Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 84-84)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وتَولَّى عَنهم } أعرض لكراهة ما جاءوا به { وقالَ يا أسفى } نداء تفجع ، والأصل يا أسفى أحضر ، فهذا أوانك والأسف أشد الحزن والحسرة والألف بدل من ياء المتكلم ، وكان ذلك النداء لظهور أن المراد التوجع والتفجع لا حقيقة طلب الإقبال ، وليس مراده بذلك النداء الجزع ، بل التوجع إلى الله والشكوى إليه ، وهو فى المعنى بمنزلة قولك يا إلهى ارحم أسفى . { عَلى يُوسفَ } متعلق بإلا يوسف وبينهما تجانس ، وهو بديع مستملح نحو قوله تعالى { اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا } والشاهد { فى الأرض } و { أرضيتم } { وهم ينهون عنه وينأون عنه } { ويحسبون أنهم يحسنون صنعا } و { من سبأ بنبأ } وإما تأسف على يوسف فقط ، مع أن المفقود آخر من يكون وجعه عليه طريا ، لأن إصابته بفقد يوسف كانت قاعدة للمصيبات ، وعليها تترتب ، وكانت غصة طرية مع تطاول الأزمان ، ولم يقع فائت عند موقعه ، ولأنه كان واثقا بحياة من بقى بمصر منهم دون يوسف ، خلافا لرواية أنه علم بحياته من الوحى ، وعنه صلى الله عليه وسلم " لم تعط أمة من الأمم إنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة إلا أمة محمد ألا ترى إلى يعقوب حين أصابه ما أصابه لم يسترجع وإنما قال يا أسفى " وهذا يرد قول بعض أنه لا يبعد أن يجتمع الاسترجاع ويا أسفى لهذه الأمة وليعقوب عليه السلام . { وابيضَّتْ عَيناهُ من الحُزْن } وقرئ بفتح الحاء والزاى ، أى للحزن أى لكثرة بكائه من الحزن حتى محقت الدمعة سواد العين ، وقلبته إلى بياض ، وكان لا يبصر شيئا قال قتادة لم يبصر شيئا ست سنين ، وقيل كان يدرك إدراكا ضعيفا ، وقد علمت أن من للتعليل ، لأن الحزن إذا كان علة لكثرة البكاء ، وكثرة البكاء علة للابيضاض ، فهوعلة للابيضاض إذا كان علة لعلته ، ويجوز أن تكون للابتداء إذ حدث ابيضاضهما من الحزن . قال فى عرائس القرآن قال الحسن ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاما ، وما على وجه الأرض أكرم منه على الله سبحانه ، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه سأل جبريل ما بلغ وَجْد يعقوب على يوسف ، قال وجْدُ سبعين ثكلى ، قال فما كان له من الأجر ؟ قال أجر مائة شهيد ، وما ساء ظنه بالله تعالى ساعة قط " . وهكذا قال جبريل ليوسف حين دخل عليه السجن ، فقال هل تعرفنى أيها الصدِّيق المخلص ؟ قال أرى صورة حسنة ، قال انا جبريل ، قال فما أدخلك مدخل المذنبين ؟ قال إن الأرض التى يحلها نبى أطهر أرض ، وقد طهر الله بك السجن وما حوله . قال كيف لى باسم الصدِّيق المخلص ، وقد أدخلت مدخل المذنبين ؟ قال لأنه لم يفتن قلبك بسيدتك ، ولم تطعها فى معصية ربك بعد السؤال عن حال أبيه وأجره قال أفترانى لاقيه ؟ قال نعم ، فطابت نفسه ، قال ما أبالى ما لقيت . وإن قلت كيف بلغ ذلك المبلغ من الحزن وهى نبى ؟ قلت لم يبلغه باختياره ، بل جبلت النفس على أن تحزن عند الشدائد ، وكان مأجورا على عدم خروجه عن الرضا لله وقدره ، إلى تحويره ، أو صياح ، أو نياحة ، أو لطم ، أو تمزيق ثوب ونحو ذلك . " ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم فقال " القلب يوجع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنى عليك يا إبراهيم لمحزون " وفى رواية " القلب يجزع " أى يتألم وفى رواية " يحزن " وقال " إن الله لا يعذب بدمع العين ، ولا بحزن القلب ، وإنما يعذب بهذا ويرحم " وإشار إلى لسانه . " وبكى على بعض ولد بناته وهو يجود بنفسه ، فقيل يا رسول تبكى وقد نهيتنا عن البكاء ! فقال " ما نهيتكم عن البكاء وإنما نهيتكم عن صوتين أجمعين صوت عند الفرح وصوت عند الترح " وبكى الحسن على ولد أو غيره فقيل له فى ذلك فقال ما رأيت الله جعل الحزن على يعقوب عارا . { فهُو كَظيمٌ } أى مغموم مكروب ، لا يظهر كربه إلا ما ظهر منه غلبة وطبعا مملوءا هما على يوسف أو عليه وعلى من بقى بمصر ، وكظيم كما رأيت فعيل بمعنى مفعول كقوله { وهو مكظوم } من كظم السقاء إذا شد فمه وقد ملئ ، ويجوز أن يكون بمعنى فاعل أى فهو كاظم لغيظه كاتم له ، قال قتادة الكظيم الذى يرد حزنه فى جوفه ولم يقل إلا خيرا ، وأصله كظم البعير جرته إذا ردها فى جوفه ، والكظم بفتح الطاء مخرج النفس . وفى الحديث أن يعقوب كبر وضعف حتى سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، فقيل كان يرفعهما بخرقة ، فقال بعض جيرانه لو عشت ونميت لم تبلغ من السن ما بلغ أبوك حتى هرمت ، فقال من طول الزمان ، وكثرة الأحزان ، فأوحى الله إليه تشكونى إلى خلقى ، فقال يا رب خطيئة أخطأتها فاغفر لى ، قال قد غفرت لك ، فكان بعد ذلك إذا سئل قال { إنما أشكوا بثى وحزنى إلى الله } وفى الحديث ، عن أنس قال أخ فى الله ليعقوب ما قوَّس ظهرك ، وأذهب بصرك ؟ قال أذهب بصرى البكاء على يوسف ، وقوس ظهرى الحزن على بنيامين ، فأوحى الله إليه أتشكونى … إلى آخر ما مر .