Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 154-154)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ولا تَقُولوا لمَنْ يُقتلُ فى سَبيل الله } أى لا تقولوا فى شأن من يقتل فى سبيل الله ، فاللام بمعنى فى أول للتعليل لا للتبليغ ، لأنهم لم يخاطبوا من قتل فى سبيل الله بقولهم أنتم أموات ، بل كانوا يقولون إنهم ماتوا وزالت عنهم نعم الدنيا ، فكان هذا خطأ من رتبة الشهداء ، وإهانة لأمر الجهاد ، وترغيبا عنه ونظيريه للحياة الدنيا ، واختياراً لها على الآخرة ، فنزل { ولا تقُولوا لمن يُقتلُ فى سبيل الله } . { أمْواتاً } أى هم أموات إلى قوله { ولكِن لا تشْعُرون } ، وقيل إن الناس قالوا فيمن قتل ببدر وأحد من المؤمنين مات فلان مات فلان ، فكره الله سبحانه أن تحط منزلة الشهداء إلى منزلة غيرهم ، فنزلت الآية ، ويحتمل أن تكون نزلت لذلك ولتسلية المؤمنين بتعظيم درجة الشهداء والإخباء عن حالهم ، لأنهم قد صعب عنهم فراق إخوانهم وقرابتهم بالموت . ولما نزلت الآية صار الشهداء مغبوطين لا محزونا عليهم . روى البخارى عن أنس " أنه أصيب حارثة يوم بدر ، أصابه سهم غرب وهو غلام ، فجاءت أمه إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، فقالت يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة منى ، فإن يك فى الجنة أصبر وأحتسب ، وإن يك الأخرى ترى ما أصنع ؟ فقال " ويحك أو قال وهبلت أو جنة واحدة ، إنما هى أجنة كثيرة ، وأنه فى الفردوس الأعلى " وذكروا أنها نزلت فى من قتل ببدر من المسلمين وهم أربعة عشر ، ستة من المهاجرين وهم عبيدة ابن الحارث بن عبدالمطلب ، وعمير بن أبى وقاص بن وهيب بن عبد مناف ابن زهرة الزهرى أخو سعد بن أبى وقاص ، وذو الشمالين واسمه عمير بن عمر ابن تفنة بن عمر بن خزانة ، وعاقل بن البكير من بنى سعيد بن ليث بن كنانة ، ومهجع مولى لعمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وصفوان بن بيضاء من بنى الحارث بن فهر . وثمانية من الأنصار سعد بن خثيمة ، ومبشر بن عبدالمنذر ، ويزيد بن الحارث بن فحم بن قيس ، وعمير بن الحمام ، ورافع بن المعلى ، وحارثة بن سراقة ، وعوذ ومعوذ ابنا الحارث بن رفاعة ابن سوداء وهما ابنا عفراء وهى أمهما . قلت الذى حفظت أن ابنى عفراء هما قتلا أبا جهل وحييا بعد ذلك ، وطلبهما مع غيرهما رسول الله ، صلى الله عليهِ وسلم ، البينة على قتله ، إلا أن يقال جرى ذلك كله قبل انقطاع القتال ، ثم قتلا . وكان الناس يقولون مات فلان مات فلان ، وذهب عنهم نعيم الدنيا ولذاتها ، فأنزل الله هذه الآية ، وقيل إن الكفار والمنافقين قالوا إن الناس يقتلون أنفسهم ظلما لمرضات محمد صلى الله عليه وسلم من غير فائدة ، فنزلت هذه الآية . { بَلْ أحْياءٌ } أى بل هم أحياء ، وهذا إضراب انتقالى عن النهى أن يقولوا هم أموات ، وقال إنهم أحياء فى نعيم دائم ، أحبوا ليصلهم الثواب ، وهذا كلام مستأنف منقطع عن النهى وعن المحكى بالقول ، نقض الله عز وجل قولهم أموات وليس أحياء معطوف على أموات ، ولا هو بتقدير المبتدأ معطوفاً على هم أموات ، لأن المعنى حينئذ لا تقولوا أموات بل أحياء ، وليس ذلك صحيحاً ، نعم يجوز تقدير القول أمراً ، أى بل قالوا هم أحياء . { ولكن لا تَشْعُرون } لا تعلمون كيف حياتهم ، لأنكم ترونهم لا يتحركون ولا يتنفسون ولا يتكلمون ، فهى حياة لا تدرك بالعقل ولا بالمشاهدة ، بل علمها عند الله وتدرك بالوحى ، وقيل إن الحياة حلت أجسادهم ولو لم تتبين بالحس والمشاهدة ، إلى أن يبعثوا وسائر الأموات تحيا أجسادهم بعد الموت برجوع الروح إليها ، وتمكث فيها ما شاء الله ، ثم تخرج وقد تعود ، وليس ذلك تكرير موت ، بل كنوم ولا مشقة فى خروجها حينئذ ، وقيل حياتهم بالروح لا فى الأجساد ، فامتيازهم عن سائر الأموات بأكل الأرواح من الجنة أو فيها ، أو التنعيم فيها أو منها ، وبتصييرها