Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 17-18)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أنزلَ منَ السَّماء ماءً } عذابا نافعا أى من جهة السماء وجهتها هى السحاب هنا ، أو من السحاب نفسها ، لأنها تسمى سماء ، لأنها علت وأظلت ، أو من السماء حقيقة على ما قيل إن الماء منها ، أو مبادئ الماء منها ، والسماء يؤنث ويذكر . { فَسَألتْ } جرت { أوْدِيةً } جمع وادٍ على غير قياس ، وهو الموضع الذى يسيل فيه الماء بكثرة ، فإسناد السيلان إليها مجاز عقلى من إسناد الحال إلى المحل ، فإنه السايل الماء لا الأودية ، أو استعمل الأودية بمعنى الماء من باب تسمية الحال باسم المحل ، فالأودية مجاز لغوى مرسل ، أو يقدر مضاف ، أى ماء أودية ، فالأودية مجاز بالحذف أو الأصل ، فسالت أودية ماء ، فحذف التمييز ونكر الأودية ، لأن المطر يأتى على تداول بين الأودية ، وكذا السيلان ، فإن المطر لا يعم الأرض ولا يسيل فى كل واد ، بل ينزل فى أرض دون أرض ، ويسيل فى واد دون واد . { بقَدَرها } بما قدر الله تعالى لها من ماء يسيل فيها ، أو القدر بمعنى القدْر بإسكان الدال ، أى بمقدارها الذى فى علم الله أنه نافع غير ضار ، لأن الماء مثل للحق موجب أن يكون نافعا غير ضار لأراضى الناس أو بنائهم أو حرثهم أو شجرهم وغيرها ، كما قال { وأما ما ينفع الناس } أو بمقدارها فى الصغر والكبر . { فاحْتملَ } حمل ورفع ، فافتعل هنا لموافقة المجرد ، أو حمل قويا فهو للمبالغة { السَّيلُ } ماء المطر الجارى فى الأودية { زَبَداً } جسم أبيض رقيق يتولد من الماء عند الزيادة ، ويعلو عليه ، هذا هو المراد عندى ، قيل ويجوز أن يراد ما يحمله الماء من حشيش وأعواد ونحوهما ، أو مجموع ذلك المذكور من الجسم الأبيض ونحو الحشيش { رابياً } عاليا فوق الماء ، أو منتفخا ، فالماء مثل للحق فى إفادته ونفعه وثابته ، فكما أن الماء النازل من السماء ينتفع به أنواع المنافع شرابا وطعاما وسقيا للحرث والشجر والنبات ، وبناء وغسلا للوسخ من الأرض وبدن وثوب ، وغير ذلك ، وثبت بعضه فى موضعه أيام ينتفع به ، ويسلك بعضه فى عروق الأرض إلى العيون والآبار والقنى . كذلك الحق وهو دين الله ، والقرآن ينتفع به دنيا وأخرى ، ويثبت فى القلب راسخا كالنور ، يتوصل به صاحبه إلى المنافع ، وتحترز به عن المضار ، وينكس الظلمة والغفلة عن القلب بقدر ما أوتى منه ، والزبد مثل للباطل ، فكما أن ذلك الزبد لا تقع فيه فى ظاهر الأمر لنا ، ولو كان خلقه حكمة ، ولا يثبت ، فكذلك الباطل . وذكر الشيخ إسماعيل فى القناطر وغيره من العلماء ، لإدخال كلام بعض فى كلام بعض أن الأرض ثلاثة أنواع ، وكذا الناس إذ خلقوا منها ، فأرض تنتفع بالمطر تمسكه وتنبت فينتفع الناس والدواب وغيرهم بمائها ونباتها ، فكذا من علم وعمل ينتفع ، وينتفع به غيره ، وأرض تمسك المطر ولا تنبت فكذا ، من يحفظ العلم ويتسنبط منه ولا يعمل به لو يحفظه فقط ، ولا يعمل ، فإنه ينتفع غيره بعلمه ، كما يسقى الماء من تلك الأرض ، وأرض لا تمسك الماء ولا تنبت ، كذلك من لا يحفظ العلم ولا يعمل به ، وأنه قد أشار إلى ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذكره البخارى ومسلم " أن مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم ، كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلاء " أى المد وهو الرطيب والياس من الحشيش قال " والعشب الكثير فكان منها أجادب " أى بجيم ودال مهملة أى أماكن غير مخصبة أو أماكن تمسك الماء ولا يسرع فيه التصوب ، وفى رواية " أخاذان " بالخاء والذال المعجمتين جمع أخاذة وهى