Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 23-23)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَراودَتْه } طلبت منه الجماع بتلطيف وخداع وحرص ، مرة بعد أخرى وذلك فى وقت واحد { الَّتى هُو فى بَيْتها } وهى زليخا { عَنْ نَفْسه } كناية عن غرض الجماع وغيره بموصول ليقرر بصلته الغرض المسوق له الكلام ، وهو نزاهة يوسف ، فإنه إذا كان فى بيتها وتمكن منها ولم يفعل ، كان غاية فى النزاهة ، ولو قال وراودته امرأة العزيز أو زليخا ، أو راعيل لم يفت ذلك إلا بخارج ، وقيل عبر به تقريرا للمراودة ، لما فيه من فرط الاختلاط والألفة ، وقيل تقرير المسند إليه لإمكان وقوع الإبهام فى امرأة العزيز أو زليخا ، أو راعيل ، واشتهر أن ذلك زيادة تقرير ، واختير أن ذلك لزيادة تقرير واستقباح التصريح بالاسم . { وغلَّقتِ الأبْوابَ } قيل كانت سبعة متتابعات ، وقيل كل فى جهته لا متتابعة فى جهة واحدة ، وقيل أربعة والتشديد المبالغة فى الإثاق لئلا يهرب ، ولئلا يطلع عليها أحد ، ولشدة الخوف ، ولأن هذا لا يقع إلا فى خفية ، أو التشديد للتكثير ، فإن الأبواب كثيرة فالغلق كثير . { وقَالتْ هِيتَ } بكسر الهاء ، وإسكان الياء ، وفتح التاء عند نافع ، وابن عامر فى رواية ابن ذكوان عنه ، وكذا قرأ هشام عنه ، لكنه أبهم مكان الباء ، وروى عن هشام ضم التاء ، وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وضم التاء تشبيها بحيث ، والباقون بفتحها ، وفى رواية عن أبى عمرو بكسر الهاء وبالهمز وضم التاء ، وقرئ هيت بكسر الهاء والتاء ، وعلى كل حال فهو اسم فعل بمعنى أقبل وبادر ، ومثل هذا قول الحسن إن معناه هلمَّ ، وقول عكرمة هيت بالحورانية هلم ، وقول ابن جبير تعال ، وكذلك قال الكسائى إنها لغة لأهل حوران ، رفعت إلى الحجاز ، وقيل هى بالعبرانية فعربت ، وعن مجاهد وغير إنها غربية . واللام فى قوله { لَكَ } لتبيين الفاعل ، فإن يوسف هو المطلوب منه الإقبال ، وقيل فى قراءة كسر الهاء بعدها همزة ، وضم التاء فعل وفاعل ، واللام متعلقة بالفعل من هاء يهئ أى تهيأت لك من هيؤ الرجل بمعنى حسنت حاله ، أى قد حسنت حالى وزينته لك يا يوسف . وقال ابن هشام وأما قوله تعالى { وقالت هيت لك } فيمن قال بهاء مفتوحة وبياء ساكنة وتاء إما مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة ، فهيت اسم فعل ، ثم قيل سماه فعل ماض أى تهيأت ، فالدم متعلقة به كما تتعلق بمسماه لو صرح به ، وقيل مسماه فعل أمر بمعنى أقبل أو تعال ، واللام للتبيين أى إرادتى لك ، وأقول لك ، وأما من قرأ هئت كجئت فهى فعل بمعنى تهيأت ، واللام متعلقة به ، وأما من قرأ كذلك ، ولكن جعل التاء ضمير المخاطب فاللام للتبيين مثلها فى اسم الفعل ، ومعنى تهيئة تيسيرا تفرادها به ، لا أنه قصدها ، بدليل { وراودته } ولا وجه لإنكار الفارسى هذه القراءة مع ثبوتها واتجاهها ، ويحتمل أنها أصل قراءة هشام بكسر الهاء وبالياء ، وبفتح التاء ، ويكون على إبدال الهمزة ، أى إبدالها ياء ا . هـ . { قالَ مَعَاذَ الله } مفعول مطلق نائب عن عامل محذوف وجوبا كسبحان الله ، الأصل أعوذ بالله من موافقتى لك فى معاذا ، أى عوذا فهو مصدر ميمى ، ولما حذف العامل أضيف المصدر إلى المجرور المتعلق به { إنَّه } أى الله { رَبِّى } خبر أول ، وسكن الياء غير نافع وابن كثير وأبى عمر . { أحْسَن مَثْواىَ } هذه الجملة خبر ثان ، أو الهاء ضمير الشأن ، وربى أى الله مبتدأ ، والجملة خبر ، وجملة المبتدأ والخبر ضمير الشأن ، والمراد أنى لا أعصى خالقى ، وقد أحسن منزلتى بأن عطف علىَّ قلب العزيز ، ونجانى من الجب ، أو الهاء للعزيز وهو قطفير زوج زليخا ، وربى بمعنى سيدى خبر ، والجملة بعده خبر ثان ، أو الهاء للشأن وربى أى سيدى قطفير