Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 115-115)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ولله المشرق والمغرب فأينما تُوَلّوا فَثمّ وجْهُ الله } أى جهات الأرض كلها لله شرقيها وغربيها ، فأى موضع وجهتم إليه وجوهكم بأمر الله فى الصلاة ، ففيه الله بالعلم والقدرة والحفظ ، لا بالاحتواء والحلول ، وهو فى كل مكان كذلك . وخص المشرق وهو مواضع شروق الشمس ، أى إضاءتها وظهورها ، والمغرب وهو مواضع غروبها بالذكر ، لأن المشرق جهة الكعبة المتحول إليها ، والمغرب جهة بيت المقدس المتحول عنها بالنسبة إلى المدينة ، مع أن قسم الشئ إلى جهتين متقابلتين استغراق لجهاته ، بأن يأخذ كل منهما ما يليه من جانبيها ، والفاء سببية ، وأين ظرف مكان مبنى لتضمنه معنى حرف الشرط ، متعلق بشرطها عند بعض ، وهو تولوا أو بجوانبها عند بعض وهو قوله { فثم وجه الله } وإنما صح التعليق به بالنظر إلى المعنى المراد منه وهو قولك الله عالم بتوليتكم ، أو متعلق باستقرار ثم ، فإنه ظرف مبنى لتضمنه معنى الإنشاء ، وهو هنا الإشارة ، فإن الأصل أن تودى بالحرف كالنهى ، والاستفهام متعلق بمحذوف خبر ، ووجه مبتدأ لكن على أن نجعل أينما مراداً به أوسع من ثم مثل أن يوقع ثم على الكعبة ، وأين على جهات المشرق ، أو نجعل ذلك على العكس ، وما صلة لتأكيد العموم ، ومفعول تولوا محذوف ، أى تولوا وجوهكم ، وقد يقال هذا من المواضع التى لم يتعلق أغراض العرب فيه بالمفعول ، فلا يقدر له مفعول ، فيكون جارياً مجرى اللازم ، أى أينما فعلتم التولية ، كقولك زيد يعطى ، تريد الإخبار بأنه ليس شحيحاً ، لا الإخبار بأنه يعطى فلاناً ، ولا بأنه يعطى ديناراً أو كذا . وقرأ الحسن تولوا بفتح التاء واللام وإسكان الواو بعدها إسكاناً حياً على أن الأصل تتولوا بتائين ، أى توجهتم بوجوهكم و وجه الله ذاته ونفسه تعالى وذاته ونفسه هو ، وعبر عن العلم بالتولية بقوله فثم وجه الله ، لأنه يلزم فى الجملة من وجود أحد فى موضع أن يكون عالماً بما فيه ، ويجوز أن يكون وجه الله سبحانه بمعنى رضى الله أو مرضيه ، فإن وجه الشئ خالصه وما يرضى ، فكأنه قيل فثم مرضى الله ومختاره وهو الجهة المأمور بها ، المرضية المختارة ، وهى القبلة التى هى الكعبة ، أو يقدر مضاف أى رضى وجه الله ، أو مرضى وجه الله ، أى ذات الله جل وعلا ، ويجوز أن يكون الوجه بمعنى الجهة ، أى جهة الله ، أى الجهة التى يرضاها الله قبلة ، وقد علمت من قولى بأمر الله أنه ليس لهم التوجه فى الصلاة حيث شاءوا ، وقيل إنه لا قبلة واجبة قبل الكعبة على المؤمنين ، بل لهم أن يصلوا إلى أى جهة أرادوا ، وأن هذا معنى الآية ، ثم وجبت القبلة ، وقيل كان ، صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنون يصلون النفل فى السفر حيث ما توجهت رواحلهم ، وطعن اليهود فى ذلك فنزلت الآية . قال ابن عمر نزلت الآية فى المسافر يصلى التطوع حيث ما توجهت به راحلته ، وكان ابن عمر يفعل ذلك ، وعنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر دابته حيث كان وجهه يومئ " . وروى مسلم " كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى على دابته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيث ما توجهت ، وفيه نزلت { فأينما تولوا فثم وجه