Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 137-137)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فإن آمنوا } أى اليهود والنصارى . { بمثل ما آمنتم } أيها المؤمنون به . { فقد اهتدوا } فلا يمكن أن يؤمنوا بمثل ما آمنتم به ، فلم يمكن أن يكونوا على هدى ، وذلك إنما آمن به المؤمنون هو القرآن ، ورسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، والوحى ، ولا يوجد مثل القرآن ، ولا لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ولا لما أوحى إليه ، فإن القرآن أفضل كتب الله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء ، والرسل وما أوحى إليه أفضل ما أوحى إلى الأنبياء ، فلا مثل لذلك ، فضلاً عن أن يؤمنوا به فيهتدوا ، والمعلق بالمشفى منتف ، وذلك تعجيز . فالباء فى قوله بمثل غير زائدة ، ولفظ مثل غير زائد ، بل الباء للتعدية ، ويجوز أن يكون المراد فإن آمنوا بدين غير دين الإسلام مماثل لدين الإسلام كونه حقا قد اهتدوا ، وهذا لا يوجد ، إذ لا يكون غير الإسلام حقا ، فلا يوجد لهم اهتداء ، وهم بحالهم ، وهذا كالوجه الذى قبل هذا ، والباء للتعدية ، ومثل غير زائدة كذلك . ويجوز أن تكون الباء للسببية أو للآلة ، ومثل غير زائدة بمعنى إن حصلوا الإيمان بالله ورسوله محمد ، وما جاء به بسبب طريق ، أو بواسطة طريق مثل الطريق الذى حصلتم به الإيمان ، أو بواسطته فقد اهتدوا ، لجواز أن يتوصل إلى الشئ الواحد من طريق متعددة ، كالمسجد الواحد يتوصل إليه من طرق ، ويجوز أن تكون الباء زائدة فى المفعول المطلق ، أى فإن آمنوا بالله إيمانا مثل إيمانكم به ، كما هو وجه فى قوله عز وجل { وجزاء سيئة بمثلها } فهى للتأكيد ، فتكون ما مصدرية والهاء عائدة إلى الله سبحانه وتعالى فى هذا الوجه ، ولرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أو لدين الله أو لله { وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم … } إلى قوله تعالى { وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون } للتأويل بالمذكور ، وأما الأوجه السابقة فما فيها اسم موصول أو نكرة موصوفة ، والهاء عائدة إليها ، ويجوز على مذهب الكوفيين فى زيادة الأسماء أن يكون لفظ مثل زائد ، أى فإن آمنوا بما آمنتم به كما هو أحد الأوجه فى قوله { وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله } أى عليه ، وتدل له قراءى أبى فإن آمنوا بالذى آمنتم به وأدل من هذه القراءة على ذلك قراءة ابن عباس وابن مسعود { بما آمنتم به } لأن فيها لفظ ما ، وإسقاط مثل . وما على هذا الوجه اسم موصول أو نكرة موصوفة ، والهاء عائدة إليها ، ويجوز أن يقع المثل على القرآن ومحمد ، وما على التوراة والإنجيل وموسى وعيسى ، أى فإن آمنوا بالقرآن ومحمد اللذين هما مثل التوراة والإنجيل وموسى وعيسى ، الذين آمنتم بهم ، أو مثل على القرآن وما على التوراة والإنجيل ، ووجه المماثلة فى هذين الوجهين كون كل حقا من الله جل وعلا ، ولا ينافيان الوجه الأول ، لأن المماثلة المنفية فيه بمعنى المساواة . { فإنْ تولَّواْ } أعرضوا عن الإيمان ، أو عما تقولون لهم ، والضمير لليهود والنصارى . { فإنَّما هُمْ فى شِقاقٍ } إنما للحصر ، أى فما هم إلا فى شقاق ، والشقاق مصدر شاقق بفتح القاف الأولى كالثانية كقاتل قتالا من شاققه بمعنى خالفه ، فكان فى شق آخر غير الشق الذى فيه من خولف ، والشِّق الجانب ، أى فما هم إلا فى مخالفة لكم أو فى مخالفة للحق ، وفى مخالفة لكم وللحق ومعاداة . قال الحسن الشقاق التعادى إلى يوم القيامة ، وفى معناه قول بعضهم الشقاق الفراق ، ونفى بذلك كونهم طالبين للحق ، وأثبت عنادهم أو من شاققه بمعنى أوقعه فى مشقة ، أو أرادها بهِ ، فهم يريدون مشقة المؤمنين ويوقعونهم فيها بما أمكنهم ، ولو بمجرد العناد والمكابرة ، أو من شاققه بمعنى أزال وصل بينهما وشقة ، فإن اليهود والنصارى لهم وصلة بالمؤمنين بالمجاورة ، وبالكتابين اللذين نزلا من الله التوراة والإنجيل ، المصدقين للقرآن الكريم فقطعوها بالكفر ، إذ لم يتبعوا التوراة ولا الإنجيل ولا القرآن . واتباع واحد يوجب اتباع الآخرين . { فَسيكْفيكَهم الله } عطف على { فإنَّما هُم فى شِقاقٍ } والفاء للسببية ، فإن كونهم فى شقاق سبب لأن يكفيهم الله بالقتل والإجلاء والسبى وضرب الجزية والإذلال ، وذلك وعد من الله لرسوله ، صلى الله عليه وسلم ، ووعيد لليهود والنصارى ، وقد أنجزه له فهو معجزة ، لأنهُ إخبار بالغيب ، وذلك لأنهُ قتل بنى قينقاع وبنى قريظة وسباهم ، وأجلى بنى النضير ، وضرب الجزية على اليهود والنصارى ، وكانوا تحت يده . فالآية تسكين للمؤمنين وتسلية لهم ، ووعد بالحفظ والنصر على من عاداهم ، لأن كفاية الله ، عز وجل ، اليهود والنصارى بذلك عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، كفاية عنهم ، ويقدر مضاف بين الكاف والهاء أى فسيكفيك شرهم . وذكر الزمخشرى أن معنى هذه السين أن ذلك كائن لا محالة ، وإن تأخر إلى حين ، وهكذا إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة . قال ابن هشام وجهه أنها تفيد الوعد بحصول الفعل بدخولها على ما يفيد الوعد أو الوعيد ، مقتضية لتوكيده وتثبيت معناه ، ويأتى ذلك إن شاء الله ، فى غير هذه السورة . { وهُو السَّمِيعُ } لأقوالهم فيعاقبهم عليها ، ولأقوالكم فيجازيكم بثوابها { العَليمُ } بأفعالهم ونياتهم فيعاقبهم عليها ، وبأفعالكم ونياتكم فيجازيكم بالثواب ، وذلك من تمام الوعد بالكفاية للمؤمنين ، وتمام الوعيد لليهود والنصارى بالكفاية ، فإنها وعيد لهم ووعد للمؤمنين ، وما ذكرته أولى من تخريج الآية على السمع بأقوال اليهود والنصارى ، والعلم بأفعالهم ونياتهم . ويجوز تحريجها على السمع لكل قول ، والعلم بكل فعل ونية .