Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 85-86)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قالُوا } أى بنو يعقوب { تالله تَفْتؤُا } أى لا تفتأ أى لا تزال ، فحذفت لا النافية فظهور إرادتها ، بدليل تجرد تفتأ من لام جواب القسم ، ونون التوكيد ، ولأن كونه حرضا أو من الهالكين إنما يصح غاية ، لكونه لم يزل يذكر يوسف ، لا لكونه تاركا لذكره ، ولو كان جوابا بلا تقدير لا النافية لقرن باللام والنون . قال ابن هشام يطرد حذف لا النافية وغيرها فى جواب القسم ، إذ كان المنفى مضارعا نحو تالله تذكر يوسف ، فيجوز تقدير ما النافية فى الآية ، هذا مذهب ابن معطى وقيل لا يجوز حذف ما لأن التصرف فى حذف لا أكثر من التصرف فى ما . { تذْكُر يُوسفَ حتَّى تكُون حَرصاً } مريضا مشرفا على الموت ، قال مجاهد الحرَض ما دون الموت ، وقال ابن إسحاق حتى تكون فاسد الأعضاء والعقل ، والحرص فسادهما لحب أو حزن أو مرض . قال الشاعر @ إنى امرؤ لج بى حب فأحرضنى حتى بليت وحتى شفنى السقم @@ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مؤمن يمرض حتى يحرضه المرض إلا غفر له " قال بعضهم الحرض الذى أذابه هم أو مرض ، وهو مصدر يطلق على الذات الواحدة فصاعدا بلفظة واحدة للذكر والأنثى كما يطلق بالمعنى المصدرى وقد قرئ حتى تكون حرِضا بكسر الراء على أنه وصف ، وقرئ حتى تكون حُرُضا بضمتين على أنه وصف أيضا كجنب بضم الحاء والراء ، والجيم والنون وهذه قراءة الحسن { أو تَكُون منَ الهالِكينَ } من الموتى وإنم اقطعوا بذلك حتى كانوا - بناء منهم - على الأغلب الظاهر من حال يعقوب { قال } ردا عليهم فى ما اتهموه به إذ عنفوه وخطئوه فى رجاء يوسف { إنَّما أشكُوا بثِّى } البث الهم الصعب الذى لا يصبر صاحبه عليه ، فليبثه للناس أى ينشره لهم بعد ما انطوت عليه النفس ، قال ابن قتيبة البث أشد الحزن ، أى إنما أشكوا حزنى العظيم { وحُزْنى } القليل وقرئ الحزن بفتح الحاء والزى وقرئ بضمهما . { إلى الله } لا إليكم ولا إلى غيركم ، والظاهر أن هذا الكلام جواب لقولهم ، ومتصل به لا مستأنف جواب لسؤال جاره ، أو سؤال أخيه فى الله المذكور ، كما قيل بكل منها بعضهم ، ولا كلام مترتب على قوله عز وجل له وعزتى وجلالى لا أكشف ما بك حتى تدعونى ، فقال ذلك ، وقال أى رب أما ترحم الشيخ الكبير القائل اللهم اردد أولادى إلىَّ ، ويدل على ما قلت قوله سبحانه وتعالى حكاية عنه { واعْلَم منَ الله ما لا تَعْلَمُون } من الرحمة والإحسان ، فيأتى بالفرج من حيث لا أحتسب فلا آيس ولو آيستمونى ، وقد مر أنه الملك أخبره بحياة يوسف فى اليقظة أو فى المنام ، وطمع أيضا فى حياته من رؤيا يوسف السابقة ، أنهم يسجدون له ، وكان إذا سمع بسيرة ملك مصر طمع أنه يوسف ، أو أن يوسف معه . وفى رواية أخبره الملك بحياته لا بمكانه ، وقد مر ذلك ، وطمع بالدعاء وبالإلهام ، ولا يخيب الله داعيا . روى أنه قال أى رب أما ترحم الشيخ الكبير ، أذهبت بصرى ، وقوست ظهرى ، فاردد علىَّ ريحانتى أشمه شمة قبل أن أموت ، ثم اصنع ما شئت ، فأتاه جبريل فقال يا يعقوب إن الله جل جلاله يقرئك السلام ويقول أبشر ، وعزتى وجلالى لو كانا ، أى يوسف وبنيامين ، ميتين لنشرتهما لك ، أتدرى لما أصبتك بذلك ذبحت شاة ، وقام على بابكم المسكين فلان وهو صائم ولم تطعموه شيئا منها ، وأن أحب عبادى إلى الأنبياء ثم المساكين ، اصنع طعاما وادع إليه المساكين ، فصنع طعاما ، ثم قال من كان صائما فليفطر الليلة عند آل يعقوب ، وكان وكان بعد ذلك إذا أراد أن يتغدى أو يتعشى أمر من عنده أن من يريد أن يتغدى أو يتعشى فليأت يعقوب ، فكان يتغدى ويتعشى مع المساكين . وقال وهب أوحى الله إلى يعقوب ، أتدرى لما عاقبتك ، وحبست عنك يوسف ثمانين سنة ؟ قال لا يا رب . قال شويت عناقا وقتَّرت على جارك وألحفت ولم تطعمهم ، وقيل إن سببه أنه ذبح عجلا بين يدى أمه وهى تجوز عليه فلم ترحمها ، وذلك أن الأنبياء أصفى خلق الله وأعظمهم رتبة ، يعاب عليهم ويعاقبون فى الدنيا بما لا يعاقب على غيرهم ، ولا يعاقب به ، فكيف ما يعاب به ويعاقب عليه ، كتفريق الأمة من ولدها . وروى أنه لما جاءه ملك الموت ليبشره ويزوره كما مر قال له ما حاجتك إلا لأزورك ، وأبشرك وأجيبك عما تسألنى ، وإن شئت علمتك لما ابتليت بفقد ولدك ، فقال له أعلمنى يا عزرائيل فقال يا نبى الله ، هل تذكر الجارية التى اشتريتها عام كذا فى شهر كذا ، وفرقت بينها وبين ابنها ؟ قال نعم يا ملك الموت ، قال بذلك بليت ، وهل تعلم لماذا بليت بفقد بصرك ؟ قال لا ، قال أمرت يوما بجذعه فذبتحها وشويتها يوم كذا من شهر كذا ، فمر بكم عبد صالح ما أفطر منذ أسبوع ، فاشتم قتارة الشوى فلم تطعمه ، فأعتق عند ذلك ما عنده من عبيد وإيماء ، وأمر أن يذبح من غنمه كل يوم كبشان ويفرق لحمها على الضعفاء والمساكين . وقيل إنه فرق بين جارية وولدها ببيع ولدها فبكت إليه حتى عميت ، ففرق بينها وبين ولدها ، وبكى حتى عمى ، فلما أعتق وتصدق مع علمه من الله ما لم يعلم سواه قال ما ذكر الله سبحانه عنه فى قوله { يا بنىَّ أذْهَبُوا … }