Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 3-3)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وهُو الَّذى مدَّ } بسط { الأرضَ } على الماء من تحت البيت الحرام طولا وعرضا لينتفع عليها ، سواء قلنا إنها سطحية وهو الصحيح الظاهر ، أو كورية الشكل كما قال أصحاب الهيئة ، لأنها ولو كانت كورية لكنها لم تكن ممتدة إلى فوق امتدادا كليا كالسارية ، فذلك مدها ، ولأن كل قطعة منها تشاهد ممدودة لعظمها ، كما أن نحو البيضة تشاهده الأشياء الصغيرة كما لقملة ممدودا قيل وكان موضع البيت على الماء قبل الأرض الأرض بألف سنة ، ثم بسط الأرض من تحته ، وعليه عطاء ومجاهد ، وقال الحسن بسطت من تحت موضع بيت المقدس . { وجَعَل فيها رَواسىَ } جبالا ثوابت من رسا الشئ أى ثبت ، جمع راسٍ كقاض بلا تاء ، لأن فاعلا صفة لغير عاقل يجمع على فواعل ، ولو مذكر مجردا من التاء ، هذا ما ظهر لى ، ولا حاجة إلى قول القاضى إنه جمع راسية ، وإن التاء فى راسية للتأنيث على أنه صفة أجبل أو للمبالغة انتهى . وهذا تكلف منه يتوصل به إلى أن رواسى جمع لمؤنث وهو جماعة راسية من الجبال ، والأولى أن يقول صفة جبالا ، لأن الأولى فى جمع القلة لغير العاقل المطابقة ، وأجبل جمع قلة ، فالأولى به أجبل راسيات ، وهذا لا يتمكن به إلى مراده ، لأن رواسى لا يكون جمع راسيات ، ولذا عدل عنه إلى راسية ، ولكن الأولى له أن يقول جبال ، وأول جبل وضع على الأرض أبو قبيس قاله ابن عباس رضى الله عنهما . { وأنْهاراً } من ماء لمنافع الخلق ، قيل الجبال أسباب لتولد الأنهار ، ولذلك عطفها على الجبال ، وسلط عليها فعلا واحدا وهو الجعل { ومِنْ كلِّ الثَّمرات } متعلق بقوله { جَعَل فِيها زوْجَين اثْنين } كحلو وحامض ، وأسود وأبيض ، وصغير وكبير ، وماله قشر وما لا قشر له ، أو ماله نوى وما لا نوى له ، ونحو ذلك ، قال بعضهم أهبط الله من الجنة ثلاثين ثمرة عشرة يؤكل داخلها وخارجها ، وعشرة يؤكل خارجها لا داخلها ، وعشرة يؤكل داخلها لا خارجها ، والمراد بالزوجين الاثنين لا نوعان من كل ، ثم تكاثرت وتنوعت ، ويجوز كون من كل الثمرات نعتا لمحذوف ومعطوف ، أى وشيئا من كل أجناس التمر وما بعده مستأنفا . { يغْشِى الليلَ النَّهار } أى يجعل الله سبحانه الليل غاشيا للنهار ، فيصير الجو والأماكن مظلمة بعد ما كانت مضيئة ، وقرأ حمزة ، والكسائى ، وأبو بكر بفتح العين وتشديد الشين ، فعلى الأول تعدى لاثنين بالهمزة ، وعلى الثانى بالتضعيف . { إنّ فى ذلكَ } المذكور { لآياتٍ } دليل على وحدانية الله تعالى { لقومٍ يتفكَّرون } فى صنع الله ، فإن وجدها مع إمكان عدمها ، وكونها صغيرة مع إمكان كبرها ، وكبيرة مع إمكان صغيرها ، وفى مكانها مع إمكان كونها فى مكان آخر ، وفى وقت مع إمكان كونها فى وقت آخر ، وكون هذا فوق هذا مع إمكان العكس ونحو ذلك ، مع أن الشئ لا يوجد نفسه ، ولا يؤثر فى نفسه ، ولو أمكن تأثير بعضه فى بعضه الآخر دليل على أن لها موجدا حكيما يتصرف بها كما تقتضيه حكمته . والفكر هو تصرف قلب الإنسان ، أو الجنى فى طلب ما تحصل له صورة فى القلب ، فلا فكر فى الله تعالى ، إذ لا يدركه أحد بصورة ، حاشاه ، فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم " لا تتفكروا فى الخالق لا تطاوع النفس والشيطان فى ادعائهما " إمكان التفكر فيه ، فإنه غير ممكن ، وإن شئت فقل الفكر قوة يفضى بها للعلم ، أى للمعلوم والتفكر جريان تلك القوة بحسب نظر العقل ، أعنى بالمعلوم ما من شأنه أن يعلم فلا فكر فى الله ، فإن الفكر فيه مغلوب عن الكفر . وإن شئت فقل الفكر إعمال النظر فى الشئ ، وإن شئت فقل التأمل ، وإن شئت فقل انتقال النفس من بعض المعقولات إلى بعض ، وهذان على أنه بمعنى التفكر ، وقال السدى يطلق الكفر على حركة النفس فى المعقولات ، أى حركة كانت ، ويختص بالإنسان ، أى والجنى ، ويقابله التخيل وهو حركتها فى المحسات ، وعلى حركتها من المطلب الذى تردد فى ثبوته ، كحدوث العالم إلى مبادئه كتغير العالم وحركتها من مبادئه إليه جازمة به ، يعنى يطلق على مجموع هاتين الحركتين الأخيرتين ، قال ويطلق على الحركة الأول منهما من غير أن توجد الثانية انتهى . وقال فى بعض كتبه إنه يطلق أيضا على الحركة الثانية انتهى . وإن شئت فقل الفكر ترتيب أمور معلومة ليتوصل بها إلى مجهول ، وقال المتقدمون هو مجموع حركة من المطلوب المشعور به بوجه المبادئ ، وحركة منها إلى المطلوب المجهول بوجه .