Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 138-138)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ صِبْغَة اللهِ } مفعول مطلق كسبحان الله ، قاله سيبويه ، والأصل صبغنا الله صبغة ، فحذف الفعل وأضيف اسم المصدر إلى فاعله ، كما أن سبحان الله أصله سبحوا الله أو سبحنا الله أو نسبح الله ، فحذف الفعل وأضيف اسم المصدر إلى مفعوله وهو لفظ الجلالة ، والمصدر هنا مؤكد لآمنا ، قدرنا صبغنا الله صبغة بمعنى الإخبار ، أو قلنا إنه طلب ودعاء ، وعلى الوجهين ، فهو من مقول القول المتقدم فى قوله { قُولوا آمنَّا } وكسر الصاد للنص على أن المراد نوع من الصبغ ، كالجلسة بكسر الجيم لنوع من الجلوس ، ومعنى صبغة الله ، تطهير الله ، لأن الإيمان يطهر النفوس ، فصبغة الله مؤكد لآمنا ، من توكيد المفعول المطلق لمضمون الجملة قبله ، وكذا إن قلنا صبغة الله بمعنى فطرة الله التى فطر الناس عليها ، أو بمعنى هدايته والمراد على معنى الفطرة الدعاء بالإدامة على الفطرة ، أو الإخبار بأنه تعالى صبغهم صبغة باقية ، وهى الفطرة بقيت بعد البلوغ ، ويجوز أن تكون صبغة بدلا من ملة ، وقيل منصوب على الإغراء ، أن الزموا معشر اليهود والنصارى صبغة الله ، أو نلزم معشر المؤمنين صبغة الله ، أو الزموا يا معشر المؤمنين صبغة الله ، وقيل صبغة الله دين الله ، وهو مروى عن ابن عباس ، أى دِنّا دينَ الله ، أو نلزم دين الله ، أو الزموا معشر المؤمنين دين الله ، أو الزموا يا معشر اليهود والنصارى دين الله ، أو بدل من ملة . وقيل سنة الله وهى دينه ، أو سنتنا سنة الله ، أو نلزم أو الزموا أو بدل كذلك ، وما أصدق فى هذه الأقوال واحد ، وسمى ذلك كله صبغة ، لأنه زينة للإنسان ، كما أن الصبغة زينة للمصبوغ ، وزينة لمن يتزين بها ، أو لظهور أثر ذلك لمن هو فيه ، كظهور أثر الصبغ على المصبوغ ، ولدخوله القلب كدخول الصبغ الثوب ، وكل ذى دين باطنه مصبوغ بصبغ اعتقاده ودينه حقا . وقال بعض المفسرين اليهود تصبغ أولادها يهوداً ، والنصارى تصبغ أولادها نصارى ، وأن صبغة الله الإسلام . ولفظ صبغة فى تلك الأوجه والأقوال كلها استعارة تصريحية تحقيقية أصلية ، ووجه الشبه الشهور أو الدخول أو كلاهما ، والقرينة الإضافة إلى الله ، وفيه المشاكلة البديعة . قال القزوينى والسعد ومن الضرب المعنوى من المحسنات البديعة المشاكلة ، وهى ذكر الشئ بلفظ غيره لوقوع ذلك الشئ فى صحبة ذلك الغير وقوعاً إما محققاً كقوله @ وقالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه فقلت اطبخوا لى جبة وقميصا @@ ذكر خياطة الجبة والقميص بلفظ الطبخ لوقوعها فى صحبة طبخ الطعام فى قوله نجد لك طبخه ، أى اطلب شيئاً من غير تفكر ولو صعبا نطبخه لك طبخا جيداً ، ونجد بضم النون وكسر الجيم من أجاد شيئاً ، أى صيره جيدا وإما مقدرا كقوله صبغة الله فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم فى ماء أصفر يسمونه المعمودية ، ويقولون إن الغمس فى ذلك الماء تطهير لهم ، فإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال الآن صار نصرانياً حقاً . فأُمِر المسلمون بأن يقولوا لهم قولوا آمنا بالله ، وصبغنا