Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 92-93)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قالَ لا تثْريبَ عَليْكم اليومَ } لا تعبير اليوم ، ولا توبيخ ولا تمزيق عرض وإذهاب ماء وجه ، فضلا عن سائر الأيام بعد ، قال صلى الله عليه وسلم " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثربها " أى لا يعيرها بعد إقامة الحد ، وأصله تفعل من الثرب وهو الشحم الذى يغشى الكرش ، والتشديد للإزالة ، يقال ثربت الكرش أى زلت ثربه ، كقولك قردت البعير ، إذا أزلت قراده ، وجلدت الشاة أزلت جلدها ، فاستعير هنا لنحو التعبير مما فيه إزالة حسن العرض ، وإزالة ماء الوجه ، والوقف عندى على اليوم ، وعلى الجمهور وهو الصحيح ، وعليه الطبرى وابن إسحاق يتعلق بما يتلعق به عليكم وما بعده ، تبشيرا ودعاء . وقيل الوقف على عليكم فيتعلق بقوله { يغْفرُ الله لكُم } ما فعلتم بى ، ولا يؤاخذكم عليه ، ويضعفه أنه دعاء بالغفران ، وتعليق اليوم به يقتضى أنه إخبار إلا أن يقال المراد اللهم اغفر لهم اليوم ، أو علم بالغفران اليوم بالوحى ، والمراد باليوم مقابل الليل ، أو ما استقبل من الزمان بعد توبتهم ، فقد روى أنه ما غفر الله إلا بعد سنين . { وهُو أرْحم الرَّاحمينَ } يغفر الكبائر والصغائر ، ويتفضل على التائب ، قال الزمخشرى ، يروى أن إخوته لما عرفوه أرسلوا إليه إنك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشيا ، ونحن نستحى منك لما فرط منا فيك ، فقال يوسف إن أهل مصر ، وإن ملكت فيهم فإنهم ينظرون إلى بالعين الأولى ، ويقولون سبحان من بلغ عبداً بيع بعشرين درهما ما بلغ ، ولقد شرفت الآن بكم ، وعظمت فى العيون حين علم الناس أنكم إخوتى ، وأنى من حفدة إبراهيم انتهى . ولما عرفهم يوسف بنفسه ، وتم لهم المرام قال لهم ما حال أبى ؟ قالوا ذهب بصره بكثرة البكاء عليك فقال { اذهبوا بقَميصِى هَذا } وهو قميص من الجنة ، كسى به إبراهيم عليه السلام حين ألقى فى النار ، توارثه بنوه حتى كان عند يعقوب ، فجعله فى قصبة من فضة ، وجعلها فى عنق يوسف مخافة العين كما مر ، وأخرجه منها جبريل حين ألقى فى الجب فألبسه إياه كما مر ، ولا يقع على سقيم أو مبتلى فى جسده إلا عوفى لوقته ، قال عياض هذا يحتاج إلى سند ، والظاهر أنه قميص يوسف كسائر القمص أنتهى . { فأقُلوهُ عَلَى وجْه أبى يَأتِ } يصير { بَصيراً } أو يجئ إلىَّ بصيرا لا أعمى ، علم أنه إذا ألقى على وجه كان بصيرا من الوحى ، وكان فيه ريح الجنة ، أو من التجريب كما أعطى زليخا منها خيطا فرجعت بصيرة ، أو من العقل ، فإن عماه أو ضعف بصره كان من كثرة الحزن والبكاء ، فإذا اتصل بقميصه انشرح صدره فيزول الضعف من الجسد والعينين ، وخصَّ القميص إما على أنه من الجنة فواضح ، وإما على أنه من الدنيا فلأنه يلى جسده أكثر مما يليه الخاتم لصغره ، والعمامة لتراكمها ، ويدل على أن المراد يجئ إلىَّ بصيرا قوله { وأتُونى بأهْلكُم أجْمعينَ } وعدة أهلهم سبعون إنسانا فيما قال الحلبى ، وثلاثة وسبعون فيما قال مسروق ، وذلك ما بين رجال ونساء وأطفال ، وبُلَّغ وأحرار ، وموال وعبيد ، والذاهب بالقميص يهودا ، قال أنا أحزنته بحمل القميص ملطخا بالدم إليه ، فأفرحه كما أحزنته ، فحمله حافيا منكشف الرأس ، مسرعا من مصر إلى كنعان ، مسيرة ثمانين فرسخا ، ومعه سبعة أرغفة ، ولم يستوف أكلها حتى أتى أباه ، ورافقه العبد الذى باعه يعقوب عليه السلام ، وذلك انه لما ماتت راحيل أم يوسف عليه السلام ، اشترى يعقوب جارية لرضاع بنيامين ، وكان لها ولد رضيع ، ففرق يعقوب بينهما وباعه ليكون اللبن كله لبنيامين ، فبكت وقالت يا رب اللهم كما فرق بينى وبين ولدى ففرق اللهم بينه وبين ولده الذى يحب ، ولا يصل إيله حتى يصل إلى ولدى ، فهتف بها هاتف لا تحزنى واصبرى ، فقد استجاب الله لك كما طلبت ، واسمه البشير ، واشتراه يوسف من بعض التجار ، فكان يرسله إلى البلاد ولا يعلم به ، وكتب الكتاب إلى أبيه ولفَّه فى القميص ، فأعطاه ليهودا وذهب معه البشير ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من فرق بين أمة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة " وكان التفريق جائزا فى شريعة يعقوب على كراهية ، أو فرق ذاهلا غير متعمد . فلما خرج البشير ويهودا من مصر استأذنت ريح الصبا ربها أن توصل ريح يوسف إلى يعقوب عليه السلام قبل أن يصلا بعشرة أيام ، فأذن لها ، وكان يعقوب عليه السلام جالسا بين أولاد أولاده ، ومن حلوه من أهله ، فقال لهم يا بنى أبنائى قد ذهب حزنى ، وأظن فرحى قد قرب ، كما قال الله سبحانه وتعالى { ولمَّا فَصَلتْ العِيرُ … } .