Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 10-10)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فِى قُلُوبِهِمْ مَرضْ } أى شرك ، وفى لسانهم صحة أعنى إسلاماً ، وذلك فى مبدأ سماعهم بالوحى وغلبة الإسلام ، ثم لما قوى الإسلام وأهله ، وتضافر الوحى اشتد الشرك فى قلوبهم وكثر ، لأنه كلما سمعوا أمارة قوة الإسلام وأهله ، أو رأوها ، أو أنزلت آية ، أو وقعت معجزة ، أنكروا ذلك ، فكثر إنكارهم ، وكل إنكار من ذلك شرك ، فكثر شركهم المعبر عنه بالمرض كما أخبر الله عنه بالزيادة فى قوله { فَزَادَهُمْ اللَّهُ مرضاً } أى خذلهم فازدادوا شركاً مترتباً ومسبباً عن الشرك السابق لهم ، بزيادة نزول الآيات وأمر الإسلام ، وسمى شركهم مرضاً لأنه خفى فى قلوبهم ، كما أن المرض يتألم به القلب ، وقد لا يظهر أثره على الجسد ، وقد يظهر أثره عليه ولا يتعين ، فقد ترى أصفر رقيقاً فيحتمل عندك أن ذلك من خلقته ، وقد يتعين . وعلى كل حال فأصل المرض خفى ، والذى يظهر إنما هو أثره . أو سمى شركهم مرضاً لأنه يضعف دين الإسلام ، كالمرض يضعف البدن ، وذلك فى الجملة ، لا خصوص دين الإسلام بقيد كونه فيهم ، فإنه لا دين إسلام فيهم ، لأنهم مشركون باطناً مسلمون ظاهراً ، ومرادى بإضعافه فى الجملة أن كثرة الشرك تضعف أهل الإسلام ، ودين الإسلام ، وأن كل شرك قدح فى الإسلام وأبطأ له ولو قل ، وإن فرضنا أن فى قلوبهم إسلاماً ضعيفاً ، كرجل أضعفه الشك الذى يطرأ عليه ، ويتردد عليه مرة بعد مرة ، كان شكهم شركاً يضعف ذلك الإسلام الذى فيهم ، كما أن المرض المجامع للصحة فى البدن الواحد يضعفها ، أو سمى الشرك مطلقاً مرضاً لأنه مانع من المنافع المترتبة على الإسلام فى الدنيا والآخرة ، كما أن المرض مانع لذة المطعم والمشرب والمنام ، بل الإسلام نفسه أمر حسن لذيذ يمنعه الشرك والشك ، أو لأنه مؤد إلى تنغيص الحياة بتوقع السلب والمغنم والسبى والقتل ، أو الذل والجزية فى الجملة ، وإلى حياة عذاب فى الآخرة ، كما أن المرض ينغص الحياة . ويحتمل أن يراد بالمرض حقيقة المرض ، فإن قلوبهم تتألم بذكر الإسلام وأمره وقوة أهله ، وزوال الأمر من أيديهم من الرياسة وغيرها حسداً منهم ، فإن الحسود يعذب نفسه لحسده ، وكلما ازداد ذلك ازدادوا تألماً وحسداً ، وكلما ازدادت التكاليف ازدادوا ذلك إذا رأوا المؤمنين متشبثين بالتكليف بها لا يضعفون عنها ، وأيضاً قلوبهم قد تلأمت بالخوف والضعف والذل حين ولو أمر المسلمين ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى ازدياد وتضاعف نصر على الأعداء ، وتبسطاً فى البلاد ، فذلك مرض حقيقى ويحتمل أن يراد الوجهان معاً فى الآية ، لأن المرض فيهما حقيقى ، وإما أن يرادا معاً أو أحدهما مع ما مر أولا ، من تخريج المرض على المجاز ، فلأنه جمع بين الحقيقة والمجاز ، ولو أجازه بعض ، وضابط ذلك ان المرض حقيقة فيما يخرج به البدن عن الاعتدال الخاص ، ويوجب الخلل فى أفعال البدن أو فى خروج البدن عن ذلك ، ومجاز فى المعاصى النفسانية كالجهل والشرك والحسد ، وحمل الآية على المجاز أولى لأنه أبلغ من الحقيقة ، وإنما أسند الله سبحانه وتعالى الزيادة إلى نفسه لأنها بمعنى خذلان خلقه الله لهم . فاجتازوه ولا جبر هناك . وقال فى