Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 116-116)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وقالوا اتخذ الله ولداً } عطف على قالت اليهود ، أو على قالت النصارى ، أو على قال الذين لا يعلمون ، لجواز اختلاف وجه الشبه فى المتعاطفات ، أى قال الذين لا يعلمون مثل ذلك القول الصادر منهم فى اللفظ والمعنى { وقالوا اتخذ الله ولداً } مثل ذلك القول فى الخطأ كما أخطأوا فى قولهم { لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } كذلك أخطأ من قال { اتخذ الله ولداً } كقولك زيد كالأسد وحاتم ، أى كالأسد فى الشجاعة وكحاتم فى الجود ، أو عطف على معنى فيكون ، روعى معنى من فى أولئك وما بعده وفى قوله قالوا ، وروعى لفظها فى قوله منع وسعى ، وكأنه قيل من أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، وسعى فى خرابها ، وقالوا اتخذ الله ولداً ، أى وممن قالوا اتخذ الله ولداً أو عطف على المعنى من قوله { ومن أظلم } فكأنه قيل ومنعوا مساجد الله وسعوا فى خرابها ، وقالوا اتخذ الله له ولدا ولا أظلم ممن فعل ذلك ، أولا أظلم ممن منعوها . وسعوا فى خرابها ، وقالوا اتخذ الله ولداً ، ويجوز كونه مستأنفاً ، ويدل له قراءة ابن عامر قالوا بدون واو قبل القاف ، والذين قالوا اتخذ الله ولداً هم النصارى ، إذ قالوا المسيح ابن الله ، حاشا . على ما اختار بعض ، وقيل اليهود إذ قالوا عزير ابن الله ، وقيل مشركو العرب إذ قالوا الملائكة بنات الله ، وأقول اليهود والنصارى ومشركو العرب ، فإذا هو كما قال القاضى والحسن البصرى وأبو عبدالله اللخمى فى مختصر الطبرى والحمد لله ، فاليهود والنصارى مذكورون بهذين اللفظين ، ومشركو العرب مذكورون بقوله كذلك { قال الذين لا يعلمون } . { سبحانه } تنزيه لله سبحانه عن اتخاذ الولد ، وفى صحيح البخارى عن ابن عباس عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم " قال الله عز وجل كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمنى ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياى فزعم أنى لا أقدر أعيده كما كان ، وأما شتمه إياى فقوله لى ولد ، فسبحانى أن أتخذ صاحبة أو ولداً " نفى الله سبحانه وتعالى أن يكون له ولد ، لأن ثبوت الولادة لله عز وجل يقتضى التشبيه والتحيز ، والحلول والتركيب ، والاحياج وسرعة الفناء ، ألا ترى أن الأجزام الفلكية مع أنها تفنى ، ومع أن وجودها ممكن غير واجب بالذات لما قضى الله عليها أن تبقى ما دامت الدنيا باقية لم يصيرها تلد بالاختيار كالحيوان ، ولا بالطبع كالأرض والنبات ، فإن الأرض تلد النبات ، والنبات يلد نباتاً آخر ، كالأغصان والثمار والبذر ، فإن البذر يولد ويلد ، وذكر أن القائلين عزير ابن الله يهود المدينة ، والقائلين المسيح ابن الله نصارى نجران ، والمشهور أن ذلك قول شائع فى اليهود والنصارى مطلقاً ، والسبب فى قول اليهود والنصارى بذلك أن أسلافهم أو أصحاب الشرائع المتقدمة عليهم كانوا يطلقون الآب على الله سبحانه وتعالى ، إما باعتبار أنه هو الذى وجدت به الأشياء أولا ، وإما باعتبار التعظيم حتى قالوا إن الآب هو الرب الأصغر ، والله سبحانه هو الرب الأكبر ، فظنت الجهلة منهم أن المراد معنى الولادة ، فاعتقدوا ذلك تقليداً ، وحرفوا قوله تعالى فى عيسى أنت نبى وأنا ولدتك بتقديم النون وتشديد اللام ، بأن قدموا الباء وخففوا اللام ، ولذلك كفر قائله وأشرك ، ومنع منهم مطلقا قطعا لمادة