ولا أثر ناب ، استدل على كذبهم فقال متى كان الذئب حليما يأكل يوسف ولا يخرق قميصه ، وذلك أنهم غفلوا أن يمزقوه . وروى انه لما سمع بخبر يوسف صاح بأعلى صوته أين القميص ؟ فأعطوه ، فألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص ، وقال تالله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا ، أكل ابنى ولم يمزق عليه قميصه . وروى أنه لما رأى الدم على القميص بكى ، ولما قلبه ضحك ، قالوا يا أبانا الضحك والبكاء فى موضع واحد من فعل المجانين ، فقال أما بكائى فعلى الدم صحب القميص ، لما رأيت الدم توهمت أن الذئب أكله ، ولما رأيت القميص صحيحا رجوت أن الحديث غير صحيح ، لأن الذئب إذا أكل الإنسان يمزق قميصه . وروى أنه قال لهم ائتونى بالذئب الذى أكله إن كنتم صادقين ، فعمدوا إلى ذئب فصادوه . وروى لما رجعوا إلى مراعيهم من الغد ، قال بعضهم لبعض هل رأيتم ما كان من تكذيب أبيكم البارحة ، فإذا أردتم أن يصدقكم فنسير إلى الجب فنخرج يوسف ، ونفرق بين أضلاعه ولحمه ، ونأتيه به ، فقال يهودا يا إخوتاه أين العهد الذى بينى وبينكم ، لئن فعلتم لأخبرن يعقوب بما كان منكم ، ثم لأكونن لكم عدواً ، فتركوه ، وكان يهودا راحما به ، يأتيه ليلا يؤنسه ويطعمه ويسقيه ، فيقول يوسف لا بأس بى ، فيقول فما بكاؤك ؟ فيقول حزنا على بكاء أبى وأختى ، وحزنهما علىَّ ويسأله عنهما . ولما قال لهم ائتونى بالذئب عمدوا إلى حبالهم وعصيهم ، وعمدوا ألى الصحراء فاصطادوا ذئبا فشدوه وأوثقوه كتافا ، ثم حملوه إلى يعقوب فتركوه بين يديه ، فقال حلوا عقاله ، فحلوه ، فقال له يعقوب أيها الذئب أكلت قرة عينى ، وثمرة فؤادى ، وحبيب قلبى ، لقد أورثتنى حزنا طويلا ، فتكلم الذئب بإذن الله تعالى فقال لا وحقّ شيبتك يا نبى الله ما أكلت لك ولدا ، وإن لحومكم ودماءكم معاشر الأنبياء محرمة علينا ، وإنى لمظلوم مكذوب علىَّ ، وإنى ذئب غريب من بلاد مصر ، فقال له يعقوب ما الذى أدخلت أرض كنعان ؟ فقال له أنا ذئب غريب أتيت من أرض مصر فى طلب أخ لى ، فما أدرى أحى هو أم ميت . وروى أنه لم يطالبهم أن يأتوا بالذئب ، ولكن قالوا نأتى به ؟ فقال نعم ، ولم يعلموا أن الذئب ينطق له ، فاصطادوا ذئبا فكسروا رباعيته فحملوه بسلسلة نحوه ، فقال بئس ما فعلت ، أكلت وجها كالقمر المنير ، أما رحمت ذلك الصغير ؟ أما أشفقت على هذا الشيخ الكبير ؟ فأنطقه الله فقال السلام عليك يا نبى الله ، إن لحوم الأنبياء محرمة على جميع السباع وأنا برئ مما توهمت ، والله تعالى بينى وبين أولادك ، قالوا علىَّ الزور ، أما قرءوا فى صحف إبراهيم أن الزور والبهتان عظيم . فتحير يعقوب ونكس أولاده رءوسهم ، ثم قال أيها الذئب من أين أنت ؟ قال أنا غريب من أرض أصبهان ، جئت فى طلب ولد لى فارقنى ودخل بلاد الشام ، فلقيت الذئاب فأخبرونى أنه اصطاده ملكهم على أن يذبحه غدا ، ولى سبعة عشر يوما ما ذقت طعاما من حرقتى عليه ، فبكى يعقوب وقال إذا حزن الذئب على الفراق فكيف أطيق أنا الفراق ؟ ثم قال هل عندك خبر يوسف ؟ قال نعم ، قال أخبرنى . قال ولم ؟ قال أخشى العار يسمنى غمازا ، والغماز عندنا مبغوض عند الله وعند الناس ، ولا نصيب له فى الرحمة والجنة ، أى إن كان من المكلفين ، وإلا فالذئب ونحوه لا مطمع لهم فى الجنة ، ولا عقاب عليه بالنار ، قال له يعقوب أنا أشفع فى ابنك ، قال فأنا أشفع فى ابنك واسأل الله أن يرده عليك . وروى أنه قال والله ما رأيت ولدك قط ولا أكلته ، وإنما وقعت بأرض كنعان لأصل رحما ، فأنطق الله الذئب له ولرؤيته القميص صحيحا ، وعلمه من حسدهم أو لإيحاء الله سبحانه إليه كما قال الحسن إنه أوحى إليه بحياة يوسف دون إعلام بمكانه ، قال لهم ليس الأمر كما قلتم . { بَلْ سَوَّلتْ } أى زينت وسهلت ، أو هونت من السول وهو استرخاء ما تحت السرة من البطن ، قال بعض أصل التسويل تقدير معنى فى النفس مع الطمع فى إتمامه { لكُم أنفُسكم أمراً } عظيما تصنعونه بيوسف { فَصبرٌ جَميلٌ } لا أشكوا فيه إلى الخلق ، ولا أجزع . وفى حديث مرفوع أشكوا فيه أى إلى الخلق بدليل قوله { إنما أشكوا بثى وحزنى إلى الله } وفى حديث من بث أى إلى الخلق لم يصبر صبرا جميلا ، وقيل مراده لا أعايشكم على كئابة الوجه ، بل أكون لكم كما كنت ، وقيل هو أن لا يحدث المصيبة ولا يزكى نفسه . وروى أن حاجبيه سقطا على عينيه ، فكأن يرفعهما بعصابة فقيل له ما هذا ؟ فقال طول الزمان ، وكثرة الأحزان ، فأوحى الله سبحانه وتعالى يا يعقوب تشكونى ؟ قال يا رب خطيئة فاغفر لى ، وصبر مبتدأ خبره محذوف أو بالعكس . قال ابن هشام إذا دار العمر بين كون المحذوف مبتدأ وكونه خبرا ، قال الواسطى الأولى كون المحذوف المبتدأ ، لأن الخبر محط الفائدة وقال العبدى الأولى حذف الخبر لأن التجوز أضر لجملة أسهل ، نقل القولين ابن إبان ، ومثال المسألة هذا جميل ، أى شأنى صبر جميل ، أو صبر جميل أمثل من غيره ، أى لأن المقام يدل على كل واحد ويقلبه ، وقدر بعضهم فصبرى صبر جميل ، وبعض فأمرى صبرى جميل وفصبر جميل أجمل ، وبعض فشأنى صبر جميل ، والمصدق واحد . { والله المستعان } المطلوب منه العون { عَلى ما تَصِفُون } على احتمال ما تصفون هلاك يوسف ، والصبر على المصيبة ، وقيل من القول الكاذب ، وبه قال الشيخ هود رحمه الله ، قال ابن عباس إنما كان سبب بلاء يعقوب أنه ذبح شاة وهو صائم فاستطعمه جار له فلم يطعمه ، قيل ذبح ناقة وشوى ، فوجد جاره ريح الشواء ولم يطعمه ، وقيل طبخ فوجد ريح الطبيخ فلم يطعمه ، وقيل سأله سائل طعاما فلم يطعمه ، وقيل باع أمة وفرق بينها وبين ولدها ، ولما قال يوسف يا صانع غير مصنوع إلى آخر ما مر ، وذلك فى اليوم الرابع ، قيض الله جل وعلا من يخرجه من الجب كما قال { وجَاءتْ سيَّارةٌ … }