الغدير الذى يمسك الماء قال اكتسب الماء نفع الله به الناس ، شربوا ورعوا وروى " وزرعوا وأصاب طائفة أخرى منها الماء قيعانا أى مستوية ، قال لا تمسك ولا تنبت كلاء فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه ما بعثنى الله به فعلم وعمل ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ، ومن لم يقبل هدى الله الذى أرسلت به " { وممَّا } خبر ومبتدأه زيد المذكور بعد ، ومن للتعبيض أو للابتداء ، أى زبد مثل زبد الماء ثابت مما الخ ، ويقدر كونا خاص أى ناشئ مما الخ { يُوقِدونَ } أى تجعلون الحطب للتتقد النار ، وقرأ حمزة والكسائى وحفص يوقدون بالمثناة التحتية ، والضمير للناس للعلم بهم ، أو للصواغين والحدادين للعلم بهم من السياق اللاحق { عَليهِ } الاستعلاء معنوى مجازى لا حسى حقيقة ، فإن الإيقاد يكون تحت ما أريد أن يذوب لا فوقه ، لكن ذلك الإيقاد يؤثر فى ذلك ، ويذيبه فذلك تغلب عليه ، فجعل استعلاء ، ويجوز أن تكون على للتعليل . { فى النَّارِ } متعلق بتوقدون ، لأن معناه يلقون لحطب فى النار ، أو بمحذوف حال من الهاء ، والمراد بذلك الذى يوقد عليه الذهب والفضة ، والحديد والنحاس والرصاص بها ونحوها ، مما يستخرج من المعادن ، ويوقد عليها ، وعبر عن ذلك بما ولم يصرح بها تهاونا ، واظهارا لكبريائه تعالى ، وتعريضا بمن يرغب فيها ويحرص { ابتِغاءَ } مفعول لأجله أى لطلب { حِلْيةٍ } زينة أو ما يتزين به كأطواق الذهب والفضة ، والقرط والسوار والخلخال ، وليس ذلك مختصا بالذهب والفضة كما قيل وإنما هما الغالب فى ذلك وهاء عليه عائدة إلى الذهب والفضة فقط كما قيل ، بل إلى ما العامة لهما ولغيرهما . { أو مَتاعٍ } ما يتمتع به أو التمتع ، وذلك كأوان الشراب والطعام ، والادخار ، والأطباق والقدر والكانون ، وآلات الحرث ، وآلات الحرب ، والدرهم والدينار والفلس ، وفائدة قوله { ابتغاء حلية أو متاعٍ } بيان منافع ما يقود عليه ، وتلويح إلى بيان الموقد عليه من حلى بأنه ما تتخذ منه الحلى والأمتعة ، ولم يذكر منفعة الماء لظهورها ولم يلوح إلى معنى الماء لأنه معلوم { زَبدٌ } ما يعلو المذاب من وسخ تنقيه نار الصواغ والحداد { مثْلُه } أى مثل زبد الماء ، فألحق كالذى يتخلص من الموقد عليه من حلى وأمتعة فى الحسن والبقاء والاستنفاع ، والباطل كالوسخ المتولد من الموقد عليه فى عدم الانتفاع به ، وعدم الحسن . { كذلك يضْربُ الله الحقَّ والباطلَ } أى بينهما بالتمثيل ، ويجوز أن يكون الأصل كذلك يضرب الله مثل الحق والباطل ، فحذف المضاف ، فالحق وهو دين الله ، والقرآن والنور الحاصل فى القلب متهما كالماء فى البقاء والنفع وإزالة الوسخ والباطل ، وهو دين الشيطان ، والظلمة الحاصلة فى القلب أن اعتقاد السوء كالزبد فى عدم النفع ، وسرعة الزوال ، والذهاب كما قال الله جل جلاله { فأمَّا الزَّبدُ } أى حقيقة الزبد الصادقة بزبد الماء ، وزبد ما يوقد عليه ، أو أراد بزبد الماء فقط { فيذْهبُ جُفاءً } حال أى باطلا مرميا به ، ضائعا متفرقا ، من قولك جفاءة القدر الزبد ، أو جفاءة السيل ، أى رمى به ، أو من جفاء الريح الغيم ، أى فرقته وهمزته أصل ، وقيل بدل من واو وقرأ رؤية بن العجاج جفاءة والمعنى واحد . قال أبو حاتم الأندلسى لأن قرأ بقراءة رؤبة لأنه كان يأكل الفأر . { وأمَّا ما يْنفَع النَّاسَ } وهو الماء والحلية والمتاع المتخذان من الموقد عليه { فيمْكُث فى الأرْض } يبقى فيها زمانا طويلا ينتفع به ، وأما نحو وسخ الحديد مما يبقى فليس بقاؤه معتبرا لعدم الانتفاع به ، وعدم التحفظ عليه حتى لا يدرى أهله أين هو ، فذلك ذهابه ، والتباطل