Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 130-130)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ومَنْ يَرغَبُ } هذا استفهام نفى وإنكار واستبعاد ، أى ولا يرغب { عَنْ مِلة إبراهيمَ إلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسهُ } أى أهانها بتعرضها للعذاب حين عصى الله ، عز وجل ، وسفه لازم ، وإنما تعدى لتضمن معنى أهان كما علمت أو أذل أو أهلك أو خسر ، كما فسره ابن عباس به ، أو جهل فإن من عصى الله ، جل وعلا ، كأنه جهل نفسه مخلوقة الله واجباً عليها عبادته ، وقد جاء من عرف نفسه فقد عرف ربه ، أوحى الله سبحانه وتعالى إلى داود عليه السلام اعرف نفسك واعرفنى . قال يا رب كيف أعرف نفسى وكيف أعرفك ؟ قال اعرف نفسك بالعجز والضعف والفناء . واعرفنى بالقوة والقدرة والبقاء . قال المبرد وثعلب سفه بالكسر متعد ، و سفه بالضم لازم ، ويدل له ، قيل ما فى الحديث الكبر أن تسفه الحق وتقمص الخلق . وروى الناس وذلك رواية التخفيف ولا دليل فيه لا حتمال التأويل بنحو أهان ، وببعض أوج التأويل فى الآية والقمص الاستصغار ، والغمط بالطاء التحقير . وقيل الأصل سفه بالرفع فنصب على التمييز المحول عن الفاعل على قول الكوفيين على جواز تعريف التمييز ، كما قيل غين رأيه وألم رأسه وقول جرير @ ونأخذ بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس له سنام @@ بنصب الظهر على التمييز ، مدح النعمان بأنهم يبقون بعده فى عيش لا خير فيهٍ وذناب الشئ عقبه ، والجمل الأجب الظهر هو الذى قل لحم ظهره حتى كان لا سنام له ، والسنام الذروة شبه العيش الضعيف بذلك ، والأوضح إذا صبر إلى هذا التأويل أن يذكر بدله أن النصب على التشبيه بالمفعول به فى قوله سفه نفسه ونحوه ، كالبيت يجوز كون أل فيه زائدة ، وقيل النصب على نزع الخافض ، أى سفه نفسه أو فى نفسه ، والملة الشريعة والطريقة ، والسفة الخفة وعدم الرشد فى العقل والقول ، والمستثنى بدل بعض من الضمير فى يرغب ، أو نصب على الاستثناء ، والبدل أولى لتقدم النفى بمن ، كأنه قيل لا يرغب أحد عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ، وسبب نزول الآية أن عبد الله بن سلام دعا ابنى أخيه إلى الإسلام مهاجرا وسلمة ، وقال لهما قد علمت أن الله تعالى قال فى التوراة إنى باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد ، فمن آمن به فقد اهتدى ، ومن لم يؤمن به فهو ملعون . فأسلم سلمة وأبى مهاجر ، فنزلت . وفيها تعريض لليهود والنصارى ومشركى العرب ، لأن اليهود والنصارى يفتخرون بالنسبة إلى إبراهيم ، لأنهم من ولد إسرائيل ، والعرب يفتخرون به لأنهم من ولد ابنه إسماعيل ، فأخبر الله أن من رغب عن ملة محمد فقد رغب عن ملة إبراهيم ، لأنها واحدة فقد كذب فى افتخاره . وقرأ هاشم أبراهام بالألف فى جميع هذه الصورة ، وفى السناء ثلاثة أحرف وهى الأخيرة ، وفى الأنعام الحرف الأخير ، وفى التوبة الحرفين الأخيرين ، وفى إبراهيم حرفاً وفى النحل حرفين وفى مريم ثلاثة أحرف ، وفى العنكبوت الحرف الأخير ، وفى حمعسق حرفا . وفى الذاريات حرفا ، وفى النجم حرفاً وفى الحديد حرفاً ، وفى الممتحنة الحرف الأول ، فذلك ثلاث وثلاثون حرفا ذكرها أبو عمرو الدانى . قال وقرأت لابن ذكوان فى البقرة خاصة بالوجهين ، والباقون بالياء فى الجميع ، والذى فى البقرة ستة عشر ، وقرر كون اتباع إبراهيم حقا ومخالفته سفهاً بقوله { وَلَقَد اصْطفيناهُ فى الدُّنيا } اخترناه فهيا بالرسالة والخلة . { وإنّه فى الآخِرة لَمِنَ الصَّالحين } أى ثابت أو معدود من الصالحين الذين لهم الدرجات العلى ، وهم الأنبياء والفائزون ، ويجوز أن تكون من بمعنى فى وللمصاحبة ، وذلك يوم القيامة ، فيكون قد ذكر ماله فى الدنيا وما له فى الآخرة ، ويجوز أن يكون المعنى ، وأنه فى عمل الآخرة محذوف المضاف ، وتعلق فى على الوجهين بمحذوف حال من اسم إن ، أو بالمحذوف الذى تعلق به من الصالحين شذوذاً من وجه واحد ، وهو تقديم معمول ما بعد لام الابتداء عليها ، وهذا إن قلنا إن اللام فى خبر إن لام الابتداء تأخرت ، وإن تعلق بمجموع قوله { من الصالحين } ، لقيامه مقام الخبر ، فالشذوذ من هذا الوجه ، ومن وجه آخر هو تقديم معمول ما ليس فيه حروف الفعل ، وهو قوله { من الصالحين } ، فإنه قائم قمام ثابت وليس فيه حروف .