الكشاف أسند الزيادة إلى نفسه لأنه سبب فى الوحى إذ أنزله ، فكان مرضهم بإنزاله ، وكذا فى سائر ما فعله مما يغنمون به ، كنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا حاجة إلى ذلك مع إمكان تفسير الزيادة بالخذلان ، المتسبب عنه المرض ، أو بخلق المرض وهو الحق ، وقرأ أبو عمرو فى رواية الأصمعى فى قوله { فِى قُلُوبِهِم مَرْضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرْضاً } بإسكان الراء فى مرض الأول والثانى ، وقيل فى قوله { فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً } أنه دعاء عليهم على عادة الناس فى الكلام ، وليس على الحقيقة . وقال بعضهم كلما كان بلفظ دعاء من الله - عز وجل - فإنما هو بمعنى إيجاب الشىء ، لأن الله تعالى لا يدعو على مخلوقاته وهى فى قبضته . { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أى مؤلم ، بفتح اللام ، أسند الألم إلى العذاب بطريق البناء للمفعول مبالغة ، فذلك من النسبة الإيقاعية ، كأنه قيل ولم عذاب أوجعه الله ، ويجوز أن يكون بمعنى متألماً ، بكسر اللام ، بإسناد الألم إلى العذاب بطريق البناء للفاعل مبالغة ، فذلك من النسبة الوقوعية ، كأنه قيل عذاب متوجع ، فهو فعيل بمعنى مفعول ، أو بمعنى فاعل ، ومما يحتمل الوجهين قول عمر ابن معد يكرب الزبيدى @ وخيل قد ألفت لهم بخيل تحية بينهم ضرب وجيع @@ أى رب خيل قد تقدمت إليهم بها تحييهم الضرب بالسيوف لا الكلام باللسان ، فالمراد بالخيل الفرسان للمجاورة وللحلول فوقها ، أو بتقدير مضاف أى أصحاب خيل أو راكب خيل ، وخيل الثانى من وضع الظاهر موضع الضم ، ومن الثانى جد جده إذا بالغ فى الاجتهاد حتى نسب الاجتهاد إلى اجتهاده ، ويجوز أن يكون أليم فعيل للنسب كأنه قيل عذاب ألمى أو من ألم المتعدى كألم ، فهو بمعنى فاعل متعد ، كأنه قيل عذاب مؤلم إياهم ، بكسر اللام ، والوجهان الأولان مجاز ، والآخران حقيقة . واعلم أن المتألم هو القلب لا الحسد ، ولذا تعذب الكفار فى النار وهم بأجسامهم التى أقرت بالله وصدقته ، ولو أنكرت قلوبهم ، ويدل لذلك أن السكران والنائم لا يتألمان بما يفعل فيهما ، ما دام النوم والسكر ، ويتألم النائم فى نومه بما يراه من حلم شىء . والله أعلم . { بِمَا كَانُوا يَكْذِبُون } بسبب كونهم يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما مصدرية والباء سببية ، ومفعلو يكذب محذوف ، ويجوز كون ما بمعنى الكون اسماً موصولا ، عائدها مفعول مطلق ضمير محذوف ، أى بالكون الذى كانوه يكذبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتشديد على الوجهين للتعدية ، ولك أن تقول التشديد للمبالغة ، فلا يقدر مفعول ، فالتكذيب بمعنى المبالغة فى الكذب ، ويدل له قراءة عصام وحمزة والكسائى يكذبون بفتح الياء وإسكان الكاف وتخفيف الذال ، أى بسبب كونهم كاذبين ، ويجوز أن يكون التكذيب للتكثير ، وتدل له هذه القراءة أيضاً . ووجه الدلالة فيها عليهما أنها لا قبل تقدير المفعول به ، لأن الكذب فى مثل هذا المقام لازم ، والمبالغة تكوين الفعل عظيما ، أو التكثير إيقاع أفعال كثيرة ، ولو أوقعها واحد يقال بين الشىء ، أى أظهر ظهوراً عظيما ، وموتت البهائم أى كثر موتها ، ويجوز كون التشديد من كذب الوحشى ، بتشديد الذال ، واللزوم بمعنى جرى شوطاً ووقف لينظر ما وراءه فإن المنافق متردد ، والمشرك أيضاً قد يكون كذلك ، وهو مأخوذ من كذب بالتشديد والتعدى ، كان ذلك الوحشى والمنافق والمشرك يكذبون رأيهم وظنهم ، ويقال للمتردد ، مذبذب … قال صلى الله عليه وسلم " مثل المنافق كمثل الشاة العابرة بين الغنمين تغير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة " ، ويجوز كون الباء للبدلية ، أى لهم عذاب أليم جزاء كونهم يكذبون وعوضاً له ، ومعناها على الوجه الآخر أنه جزاء ترددهم إذ لم يجزموا ، وكان الواجب الجزم بالحق ، وفى الآية تحريم الكذب والتكذيب ، وتقبيحهما إذا وعد عليهما العذاب الأليم ، واختلفوا فى الصور التى قيل بجواز الكذب فيها ، فقيل لا يجوز تعمده فيها ولا إرساله بعقله ، بل يجوز فيها بقصد المعرضة وهو ما حصلته من كلام الكشاف وأنوار التنزيل ، وعليه فتحمل الآثار التى وردت بلفظ جواز الكذب على صورة الكذب لا على حقيقته ، لقرينة أن فى المعارض لمندوحة عن الكذب ، وقيل يجوز تعمد الكذب فيها بلا تأويل بتعريض ، ومن تلك الآثار قوله صلى الله عليه وسلم " كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا ثلاثاً الرجل يكذب فى الحرب فإن الحرب خدعة ، والرجل يكذب على المرأة فيرضيها ، والرجل يكذب بين الرجلين فيصلح بينهما " رواه الطبرانى فى الكبير ، وقوله صلى الله عليه وسلم " الكذب كله إثم إلا ما نفع به مسلم أو دفع به عن دين " رواه الطبرانى فى الأوسط ، وبعض قصر ذلك وما أشبهه من الآثار على ظاهرها فقط ، وبعض توسع فأجاز كلها فى معنى ذلك ، وجعل الحديثين ونحوهما تمثيلا لا حصراً فأجاز الكذب للإنسان يرضى به والده أو والدته ونحوها ، وصاحبه ورحمه وجاره ، وحيث خاف على دمه أو ماله أو بدنه أو خاف ذلك على غيره ، وقيل لا يجوز فى غير ما ورد إلا بمعرضة . وقال فى فتح الجليل الكلام وسيلة إلى المقصود ، فكل مقصود محمود إذا أمكن التوصل إليه بالصدق ، فالكذب فيه حرام ، وإن لم يمكن إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحاً ، وواجب إن كان واجباً . انتهى . والحق أنه لا يجوز فى المباح الذى لم يضطر إليه إلا بتعريض ، وهو اللفظ المشار به إلى جانب والغرض جانب آخر ، وقيل تضمين الكلام دلالة ليس لها ذكر وهو خلاف التصريح ، وسمى تعريضاً لأن فيه إشارة إلى عرض أى جانب أو تعرضاً للمطلوب فى الحقيقة أو إعراضاً عنه بحسب ظاهر اللفظ ، وفى حديث الشفاعة لأهل الموقف من رواية البخارى ومسلم " يقول إبراهيم إنى كذبت ثلاث كذبات " وذكر قوله فى الكذب { هذا ربى } وقوله { بل فعله كبيرهم هذا } وقوله { إنى سقيم } وفى رواية إثبات قوله لامرأته " قولى للملك إنك أختى " وإسقاط قوله { هذا ربى } وفى رواية كذلك أنه قال للملك " إنها أختى " قال صلى الله عليه وسلم " ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله " أى حاول بها عن دين الله ، فقال القاضى الحق أن الكلمات الثلاث إنما كانت من معارضة الكلام ، لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها استصغاراً لنفسه عن الشفاعة مع وقوعها ، لأن من كان أعرف بالله أقرب إليه منزلة كان أعظم خوفاً ، والكذب الإخبار عن الشىء بخلاف ما هو به عمداً .