Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 6-6)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وكذلِكَ } أى كما اجتباك ربك لمثل هذه الرؤيا العظيمة الدالة على شرفك وعزك { يجْتَبيكَ } يختارك { ربُّكَ } للنبوة أو الملك ، أو الأمور العظام ، أو يجتبيك ربك لما ذكر على طبق ما تضمنته الرؤيا من الإشارة والاحتباء فى الأصل ، من جبيت الشئ إذا حصلته لنفسك ، ولا مانع من بقائه فى الآية على هذا المعنى . ويجوز أن يكون بمعنى تخصيص الله لعبده بفيض إلهى ، تحصل منه أنواع المكرمات بلا سعى منه ، وذلك مختص بالأنبياء ، وبعض من يقاربهم من الصديقين والشهداء والصالحين . { ويُعلِّمكَ } مستأنف غير باق فى حين التشبيه ، كأنه قيل وهو يعلمك كذا ، قالوا قلت يجوز كونه فى حيرة فيعطف على يجتبيك ، فيكون المعنى يجتبيك للأمور العظام ، أو للنبوة والملك وللتعليم لك ، كما اجتباك لمثل هذه الرؤيا ، أو كما اجتباك لهذه الرؤيا يجتبيك لما ذكر ، ولتعليم تأويل الرؤى جمع رأى كهدى . { مِنْ تأويلِ } تعبير أى شيئا من تأويل ، أو من اسم بمعنى بعض على ما قيل ، أو أغنى الجار والمجرور عن تقدير مفعول الأحَادِيثِ أى الرؤى ، وكان أعلم الناس بتأويلها ذكر ذلك مجاهد وغيره ، وقال الحسن هى عواقب الأمور ، وقيل تعم ذلك وغيره من المغيبات ، وقال الزجاج معانى كتب الله وسنن الأنبياء ، وما غمض واشتبه على الناس من مقاصدها ، وعليه فإنما سميت أحاديث لأنه يحدث بها عن الله ورسوله . وعن ابن عباس يعلمك العلم والحكمة ، وهو اسم جمع الحديث ، وقيل جمع أحدوثة ، فانظر المرادى وحاشيتى عليه ، والصحيح أن بالأحاديث الرؤى ، وسمى تفسيرها تأويلا لأن الأمر يكون يئول إلى ما رأى النائم ، والرؤيا إما حديث نفس أو ملك أو شيطان . قال على بن أبى طالب ما بال الإنسان يرى الشئ فى النوم فيكون ، ويريد الشئ فلا يكون ؟ فقال القوم ما سمعنا فى ذلك شيئا ، فقال عمر أنا أخبركم ، إن الإنسان إذا نام عرج روحه إلى السماء ، فما رأى قبل أن تصل السماء فذلكم حلم يعنى من الشيطان ، وكذا ما يرى بعد رجوعها وخروجها من السماء ، وما يرى فى السماء فذلك الذى يكون . وعنه صلى الله عليه وسلم " أصدقكم رؤياه أصدقكم حديثا " وعن أبى قتادة " كنت أرى الرؤيا يمرضنى حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الرؤيا الصالحة من الله ، والرؤيا السيئة من الشيطان ، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث بها إلا من يحب ، وإذا رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثا ، وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسترها فإنها لا تضره " وعن أبى سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله تعالى فليحمد الله وليحدث ، وإذا رأى غير ذلك مام يكرهه فإنما هى من الشيطان فليستعذ بالله من الشيطان ومن نشرها ولا ذكرها لأحد ، فإنها لن تفيده شيئا " وذلك لأن الرؤيا الصالحة إنما هى من الله والرؤيا غير الصالحة إنما هى من الشيطان ومنها الضرر ، وأن يوسف عليه السلام أراه الله الرؤية الحسنة لأنه ابن الكريم يعقوب ولأنه يورثه زيادة المحبة والشفقة لصغره ، ولما يرى فيه من المخايل ، وضاعفت محبته لما رأى الرؤيا فكان يضمه كل ساعة إلى صدره ، ولا يصبر عنه ، فاشتد حسدهم ، ولما قص رؤياه على يعقوب قال هذا أمر مشتت ، يجمع الله لك بعد دهر طويل ، وقيل يتم النعمة عليه بأن وصل له نعمة الدنيا بنعمة الآخرة ، وقيل بالنبوة والملك وغيرهما . { ويتم نعمته عليك وعَلى آلِ يعْقُوبَ } أهله وعبر بالآل تشريفا لأنه لا يقال إلا لمن له شأن وخطر ، والأهل يقال مطلقا ولى فيهما فى النحو مباحث ، وأراد بالآل إخوة يوسف ، وإتمام النعمة عليهم بالنبوة ، أو بها وبكونهم ملوكا ، فإن عظم أجسامهم وقوتها ، وجمالهم وشجاعتهم ملك ، حيث لا يغلبهم أحد عما أرادوا ، بأن يصل لهم نعمة الدنيا بنعمة الآخرة ، والأصل وعلى آلى ، ووضع الظاهر موضع المضمر لزيادة الإيضاح ، ويجوز أن يريد بآل يعقوب نسله الوالد ووالد الولد ، وهكذا إلا خصوص إخوة يوسف ، لكن قيل لم يترك يوسف ولد لدعوة أبيه بذلك ، وقيل ترك اثنى عشر . { كَما أتمهَّا عَلى أبوْكَ } جدك وهو إسحاق ، وأبى جدك وهو إبراهيم ، والجد وما فوقه آباء ، ولذلك تراهم يقولون ابن فلان ، ولو كان بينهما عدة آباء { مِنْ قَبلُ } من قبلك أو من قبل هذا الوقت . { إبْراهِيمَ } بالخلة والإنجاء من النار ، وتسليم ولده من الذبح بالفداء بكبش عظيم ، وهو إسماعيل على الصحيح الأشهر ، وقيل إسحاق ونسبه بعض للأكثر . { وإسْحاقَ } بالنبوة وإخراج يعقوب والأسباط وهذا ايضا من الإنعام على إبراهيم وبانجائه من الذبح على أحد القولين ، أو أتمها عليهما بوصل نعم الدنيا بنعم الآخرة وبالملك ، فإنهما فى شهرتهما ونفاذ حكمهما وقبولهما ورغبتهما الراسخة فى القلوب كالملوك ، وإبراهيم عطف بيان لأبويك ، وكذا إسحاق بواسطة العطف . { إنَّ ربَّكَ عَليمٌ } بمن يستحق الاجتباء أو بمصالح خلقه أو بخلقه { حَكيمٌ } يفعل الأشياء على ما ينبغى فلا يتم نعمته إلا على من يستحقها ، أو حكيم فى وضع النبوة فى بيت إبراهيم عليه السلام .