الله بالإيمان صبغة ، ولم نصبغ صبغتكم أيها النصارى ، فعبر عن الإيمان بالله بصبغة الله ، للمشاكلة لوقوعه فى صحبة صبغة النصارى ، تقديراً بهذه القرينة الحالية التى هى سبب النزول ، من غمس النصارى أولادهم فى الماء الأصفر ، وإن لم يذكر ذلك لفظا ، وهذا كما تقول لمن يغرس الأشجار اغرس كما يغرس فلان ، تريد رجلا يصطنع إلى الكرام ويحسن إليهم ، فعبرعن الاصطناع بلفظ الغرس للمشاكلة بقرينة الحال ، وإن لم يكن له ذكر فى المقال ، وأصل هذا للسكاكى والزمخشرى ، وكفى وجوداً للصبغة فى أحد الفريقين اليهود والنصارى وهو فريق النصارى لأنها فيهما فى الجملة ، ولو لم تكن فى كل فريق منها ، ولا سيما أنهُ يجمعهما اسم أهل الكتاب ، وقيل المراد بصبغة الله الاختتان الذى أمر الله تعالى به ، لأنه يصبغ المختتن بالدم . قال ابن عباس إن النصارى إذا ولد لأحدهم مولود وأتى عليه سبعة أيام غمسوه فى ماء لهم أصفر يسمونه ماء المعمودية ، وصبغوه به ليطهروه به مكان الختان ، فإذا فعلوا ذلك به قالوا الآن صار نصرانياً حقا . فأخبر الله أن دينه الإسلام لا ما تفعله النصارى . { ومَنْ أحْسنُ } استفهام تقرير للمؤمنين ، ونفى أو توبيخ لليهود والنصارى ، ونفى أى لا أحد أحسن . { مِنَ الله صِبْغَة } تمييز محول عن الفاعل معنى ، وعن المبتدأ والإضافة اصطلاحاً ، أى صبغة الله أحسن من كل صبغة ، ويجوز كونه محولا عن الفاعل صناعة ، على أن يؤخذ ذلك من مسألة الكحل ، أى لا ترون أحدا أحسن فى حكمة الصبغة منه فى حكم الله ، وتطهير الله المؤمنين من اوساخ الكفر لا تساويه صبغة ، ودينه لا يساويه شئ يصبغ به فى زينة الدنيا ولا فى أمر الآخرة . { ونَحْن لهُ عابِدُون } لا نعبد غيره ، ولا نشرك به شيئا ، كما تشركون أنتم معشر اليهود والنصارى ، فهذه الجملة تعريض بشركهم ، كما إذا حضر من يترك الصلاة فقلت تعييراً له أنا لا أترك الصلاة ، وهى معطوفة على جملة آمنا ، فهى من مقول قالوا المتسلط على آمنا ، وإن قلت إذا عطفت على جملة آمنا ، فكيف يصح جعل صبغة بدل ملة أو منصوبا على الإغراء ، مع ما فيه من فك أجزاء الكلام بأجنبى ، وهو صبغة مبدل مما قبل قالوا وهو ملة أو النصب بفعل مستقل مقدر على الإغراء ؟ قلت إنما صح نصب صبغة على الإبدال من ملة أو على الإغراء من جهة تقدير القول قبل قوله { نحن له عابدون } ، ويعطف هذا القول على ناصب ملة مقدر ، أى اتبعوا أو الزموا ملة إبراهيم . . إلخ . وقوله { نحن له عابدون } ، أى لله عابدون ، فيكون قوله آمنا بدل اتبعوا أو الزموا المقدر الناصب لملة ، فإذا عطفنا قولوا نحن له عابدون على الزموا ملة إبراهيم ، فلا فصل وإذا عطفناه على اتبعوا ملة إبراهيم حنيفا فالفصل بالبدل ، وهو صبغة المبدل من ملة ، وهو غير أجنبى من المبدل منه . والله أعلم . ثم إن اليهود قالوا للمسلمين نحن أهل الكتاب الأول ، وقبلنا أقدم ولم تكن الأنبياء من العرب ونحن أولى بالله منكم ، ولو كان محمد نبياً لكان منا ، وخاطبوه بذلك وقالوا لو كنت نبيا لكنت منا ، ولو أنزل على أحد لأنزل علينا ، لأن النبوة فينا والعرب عبدة أوثان ، وكذا قالت النصارى ، فنزل قوله تعالى { قُلْ أتُحاجُّونَنا في اللهِ … }