Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 54-54)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وقَالَ الملِكَ } عطف على محذوف ، أى ورجع الساقى مرة ثانية أو ثالثة من السجن على ما مر ، وقال الملك أرسله أولا ليعبر له ، ثم ثانيا ليخرج فلم يخرج ، ثم ثالثا ليخبره بما قالت النسوة ، ثم طلبت الآن أن يؤتى به بلا معاودة { ائتُونى } بيوسف . من كتب هذا إلى قوله { المحسنين } وقد عطل عن التصرف والعمل ، وصام الخميس والجمعة أول الشهر ، وقرأ ذلك ليلة الجمعة عند دخول فراشه للنوم ، وكتبه يوم الجمعة بين الظهر والعصر ، وإذا أفطر قرأه ثم صلى العشاء ، ثم قرأه ودخل الفراش ، وقرأه أيضا وهلل مائة تهليلة ، وكبر مائة تكبيرة ، وحمد الله سبحانه وتعالى مائة حمدة ، وسبحه مائة تسبيحة ، واستغفر مائة استغفار ، وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة مرة ثم نام وإذا أصبح نوى ألا يظلم أحدا ولا يتعدى الحق ، ثم علق الكتاب خارج داره على نفسه فإنه يتصرف ويعلن من جمعته تلك أو قريب منها ، ولم يحسن أو يقرأ الآيات جعلها تحت رأسه وفعل ما مر . { أسْتخلِصْه } السين والتاء للمبالغة ، أى أبالغ فى اختصاصى به ، وفى جعله خالصا لنفسى ، ومن عادة الملوك الانفراد بالأشياء النفسية ، قال ذلك لما رأى من براءته وأمانته وعلمه ، وتعبير رؤياه كما روى الخباز والساقى ، وصبره وإحسانه إلى أهل السجن ، وأدبه وثباته فى المحن ، فذهب الساقى وغيره ليأتوا بيوسف . روى أنه أرسل إليه عجلته التى كان يركبها ، وهى من ذهب وشدت ، فى أعناق الفيلة بسلاسل الذهب ، وأحاطت الفرسان بها ، واصطفت الرجال خلف الفرسان ، وضربوا له سماطا من باب السجن إلى باب الملك ، وأمر أن تزين مصر بأنواع الزينة ، وأن ترخى الستور على الحيطان ، وأرسل حوارى مكشوفات الوجوه بالمجامير فى أيديهن ، وعليهن أنواع الحرير والديباج ، وأرسل العسكر كله لاستقبال يوسف عليه السلام ، قيل كان بين السجن ومصر أربعة فراسخ ، وبعث إليه خلعة عظيمة وقال لا أخرج من السجن حتى لا يبقى فيه أحد ، فأمر الملك بإطلاق جميع ما فيه فقال بسم الله الرحمن الرحيم ثم ركب . وروى أنه لما أراد الخروج دعا لأهل السجون اللهم عطِّف عليهم قلوب الأخيار ولا تُعمِّ عليهم الأخبار ، فهم أعلم الناس بالأخيار فى كل بلد ، ولما خرج كتب بباب السجن هذا بيت البلوى ، وقبر الأحياء ، وشماتة الأعداء ، وتجربة الأصدقاء . وإنما خرج بعد ما غسل نفسه من درن السجن ، ولبس الثياب الضيقة الجديدة ، ولما وقف على باب الملك قال حسبى ربى من دنياى وحسبى ربى من خلقه ، عز جاره ، وجل ثناؤه ، ولا إله غيره ، ولما أبصر الملك قال اللهم إنى أسألك بخيرك من خيره ، وأعوذ بك من شره وشر غيره ، قاله وهب بن منبه ، ولما نظر إليه الملك سلم عليه يوسف بالعبرية ، ودعا له بها ، فقال له ما هذا اللسان ؟ أى ما هذه اللغة ؟ فقال لسان آبائى وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا ، وكلما كلمه بلسان أجابه يوسف به ، وزاد عليه بالعربية والعبرية ، وكان الملك لا يعرفهما ، وأعجب الملك ما رأى منه مع حداثة سنه ، كان ابن ثلاثين سنة . ولما نظر إليه الملك ألقيت الهيبة عليه ، فتزحزح عن مكانه تعظيما له ، ولم يتزحزح لأحد قط ، فأقعده معه على سريره ، وقال له إنى أريد أن أسمع تأويل رؤياى منك مشافهة ، فقصها عليه على حد ما مر ، فتعجب وقال من أخبرك بها ، قال أمين يأتينى من ربى يقال له جبريل ، وقيل ذكر ذلك لى وللملك أن الملك رأى أن الريح هبت فذرت أوراق السنبلات اليابسات على الخضر ، فاشتعلت فيهن النار فاحترقن فصرن سوداً . { فَلمَّا كلَّمه } الملك بعد دخوله عليه ورأى منه ما رأى من تبين الرؤيا وغيره ، أو لما كلم يوسف الملك فى أمر الرؤيا { قال إنَّكَ اليوْمَ لدَيْنا } عندنا وهما متعلقان بقوله { مَكينٌ } أى ذو مكانة ومنزلة ، وجاء لا يرد أمرك { أمينٌ } مؤتمن على كل شئ ، لا تطرقك تهمة ، قال له الملك فما ترى فى أمر الزراعة ؟ قال تجتهد فى الحرث ، ويرفع الناس من طعامهم الخمس فقط ، ويكفى الباقى لأهل مصر ومن حولها ممن يصبك ليمتاروا ، لقحط يعم الأرض كلها ، وإذا فعلت ذلك لم يوجد الطعام إلا عندك ، ويجتمع لك من الأموال مالم يجتمع لغيرك ، فقال يا يوسف ، وكيف هذا ؟ ومن القائم عليه ، ومن يديره ويجمعه ؟ ويحصيه ويبيعه ؟ ولو جمعت أهل مصر كلهم ما أطاقوه ولا بلغوا منه ما تقول ؟ قال فوض إلىّ ذلك ، فإن الله سبحانه وتعالى قضى ذلك على يدى ، فإنى كافيك ذلك كما قال الله جل وعلا { قالَ اجْعَلنى … } .