Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 53-53)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وما أبِّرئ نفسى } من كل سوء على الإطلاق ، ولو برئت من هذا يمن الله تعالى علىّ بالعصمة ، وهذا منه هضم لنفسه ، وتواضع لله عز وجل ، وسكن غير نافع ، وأبى عمرو الياء ، ويجوز أن يكون المعنى لا أبرئ نفسى فى هذه الحادثة لميل نفسه ميلا طبيعيا أنه مؤاخذ عليه لعدم القصد والعزم عليه ، ولأنه ضرورى إلى ما أحبت زليخا . { إنَّ النَّفْسَ } جنس النفوس ، وهذا استئناف للتعليل أو المجرد بيان أمر النفس ، كأنه قيل هل النفس أمارة بالسوء ؟ فقال { إن النفس } { لأمارة بالسوء } بدليل التأكيد ، فإنه حسن إذا كان المخاطب طالبا متردد جنس السوء ، أكد أمر النفس بالجملة الاسمية وبأن وبلام التأكيد وبصفة المبالغة ، وذلك أنها تميل بالطبع إلى الشهوة وتستغرق فيها ، وتستعمل القوى والجوارح فيها ما وجت ، ولا تقول قطنى . والتحقيق عندى أن النفس واحدة تميل بالطبع إلى الشهوات ، وتميل بالطبع أيضا عما يضرها ، ولكنها لا تتمالك عن اللذة بالعاجلة ، فإذا تمكنت منها وثبت إليها ، فمن ذلك وصفت بأنها أمارة بالسوء ، فإن كانت مما يترتب عليه ضرر دنيوى أو أخروى ندمت ، فمن هذا توصف بأنها لوَّامة ، وإذا غلبها نور العقل وجبرها على الامتثال والاجتناب لم تفعل السوء وسكنت العقل ، وخضعت فانها من ثم توصف بأنها مطمئنة كذا ظهر لى . { إلاَّ ما رَحم ربِّى } مصدرية ، والمصدر نائب عن اسم الزمان ، أى إلا رحمة ربى ، أى إلا وقت رحمة ربى ، وهذا جار على القليل من وقوع التفريغ فى الإثبات نحو زيد يقرأ إلا يوم السبت ، أى يقرى فى كل وقت إلى يوم السبت ، والتقدير فى الآية إن النفس لأمارة بالسوء فى كل وقت إلا وقت رحمة ربِّى ، وقد أجاز بعضهم قياس ذلك ، وذلك الوقت الذى لا تأمر فيه بالسوء ، هو وقت غلبة العقل عليها ، والوقت الذى لا تجد فيه سبيلا إلى شر ، أو ما مصدرية والاستثناء منقطع ، أى ما أبرئ نفسى ، لكن رحمة ربى تمنع من السوء . ويجوز أن يكون ما اسما موصولا بمعنى من والاستثناء أيضا منقطع أى إلا من رحم ربى بالعصمة كما قال ابن عباس ، وإنما قلت منقطع لأن الإنسان مثلا ليس من جنس النفس ، أو ما واقعه على أنواع من يعقل ، فالاستثناء أيضا منقطع ، ويحتمله كلام ابن عباس ، وذلك المرحوم كالملائكة ، ويجوز كون ما على أصلها لغير العاقل فى اصطلاح لنحو واقعة على النفس ، فيكون الاستثناء متصلا ، أى إلا النفس التى رحمها ربى بأن يعصهما أصلا عن الأمر بالسوء ، كنفس الملائكة ، فإن أنفسهم لا تأمرهم بالسوء ، وإنما قلت إن النفس غير عاقلة فى الاصطلاح ، لأن العاقل فى الاصطلاح الإنسان يحملنه ، والملك والجنى مثلا ، فلو عبر عن العقل والنفس لعبر عنها بما لا يمن ، والمنصوص عن ورش تحقيق همزة السوء وهمزة إلا ، والمشهور عنه فى الأداء أنه يجعل الثانية من همزتين مكسورتين ، إحداهما آخر كلمة ، وأخرى أول كلمة كالياء الساكنة وكذا يفعل قليل . وعن على بن خاقان ، عن ورش أنه يحمل الثانية ياء مكسورة فى البقرة فى قوله { هؤلاء إن كنتم } وفى النور على البناء { إن أردن } وقرأ قالون والبزى بالسوّ بتشديد الواو إبدالا لهمزة السوء واواً وإدغام الواو فى الواو ، وتحقيق همزة إلا ، وأبو عمرو يسقط الثانية على أصله والباقون يحققون الهمزتين . { إنَّ ربِّى غَفورٌ } للذنوب ، من استغفره منها واعترف بها كهم النفس غير الضرورى { رَحِيمٌ } بالعصمة لمن يشاء وبالتوبة على من استرحمه مما ارتكب ، وروى أنه لما قال ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب قال له جبريل ولا حين هممت بها ، فقال { وما أبرئ نفسى } الآية ، وقيل لما قال ذلك قال له الملك الذى معه اذكر ما هممت به ، فقال { وما أبرئ نفسى } الآية ، وقيل لما قال ذلك قال له جبريل فما فعلت السراويل ؟ فقال { وما أبرئ نفسى } الآية . وروى أنه لما قال ذلك قال له الملك الذى تشبه بيعقوب منفرجا عن السقف حين راودته ولا حين حللت سراويلك ؟ فقال { وما أبرئ نفسى } الآية وأثبت بكل تلك الروايات الشيخ هود ، وأنكرهن الزمخشرى ، وخطأ من قال بهن قال . ولقد لفتت المبطلة روايات مصنوعة ، فزعموا أن يوسف حين قال { إنى لم أخنه بالغيب } قال له جبريل عليه السلام ولا حين هممت بها ، قالت له امرأة العزيز ولا حين حللت تكة سراويلك يا يوسف ، وذلك لتهالكهم على بهت الله ورسوله أ هـ . وما تقدم من كون قوله { ذلك ليعلم أنى لم أخنه } إلى { رحيم } من كلام يوسف هو قول الأكثرين ، ولو وقع الفصل بكلامها لظهور المراد كما قيل فى قوله تعالى { بماذا تأمرون } إنه من كلام فرعون مستشيرا بعد قول الملأ { إن هذا لساحر عليم يريد } الخ ومثل { وكذلك يفعلون } فإنه قيل من كلام الله لأمر كلام بلقيس ، ولم يميز بشىء ، وقيل إن قوله { ذلك ليعلم } إلى { رحيم } من قول المرأة أيضا متصلا بكلامها فيكون المعنى أن ذلك الذى قلت على نفسى من مراودتى له ليعلم يوسف أنى لم أخنه بالكذب حال الغيبة ، وجبت بالصحيح من القول حين سئلت ، وذلك على أنها سئلت وهو فى السجن بحضرة الملك فقالت وما أبرئ نفسى فإنى قد خنته حين بهتنه وقلت لزوجى { ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليم } وحين سجنته وإن النفس لأمارة بالسوء إلا نفسا رحمها ربى بالعصمة كنفس يوسف ، واستنفرت واسترحمت الله مما ارتكب .