مبتدأ ، والجملة بعده خبر ، والمجموع خبر لأن ، والمراد أنى لا أخونه فى زوجته وقد ائتمننى وتنزلين منزلة الولد ، وأحسن إلىَّ وأمرك بإكرامى ، وإذا حفظ حق مخلوق فأحرى أن يحفظ حق الله ، قيل لما لم يدافع إلا بالاحتجاج والملاينة ، امتحنه الله بالهم بما هَمَّ به ، ولو قال لا حول ولا قوة إلا بالله ، ودافع بعنف ، لم يهم بشئ يكره { إنَّه } أى الشأن { لا يُفْلح الظَّالمونَ } أى ظلم كان ، ومنه الزنى ، وجزاء الإحسان بالإساءة فان الزنى ظلم النفس ، والمزنى بأهله ، وقيل الظالمون المجازون المحسن بالسوء ، وقيل الزناة . قال فى زهر الأكمام ، عن الحسن خرج يوسف عن أبيه وهو ابن سبع عشرة سنة ، واجتمع به وهو ابن ثمانين ، وعن مجاهد خرج ابن ست ، واجتمع ابن أربعين ، وعن وهب مكث فى دار العزيز ثلاث سنين ، ثم بلغ وكانت زليخا تخدمه بنفسها ، وتمشط شعره بيدها ، ومالت إليه بالكلية ، وتكاثر وجدها ، ولا يلتفت إليها فكثر همها ، وشجنت ونحلت ، ودخلت عليها حاضنتها يوما فقالت يا سيدتى إن غصنك ذابل وجسدك ناحل ، وقلبك ذاهل . فقالت كيف لا يكون ذلك وأنا أخدم هذا الغلام العبرانى منذ سبع سنين ألاطفه بلسانى ، وأتحبب إليه بإحسانى ، فكلما زدت ميلا إليه ، زاد إعراضا عنى ، وكلما قربت منه ، بعد عنى ، فقالت يا سيدتى لو نظر إليك لكان أسرع إليك منك إليه ، ولو نظر حسنك وجمالك وصفاء لونك لما قر له قرار دونك ، قالت فيكف ذلك قالت لها مكنينى من الأموال ، قالت خزائنى بيدك لا حساب عليك فيها . فدعت أهل البناء والهندسة وقالت أريد بيتا ترى الوجوه فى حائطه كالمرآة المصقولة ، فبنوا لها بيتا تقدم ذكره وسمته القبطون ، وصور فيه صورة يوسف وزليخا متعانقين وأمرت بسرير من ذهب مرصع بالجواهر واليواقيت واللآلئ ، فوضعته فى وسط البيت ، وجعلت عليه أفشة الديباج وألوان الحرير ، وفرشت البيت وأرخت الستور ، وألبست زليخا من أنواع الحلل غير قليل ، وحلتها بالحلى الكثيرة ، وأجلستها على مرتبة عظيمة ، وخرجت إلى يوسف مستعجلة وقالت يا يوسف أجب سيدتك زليخا فإنها تدعوك فى بيتها القبطون . وكان سميعا لها مطيعا ، وكان بيده قضيب من ذهب يلعب به ، فرمى القضيب من يده ، وأسرع لباب البيت ليدخل ، فكأن قلبه أحس بالشر فأراد الرجوع ، فأسرعت إليه وجذبته إلى السرير وقالت هيت لك ، فأغمض عينيه ، وكف يديه ، وأدلى رأسه حياء من ربه سبحانه وتعالى . قالت يا يوسف ما أحسن وجهك ! قال الله صوره فى الأرحام ، دعينى يا زليخا . قالت ما أحر عينيك ! قال هما أول ما يسقط فى قبرى . قالت ما أحسن شعرك ! قال هو أول ما يبلى منى . قالت ما أطيب ريحك ! قال لو شممتى رأحتى بعد ثلاثة فى قبرى لفررت منى . قالت يا يوسف أتقرب إليك وتتباعد منى ؟ قال أرجو بذلك القرب من ربى . قالت انظر إلىَّ نظرة واحدة . قال أخشى العمى فى آخرتى . قالت ضع يدك على فؤادى . قال لها إذن تغلى فى النار . قالت اشتريتك بمالى وتخالف أمرى ؟ قال الذنب لإخوتى إذ باعونى حتى ملكتنى . قالت اصبر معى فى البيت ساعة واحدة . قال لها ليس فيه شئ يسترنى من ربى . قالت يا يوسف بأى وجه تخالفنى ، وبأى حكم ترجع عن مرادى ؟ قال بحكم إلهى الذى فى السماء عرشه ، وفى الأرض سلطانه ، وإكرما لسيدى الذى أحسن مثواى . قالت أما إلهك الذى فى السماء فأنا أفتح بيوت الأموال ، وأتصدق عنك بها ، وأهديها إليه حتى يرضى عنك ، ويغفر لك ، ولا أبالى أنا ما فعل بى فى حق مرادى وقضاء إربى . فقال إن الله لا يقبل الرشاء . قالت بل يقبل مثقال ذرة . قال ما يقبل ذلك إلا من المتقين . قالت أنا أسلم إن شاء الله ، وأما سيدك الذى أكرم مثواك فأنا أطعمه السم حتى يسقط لحمه عن عظمه ، وأكون أنا وأموالى وما ملكت يداى ملكا لك ، وطوع يمينك . قال فما يكون عذرى عند ربى يوم القيامة .