ولو كان يعلو على الحق فى بعض الأحيان ، فإنه فى نفسه مستقل ويمحقه الله ، ويجعل العاقبة للحق ، كما أن الزبد يعلو ثم يمحق . { كَذلكَ يضْربُ الله الأمثالَ * للَّذينَ } خبر ومبتدأه الحسنى { اسْتجابُوا لربِّهم } أجابوه بالطاعة وهم المؤمنون { الحسْنَى } أى مثوبة الحسنى فى الدارين ، أو الجنة ، والمنفعة الحسنى فى الدارين . { والَّذين } هى مبتدأ خبره { لو أن لهم ما فى الأرض } الخ { لَمْ يسْتجيبوا لهُ } وهم الكفار { لَوْ أنَّ لهم ما فى الأرْضِ } أى لو ثبت أن لهم ما فيها { جَميعاً } حال مؤكدة لصاحبها وهو { ومثْله معه } متعلق بمحذوف نعت لمثل على أنه لم يتعرف بالإضافة ، أو حال منه على أنه تعرف بها ، وعلى أنه يجوز مجئ الحال من اسم الناسخ ، فإن مثل معطوف على اسم إن ، فكأنه اسمها ، ويجوز أن يكون مثل معطوف على اسم إن ، ومع على خبرها ، فيكون من العطف على معمولى عامل . { لافْتدوْا بهِ } من عذاب الآخرة أى بالمذكور الذى هو ما فى الأرض ، ومثل ما فيها أو بما فى الأرض مع مثله أو به وبمثله ، فحذف على الوجهين الأخيرين قولك مع مثله ، أو قولك وبمثله والمعنى لها أن عليهم ، ورضوا أن يدفعوه فدية عن أنفسهم أولات حين قبول ، وما ذكرته هو الذى يظهر لى ، وأصححه ثم اطلعت على أنه قول النخعى ، وفرقد السبخى ، وشهر بن حوشب ، وابن عباس ، والجمهور ، وقال بعضهم للذين استجابوا متعلق بيضرب ، والذين لم يستجيبوا معطوف عليه ، فيكون الحسنى مفعولا مطلقا ، أى استجابة الحسنى ، ويكون قوله { لو أن لهم ما فى الأرض } الخ مستأنفا لبيان مصير غير المستجيبين ، ويكون المعنى إن الله يضرب للمؤمنين والكافرين الحق والباطل مثالا لهم ، أو يضرب الحق والباطل فى شأنهم ، ومثله ولو كان واقعا فى القرآن ، لكن الأولى خلافه ، لأن الأصل عدم الفصل ، فلو كان كذلك لقيل . كذلك يضرب الله الحق والباطل للذين استجابوا لربهم الحسنى ، والذين لم يستجيبوا له ، فأما الذين إلى آخره إلا أن يقال لو قيل هكذا كان فى قوله { لو أن لهم ما فى الأرض } الخ بعض خفاء ، فأخر قوله { للذين استجابوا } الخ ، ولو كان يعلم من السياق أن المراد الذين لم يستجيبوا ، لأن المؤمنين يطلبون الفداء مما لهم ، وليس لهم سوء الحساب ، واختار هذا الوجه الأخير الزمخشرى ، والقاضى ، ويقرب منه وجه آخر هو أن يجعل للذين استجابوانعتا لمفعول يضرب محذوفا ، أى يضرب الله الحق والباطل مثلا ثابتا للذين استجابوا الخ . روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقال للكافر يوم القيامة لو أن لك ملء الأرض لكنت مفتديا به ؟ فيقول له نعم ، فيقال له كذبت فقد سئلت ما هو أهون من ذلك " { أولئكَ } البعداء عن الخير الذين لم يستجيبوا لربهم { لَهم سوء الحِسابِ } قال النخعى ، وشهر بن حوشب ، وفرقد السبخى وغيرهم سوء الحساب أن يناقشوا فلا يتجاوز لهم فى شئ ، ونظم ابن هشام ذلك قال @ سوء الحساب أن يؤاخذ الفتى بكل شئ فى الحياة قد أتى @@ { ومأْواهُم } مرجعهم { جَهنَّم وبئْسَ المهادَ } أى الفراش ، والمخصوص بالذم محذوف ، أى بئس المهاد هى ، ومن أراد تدمير عدو يحل دمه فليصم الثامن والعشرين من الشهر وإن وافق سبتا فحسن ويفطر على خبز شعير ، ويقم نصف الليل وقت شدة الظلمة فى برية قفرا أو سطح دار خالية ، ويبخر باللبان وصندروس ، ويتلوا { والذين لم يستجيبوا } إلى { المهاد } { والذين ينقضون } إلى { ولهم سوء الدار } سبع مرات يقول فى كل مرة اللهم عليك بفلان بن فلانة ، الله اعكس أمئه ، واخلف نظره ، ولا تثبت قدمه ، واحلل به ما أحللت بكل جبار عنيد ، فإنه يتفرق أمره ، ويشرف على الهلاك .