Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 16-16)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قلْ } يا محمد لكفار قومك { مَنْ ربُّ السَّماوات والأرضِ } مالكهما ومدبرهما { قُلِ الله } أى ربهما الله ، لما لم يكن لهم بد من هذا الجواب أمره أن يذكره لأنه ظاهر لا يمكن أن يجادلوا فيه فلا يترقب أن يذكروه لعدم الحاجة إلى انتظاره أن يذكروه ، مع أن الثابت فى قلوبهم وألسنتهم يذكرونه قبل وبعد . وإن قلت فما فائدة الأمر بالسؤال والأمر بالجواب أعنى قوله { قل الله } ؟ قلت فائدته استحاضر ما هو الواقع فى نفس من أنه لا رب سواه للتأكيد ، وليرتب عليه ، واستبشاع اتخاذ أولياء من دونه ، غيره ما لكين ضرا ولا نفعا ، أو المراد قل الله إذا قالوا الله ، كما تذكر جواب المجيب تثبيتا واستيثاقا ، لتتمكن من الرد عليه فضل تمكن ، أو المراد قل لهم الله إن سكنوا عنادا واستكبارا ، عما ترد عليهم ، فإنه لا جواب لهم سوى ذلك ، فربما يذكرونه إذا ذكرته . وقيل لما قال لهم من رب السماوات والأرض ؟ قالوا أجب أنت ، فأمره الله تعالى أن يجيبهم بأن ربهم الله ، وأمره أن يلزمهم الحجة بقوله { قل } لهم { أفاتَّخذتُم مِن دُونهِ } أى من دون الله { أولياءَ } أنصار وهم الأوثان ، وإنما سماها أنصارا على زعمهم ، والعطف على محذوف أى أعلمتم أن ربهم الله فاتخذتم من دونه أولياء . { لا يمْلِكُون } عبر عن الأوثاء بما يعبر به عن العقلاء ، لوصفهم لها بوصف العقلاء وهو النصر { لأنفسهم نفعاً ولا ضَرّاً } أى ولا دفع ضر ، فضلا عن أن ينفعوا غيرهم أو يضروه ، وهذا دليل ثانٍ على فساد رأيهم ، وعلى ضلالهم إذا استنصروا من لا ينصر نفسه ، ولا نفعها ولا يدفع عنها ضرّاً ، ولا يرى ولا يسمع ولا يعلم ، وهذا أمر مستبشع غاية الاستبشاع ، وذلك قرن الكلام بهمزة الاستفهام التوبيخى الدال على أن العقل يكر ذلك ، والدليل الأول هو قوله { وهو شديد المحال له دعوة الحق } ثم ضرب الله مثلا بقوله { قلْ هَلْ يسْتَوى } توبيخ على ادعاء الاستواء وانكارا لصحته كالاستفهام المذكور { الأعْمى } المشرك الجاهل بحقيقة العبادة وبمن يستحقها ، بم تستحق { والبَصيرُ } الموحد العالم بذلك كله ، هذا تفسير ابن عباس بزيادة عليه ، شبه المشرك بالأعمى فى كونه لا يهتدى إلى مصالحه ، ولا يستطيع التحرز عن المهالك ، والموحد بالبصير المهتدى لذلك المتحزر عما يهلكه ، ويجوز أن يراد بالأعمى الصنم ، فإنه لا يهتدى لذلك ولا يتحرز عما يهلكه ، ولا يرى ولا يسمع ولا يعلم شيئا من عبادتهم إياه ولا غيرها ، ولا يحيى ولا يرزق ، ولا يعاقب ولا يثيب ، ولا يخلق ، وبالبصير الله ، فإنه الغنى عن سواه ، المحتاج إليه من عداه ، الخالق الرازق ، المعاقب المثيب ، العالم بالأوقال والأفعال والأحوال . { أمْ } بمعنى بل التى للانتقال { هَلْ تَسْتوى } وقرأ حمزة ، والكسائى ، وأبو بكر بالمثناة التحتية { الظُّلماتُ } أراد الشرك { والنورُ } يعنى الإيمان ، شبه الشرك بالظلمة فى عدم الاهتداء عن الهلاك إلى المصالح ، والإيمان بالنور فى الاهتداء عنه إليها ، ويجوز أن يراد بالأعمى والبصير من لا عين له باصرة ، ومن هو باصر ، فإنهما لا يستويان ، فكذلك لا يستوى المشرك والموحد ، وبالظلمات والنور ظاهرهما أيضا ، فإنهما لا يستويان ، فكذلك لا يستوى الشرك والإيمان . { أم } بمعنى بل التى للانتقال ، والهمزة التى للإنكار ، أى بل { جَعلُوا لله شركاء خَلقُوا كخلْقهِ } أى خلقوا مخلوقات كمخلوقات الله تعالى ، فالخلق بمعنى المخلوق ، وجملة خلقوا نعت لشركاء داخل فى حكم الإنكار الذى أفادته أم ، أى لا شريك له فضلا عن أن يخلق ذلك الشريك شيئا ، أو يتسلط الإنكار على النعت فقط ، أى لا يصح لمن جعلوه شريكا أن يخلق شيئا ، فإنما جعلوا شريكا لا يخلق . { فَتشَابه الخلْقُ } أى مخلوقات الله ومخلوقات الشركاء ، أى اجعلوا لله شركاء خالقين الله ، حتى إنه يتشابه خلقهم بخلقه ، ويقولون إنهم مستحقون للعبادة كما استحقها الله تعالى ، أى ليس الأمر كذلك ، حتى إنه يكون خلقهم مخلوقات سببا للتشابه ، ونفى الخلق عمن سواه بقوله { اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شىءٍ } ليدل على الوحدة والقهر المذكورين فى قوله { وهُو الواحدُ } المتوحد بالألوهية { القهَّارُ } لمخلوقاته ، الغالب لها ، حتى لا يخرج شئ عما أرادوا . وإن قلت من أين استفيد نفى الخلق عمن سواه فى قوله { الله خالق كل شىء } ؟ قلت من العموم ، لإنه إذا كان كل شئ مخلوقا لله لم يبق شئ يكون مخلوقا لغيره ، فكأنه قال لا خالق غيره ، فضلا عن أن يشاركه فى العبادة التى هى إنما يستحقها من يقدر على أن يخلق ، ومراده بكل شئ ما يصح أن يكون مخلوقا ، فلا يدخل فى ذلك واجب الوجود ، ولا أسماؤه ولا صفاته ، فإنهن هو ، وهو قديم لا حادث اتفاقا ، وأيضا المتكلم لا يدخل فى عموم كلامه عند كثير من لأصوليين ، أو عند الأكثرين منهم ، ثم ضرب الله آخر للحق وأهله ، والباطل وأهله ، يتضمن التمثيل بشيئين الماء وما يوقد عليه فى النار بقوله { أنزلَ منَ السَّماء ماءٍ … }