الفساد ، ولو أراد قائله التعظيم أو أنه وجدت الأشياء به ، لأنه يوهم الباطل ، وكذا كل لفظ يوهم الباطل كبعض اللحن ، فإنه يوهم الشرك أو الكفر غير الشرك ، فإنه حرام ، ولو لم يعتقد الناطق به إلا الحق واللحن كله لا يجوز لمن أطاق تركه ، وكان بعض البربر فى مغربنا هذا يقولون باب ربى بفتح باء باب الثانية الآب ، وكذا بعض برابر فاس أو أعماله حتى نظم فيهم بعض العرب ، وقال @ يقولون للرحمن باب بجهلهم ومن قال للرحمن باب فقد كفر @@ والذى عندى أن من قال هذا لا يشرك إن لم يعتقد تشبيها ولا معنى لفظه ، بل التعظيم لكونه منافق لأنه سمى الله باسم قبيح موهم . { بَل له ما فى السمٰوات والأرض } إبطال لقولهم اتخذ الله ولداً ، أو إضراب عنه واستدلال على فساده ، بأن من ملك السمٰوات والأرض الذى من جملته عزير والمسيح والملائكة ، لا يكون عزير والمسيح والملائكة أولاداً له ، بل هم عبيد له ومماليك ، والملكية تنافى الولادة ، فإن الولد ليس ملكاً لوالده كما يملك العبد ، ففى الآية دليل على أن من ملك ولده عتق عليه ، لأنه تعالى نفى الولد بإثبات الملك ، وذلك يقتضى تنافيهما قاله القاضى ، وأيضاً الولد يتخذ للحاجة إليه والانتفاع به عند عجز الوالد أو كبره والانتصار به ، ودفع المكاره به والهموم ، والله جل وعلا غنى على الإطلاق ولا يحتاج إلى شئ ولا يحلقه ضعف ولا مكروه ولا هم . { كل له قانتون } أى كل ما فى السمٰوات والأرض قانتون لله ، ومن كان بهذه الصفة من قنوت ما فى السمٰوات والأرض له لا يجانسه شئ ولا يشبهه شئ ، ولا يكون نظيراً له ، والولد لا بد أن يكون من جنس الوالد ، فلم يصح أن يكون عزير والمسيح والملائكة أولاداً له ، ومعنى { قانتون } منقادون لمشيئته لا يخالفون أمره ، والكفار أيضاً منقادون بالأجسام والأحوال ، فإن الله يتصرف فى أجسامهم بما شاء ويجرى عليهم قاضاءه ، وتسجد ظلالهم فأجسامهم مقرة كغيرها بالعبودية ، والقنوت لغة طول القيام ، كقوله صلى الله عليه وسلم " أفضل الصلاة طول القنوت " وأطلق هنا على الانقياد والطاعة والخضوع ، ويجوز كونه بمعنى القيام ، أى كل ما فى السمٰوات والأرض قائمون لشهادة أنه الواحد الأحد ، المالك لهم ، الفعال ما يريد ، ويطلق أيضاً فى اللغة على الطاعة ، وقيل { قانتون } ذليلون خاضعون ، وما تقدم من تقدير ما أضيف إليه كل عاما هو الصحيح ، فجمع القانت جمع مذكر السالم تغليب للعاقل وغير أولا بما مع أنها لغير العاقل تغليباً بجانب من يحقر وهو غير العاقل ، لأن العقلاء كالملائكة ، وعزير والمسيح محقورون أيضاً فى هذا المقام مقام ما ينسب إلى الله من الولادة ، فليس فى الوجود ولا فى الإمكان شئ يصح أو يليق أن يكون ولداً له ، لأن الولادة فى نفسها نقص ككائنة ما كانت ، فلا يتأهل لها الملائكة ولا عزير ولا المسيح ، ويجوز تقدير ما أضيف إليه كل خاصا هكذا كل من ادعوه ولداً له تعالى من عزير والمسيح والملائكة قانتون له لا لغيره ، مقرون بأنهم عبيده ، فكيف تثبتون الولادة لهم وهم ينفونها عن أنفسهم ، ويشهدون على أنفسهم بالعبودية ، فألزمهم بقوله { كل له قانتون } ، بعد ما احتج عليهم بقوله { له ما فى السمٰوات } ، وعن ابن عباس أنه يقدر خاصا بأهل الإيمان ، وأن القنوت قنوت بالقلب والجوارح بالاختيار والعمد والقصد ، فيكون التقدير هكذا كل المؤمنين له قانتون . وقال الكلبى التقدير كل ما فى السمٰوات والأرض قانتون ، لكن قنوت الكفار وهو انقيادهم يكون فى الآخرة حيث لا ينفعهم .