الله } " . وقال عبدالله بن عامر بن ربيعة نزلت فيمن اجتهد فى القبلة فأخطأ . قال عامر ابن ربيعة كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر فى ليلة مظلمة ، فتحرى قوم القبلة وعلموا علامات ، فلما أصبحوا رأوا أنهم قد أخطأوها ، فعرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فنزلت الآية . رواه الترمذى ، وقال حديث غريب عن عبدالله بن عامر بن ربيعة ، وكذا روى الكلبى عن ابن عباس " أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، كان فى سفر فى يوم غائم فصلوا الصلاة بعضهم نحو المشرق ، وبعضهم نحو المغرب ، فذكروا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية " . وروى غير الكلبى عن ابن عباس كذلك ، لكن ذكر أنه ، صلى الله عليه وسلم ، لم يكن معهم فى السفر ، ولما قدموا سألوه فنزلت . وروى عطاء أن رهطاً من أصحاب النبى ، صلى الله عليه وسلم ، انطلقوا فى سفر والقبلة يومئذ بيت المقدس ، فتحيروا فمنهم من صلى إلى المشرق ، ومنهم من صلى إلى المغرب ، فلما طلعت الشمس استبان لهم ، فنزلت الآية . وعلى هذه الرواية التى فيها الصلاة للمشرق والمغرب تكون نكتة تخصيص المشرق والمغرب بالذكر لوقوعها إليهما . وسئل الحسن عن رجل صلى ولما فرغ من صلاته إذا هو لغير القبلة ؟ فقال جازت صلاته . قال الله تعالى { فأينما تولوا فثم وجه } . وعن بعض السلف " إذا صلى الرجل ثم استبان أنه صلى لغير القبلة مضت صلاته ، وإن استبان له بعد ما صلى ركعة انحرف إلى القبلة فى باقى صلاته وصحت له " ومفهومه أنه إن استبان قبل تمام الركعة خرج منها وأعاد ، وقيل إذا أحرم واستبان استقبل وتمت ، ومن اشتبهت علية القبلة اجتهد وصلى وأجزته ، ولو استبان أنه لم يستقبل ولو بقى الوقت ، وذكرت فى شرح النيل أقوالا . ويصلى الغريق والمشدود ومن تعذر عنه الاستقبال كما أمكنهم . وقال إبراهيم النخعى ليست الآية خاصة بالصلاة ، والمعنى أينما تولوا فى متصرفاتكم ومساعيكم فثم وجه الله ، أى موضع رضاه وثوابه وجهة رحمته التى يوصل إليها بالطاعة ، فدخل فيها الدعاء والصلاة وغيرهما من أحوال الإنسان . وقيل المراد أينما تولوا للدعاء والذكر لا للصلاة ، والآية على ذلك كله منقطعة عما قبلها ، وقيل إن المعنى إن منعتم أن تصلوا فى المسجد الحرام أو الأقصى ، فقد جعلت لكم الأرض مسجداً ، وقيل نزلت حين صد المشركون رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن البيت عام الحديبية ، وعلى القولين تكون الآية متصلة بما قبلها ، وعلى كل حال فالجهة ليست قبلة بالذات ، بل لأن الله جل وعلا أمر بها . { إن الله واسع } حذف مضاف ، أى واسع رحمته ، أو إن رحمة الله واسعة ، فلما حذفت كلمة الرحمة سقطت التاء من قولك واسعة ، وهو يزيد التوسعة والتسهيل لعباده ، فهو كثير الإنعام عليهم ، وغير مضيق فى دينه وفضله ، يسع كل شئ ، وقيل واسع المغفرة . كما ورد فى الآية الأخرى ، وقيل من السعة التى هى الغنى يشير به إلى أنه جواد مفضال ، وقيل واسع التدبير والإحاطة . { عليمٌ } بأعمالكم وأقوالكم ونياتكم التى هى ملاك الأعمال ومصالحكم ، فلا يخفى عنه توجهكم حيث توجهتم فى الصلاة والدعاء والذكر وغير ذلك ، وفى قوله { إن الله واسع عليم } ، تنزيه له عن التحقير كما أفاده قوله { فأينما تولوا } .