Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 15-15)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وللّهِ } لا لغيره { يسْجدُ } حقيقة سجود { مَنْ فى السَّماوات } من الملائكة { والأرضِ } منهم ومن الإنس والجن { طوعا } حال الشدة والرخاء من الملائكة ومؤمنى الإنس والجن ومنافقيهما ، بغير إسرار الشرك { وكَرْهاً } حال الشدة من مشركيها ومنافقيها بإسرار الشرك أو بغيره ، كالموحد الذى لا يصلى إلا خوفا ، ولا يقع من الملائكة عصيان ، وزعم بعض أن عامتهم قد تعصى دون الخاصة وهو خطأ . فإن قلت سجود المنافق المسر للشرك ظاهر ، فإنه يسجد خوفا ، فما سجود المشرك كرها ؟ قلت هو أن يشتد به أمر فيلتجئ إلى الله ، ويكشف عنه . وإن قلت فما سجود المشرك المنكر لله ؟ قلت لا سجود له ، وليس مراداً فى الآية ، وإن شئت فقل المراد فى السجود الانقياد فلا يخرج عن الآية شىء ، لأن أجسام المؤمن والمنافق والمشرك بالمساواة أو بالجحود ، أو بخصله كلها لا تمتنع مما أراد الله فيها من تصرف كإمراض وإنحال ، وإسمان وترقيق وتغليظ ، وتبييض وتسويد ، وغير ذلك ، ولأن الجسم مقربا لله وطائع له ، ولو كفر القلب وعصاه ، واستعمل الجسم فى المعصية ، ولا يقال لو كان كذلك لكان تعذيب الجسم جورا ، تعالى الله عنه . لأنا نقول إنما يتألم القلب ويتوجع دونه ، ألا ترى أن المسكر لا يتوجع بما تفعله به حال السكر ، كذا ظهر لى ، وإن شئت فقل المراد بالسجود مطلق الخضوع والانقياد ، فيتصور من بعض بالسجود على الأرض ونحوها ، وبغيره ، ومن بعض بغيره ، من عدم الامتناع مما يتصرف فيه الله . ويجوز أن يراد بمن العاقل وغيره ، على أن السجود مطلق الخضوع والانقياد كما مر آنفا ، وطوعا حال على التأويل بالوصف ، أى طائعين وكارهين ، أو بتقدير مضاف أى ذوى طوع وذوى كره ، أو مفعول مطلق بحال محذوفة ، أو يطوعون طوعا ، وكارهين أو يكرهون كرها ، ويجوز التقدير بالإفراد فى ذلك كله نظرا إلى لفظ من ، أو مفعول مطلق على حذف مضاف ، أى سجود طوع وسجود كره ، أو مفعول لأجله أى للطوع والكره . { وظِلالُهم } معطوف على مَنْ وهو جمع ظل ، ومعنى سجود الظل انقياده بتصريف الله جل جلاله فيه بالمد والقصر ، بحسب ارتفاع الشمس وانخفاضها بإذن الله ، أو معنى سجوده تبعه لسجود الذات ، أو مطلق الخضوع الشامل لذلك كله . وقال ابن الأنبارى لا يبعد أن يكون قد خلق الله للظل عقلا يسجد به ، ولو كان الظل عرضا ، وإن قلت هل يسجد ظل الكافر طوعا أو كرها . قلت طوعا كظل المؤمن كما ذكره الزجاج قائلا إن الكافر إذا سجد لغير الله سجد ظله لله ، وعن مجاهد أنه يسجد كرها وهو مشكل ، لأنه يقتضى كفر ذلك الظل وهو غير مكلف . { بالغُدوِّ } أى فى الغدو وهو جمع غداة كفتى وفتاة ، إلا أن نون فتى مكسورة بعد قلب واو فعول ياء ، لئلا تقلب الياء المشددة واوا ، ودال الغدو مضمومة باقية على الضم لمناسبة الواو ، وأصله غدو ، وأدغمت الواو فى الواو ، والغدات أول النهار من طلوع الشمس ، وقيل إلى نصف النهار ، وقيل الغدو مفرد بمعنى الغداة ، وقيل مصدر أى فى وقت الغدو . { والآصالِ } جمع أصيل وهو من العصر إلى المغرب ، وقيل من الزوال إلى المغرب ، وقرئ والإيصال مصدر آصل بمد الهمزة فى أوله ، أى دخل فى الأصيل ، كأصبح دخل فى الصباح ، وأمسى دخل فى المساء ، والمراد وقت الإيصال ، وهذه القراءة تؤيد من قال إن الغدو مصدر ، والياء متعلقة بيسجد ، فالغدو والآصال عائدان إلى مَنْ والظلال ، وهما كنايتان عن الدوام وإن شئت فقل عائدان إلى الظلال فقط ، فتعلق الباء حينئذ بمحذوف حال من الغدو والآصال ، وبيسجد مقدارا رافعا للظلال ، أى ويسجد الظلال حال كونها بالغدو والآصال ، وعلى الوجهين الأخيرين فإنما خصص الوقتين لظهور مد الظل وقصره فيهما أكثر من مده وقصره فى غيرهما ، أو لأنهما ظرفان فيدخل الوسط بوجه من الاختصار ، كما يدخل وسط الثوب إذا أجذت بطرفيه . وإن قلنا الغدو من طلوع الشمس إلى نصف النهار وهو الزوال ، والآصال من الزوال إلى غروبها ، فقد استغرق أوقات الظل ، ولا يصح أن يراد بالغدو ما بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، إذ لا ظل فى ذلك الوقت لأحد ، والهاء فى الظل وظلالهم لمن يكون له الظل ، وهو الإنس للقرية ، أو الهاء للمجموع والمراد الإنس .