Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 70-70)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فلمَّا جهَّزهم بجِهازهم جَعَل } أسند التجهيز والفعل إليه ، لأنه الآمر بهما ، وإلا فالفاعل لهما الغلمان والخدمة { السِّقايةَ فى رَحْل أخيه } وكانت مشربة يشرب بها من ذهب مكلل بالجواهر . انتهى كلام عرائس القرآن . وروى أنه أمر الغلمان أن يكيلوا لهم ، ويكيلوا للصغير آخرا ، وأن يجعلوا الصواع فى رحله وهو لا يعلم ، ولم يكن شئ أحب إلى يوسف منه ، ولا أكثر قيمة ، وكان يشرب بها فهو السقاية يكيل بها الطعام لشرفه وغلاه ، قيل إنها من ياقوت أحمر ، فقيمتها مائتا ألف دينار ، وصححه بعضهم ، وعن الحسن أنها من فضة ، وكذا قال ابن إسحاق ، وجمهور الناس ، وقيل من البلور ، وقيل من الزمرد الأخضر ، وقال عكرمة من فضة مرصَّعة بالجواهر ، ولم يزد ابن عباس فى جمهور المفسرين على أنها صاع ، وقيل عنه إنها من زبرجد ، وقيل من فضة مموهة بالذهب ، وقيل كانت مشربة للملك ثم جعلت مكيلا للطعام ، وقيل كانت الدواب تسقى بها ويكال بها ، وقيل كان إناء مستطيلا شبه الملوك ، وقيل هى الملوك الفارس الذى يلتقى طرفاه ، تشرب به الأعاجم . وعلى كل حال قد جعل الله عز وجل فيه معجزة ، وهى أن يعلمه إذا نقره بالصادق من الكاذب ، وجعلوا الغلمان وسط رحل بنيامين ، وشد رءوس الأوعية وسلموها لهم ، وهكذا يفعلون مع غيرهم ، يكيلون ويشدون رءوس الأوعية ثم يسلمونها لأهلها فخرجوا ، ولما وصلوا مرحلة أرسل إليهم خمسمائة فارس ، وذلك على يوم وليلة ، وبلغوا قرية يقال لها بسر ، وقيل أمهلهم حتى خرجوا من العمارة ، وقيل حتى انفصلوا من مجلس يوسف ، فأرسل إليهم من استوقفهم وحبسهم . { ثمَّ أذَّن مُؤذِّنُ } نادى منادٍ والعطف على قوله { جعل } ومن قرأ وجعل بالواو قدر للما جوابا وعطف عليه ، وهى قراءة ابن مسعود ، أى أمهلهم حتى انطلقوا ، ثم أذن مؤذن ، والأذان لغة الإعلام والتشديد للمبالغة ، وفى ندائهم إعلام ، أو يفسر التأذين فى الآية بالإعلام . { أيَّتها العِيرُ } يعنى يا أصحاب العير ، ولما حذف المضاف نودى المضاف إليه بواسطة أيتها لاقترانه بأل ، والعير اسم للقافلة التى فيها الأحمال من الإبل ، سميت بها لأنها تعبر أى تجئ وتذهب ، وقال مجاهد العير الحمير ، وقال أبو الهيثم كل ما سير عليه من الإبل والبغال والحمير عير ، وأن القول بأنها الإبل خاصة باطن ا هـ . وقيل هو جمع عير بفتح العين وإسكان الياء ، وأصل الجمع عير بضم أوله وإسكان ثانيه ، كسَقْفٍ وسقف ، قلبت الضمة كسرة لئلا تقلب الياء واوا ، والعير بالفتح الحمير المقفل بها ، وكثر حتى قيل لكل قافلة عير ، وعلى كل حال يقدر المضاف كما علمت ، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم " يا خيل الله اركبى " الأصل يا أصحاب خيل الله اركبوا ، ولما حذف المضاف أنث الضمير لعوده على المؤنث ، كما أنث أيها الآية . والأصيل يا أصحاب العير قفوا تفتشوا . { إنَّكم لسارقُونَ } إن كان يوسف لم يظهر للمؤذن ومن معه ، إلا أن السقاية غير موجودة فلا إشكال ، لأنهم قالوا ذلك على العادة فى التهمة ، ولم يكن هناك سوى القوم ، وإن كان النداء عليهم بالسرقة بأمر يوسف ، فالمراد أن فيكم سارقا وهو بنيامين ، فأسند السرقة إليهم ، حكم على المجموع لا على الجميع ، وهذا فى علم يوسف ، وأما المنادى ومن معه فيحتمل عندهم اتفاق الإخوة على السرقة ، واختصاص واحد بها ، وكذا فى الوجه الأول ، وجاز ليوسف وصف بنيامين بالسرقة وهو برئ ، لأن بنيامين قد رضى بذلك ، وقال افعل مابدا لك كما مر ، واجاز الله له ذلك . وإلا فما هو فى الظاهر بهتان لا يسوغ الوصف به ، ولو رضى الموصوف والظلم لا تبيحه إباحة المظلوم والمعصية لا يبيحها رضا الموقعة فى حقه ، فلو قال لك إنسان اقطع عضوى لغير ضرورة لم يجز لك قطعه ، ويحتمل أن يريد إنه بصورة السارق ، إذ مضى بالسقاية خفية عن نحو إخوته وجل أهل بيته من سائر الخدمة غير من جعلها فى رحله . أو أراد إنكم لسارقون يوسف من أبيه ، أى متلفونه عن أبيه بعد تحيل ومكر فى إرساله إياه معهم ، فذلك معرضة ، وفيها مندوحة عن الكذب ، أو قيل ذلك على الاستفهام ، وهذه الأوجه عندى أيضا غير سائغة بأنفسها ، بل بإجازة الله سبحانه له ذلك ، لأنها فى الظاهر غير سائغة لإيقاعها السامع فى التهمة ، بل يقطع إذا أخرجت من رحله بأنه سارق والمعرضة لما تباح ، حيث لا أضرار فيها بأحد . ولما انتهى إليهم الرسل بعد النداء عليهم بالسرقة قالوا ألم نحسن إليكم ؟ ألم نكرم ضيافتكم ؟ ألم نوف كيلكم وفعلنا بكم ما لم نفعل لغيركم ؟ قالوا بلى وما ذاك ؟ قالوا سقاية الملك فقدناها ، وما اتهمنا عليها غيركم ، كما قال الله جل وعلا { قَالُوا وأقْبلُوا عليْهم … } .