بصور طير بيض وخضر أو فى أجواف طير بيض أو صفر ، هذا ما ظهر لى فى الرد على من خالف الجمهور فى قولهم إن حياتهم بالروح لا فى الجسد ، وقال إنها الجسد ، وإنها لو كانت بالروح فقط ، لاستتوا بجميع الأموات . الذين ليسوا شهداء ، ولم تكن لهم مزية ، ويجوز أن يكون المعنى ولكن لا تشعرون ما هم فيه من النعيم ، وعن الحسن أن الشهداء عند الله تعالى تعرض أرزاقهم على أروحهم ، ويصل إليهم الروح والريحان والفرح ، كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوة وعشيّاً ، فيصلهم الألم والوجع ، ويدل ذلك على ثبوت عذاب القبر وتنعيمه ، وأن الروح جوهر قائم بنفسه باق بعد الموت مدرك كما هو قول جمهور الصحابة والتابعين ، وعليه تدل الآيات والسنن ، وروى مسلم أن أرواح الشهداء عند الله فى حواصل طير خضر تسرح فى أنهار الجنة حيث شاءت ، ثم تأوى إلى قناديل تحت العرش . وعن مجاهد يرزقون تمر الجنة ، ويجدون ريحها وليسوا فيها . وهو كلام يحتمل ظاهره وهو الأكل منها فى قبورهم ، ويحتمل أنهم يأكلون منها بأرواحهم وليسوا فيها بأجسادهم . قال الزمخشرى وقالوا يجوز أن يجمع الله من أجزاء الشهيد جملة فيحييها ويوصل إليها النعيم ، وإن كانت فى حجم الذرة ، وعنه صلى الله عليه وسلم " أن أرواح الشهداء فى حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة " وروى فى قبة خضراء ، وروى فى قناديل من ذهب ، ويجمع بين ذلك بأن بعض الشهداء على حال ، وبعضا على حال ، أو كلهم فى وقت على حال ، وفى وقت على حال ، وبعضا فى حواصل طير ، وبعضا يصور طائراً ، ثم رأيت القرطبى أشار إلى ذلك وقال إنه حسن يجمع به بين الأخبار حتى لا تدافع ، وكذا ورد فى الحديث إنما نسمة المؤمن من طائر يعلق فى الجنة ، ومعنى يعلق يأكل ، ومنه قولهم ما ذقت علاقا أى مأكلا ، فأما أن يراد المؤمنون كلهم ، فيختص الشهداء بقدر لا يناله غيرهم ، وأما أن يراد المؤمن الشهيد ونكتة الإطلاق كثرة شهداء الآخرة لحصول الشهادة الأخروية بغير القتل أيضا ، وحديث إنما نسمة المؤمن طائر يعلق فى الجنة . رواه مالك فى الموطأ ، قال الداودى هو أصح ما جاء فى الأرواح . قال والذى روى أنها تجعل فى حواصل طير لا يصح فى النقل ، قلت لا مانع من صحته عندنا ، وأمر الآخرة خلاف أمر الدنيا ، ولكن الأولى أنها نفس طير ، وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر هذه الأحاديث بسندها ولم يذكر مطعنا فيه ، بل قال فى تمهيده الأشبه قول من قال كطير أو صور طير لموافقته حديث الموطأ ، إنما تسمة المؤمن طائر يعلق فى الجنة والنسمة والروح ، وكذا روى الربيع ابن حبيب عن أبى عبيدة رحمهما الله قال بلغنى عن كعب بن مالك ، عن النبى ، صلى الله عليه وسلم " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق فى شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " وذكروا عن عبدالله بن مسعود أنه قال إن أرواح الشهدءا فى حواصل طير خضر ترعى فى الجنة ، ثم تأوى إلى قناديل معلقة بالعرش . رواه الشيخ هود رحمه الله ، وروى بعضهم أنه قال كنا نحدث أن أرواح الشهداء فى طير بيض وخضر يأكلن من ثمار الجنة ، وأن مساكنهم السدرة ، وأن للمجاهد فى سبيل الله ثلاث خصال من قتل منهم فى سبيل الله كان حيا مرزوقا ، ومن غلب آتاه الله أجراً عظيما ، ومن مات آتاه الله رزقا حسنا ، وروى الترمذى وابن ماجه عن النبى ، صلى الله عليهِ وسلم " للشهيد عند الله ست خصال يغفر له فى أول دفعة ، ويرى مقعده من الجنة ، ويجار من عذاب القبر ، ويؤمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع فى سبعين من قرابته " . قال الترمذى هذا حديث حسن غريب ، زاد ابن ماجه ويحلى حلة الإيمان لكن عد سبعا فى رواية الترمذى ، وثمانيا فى رواية ابن ماجه ، ولعله عد الأولين فى رواية الترمذى واحدة ، والثلاث الأولى فى رواية ابن ماجه واحدة ، وروى أبو بكر أحمد بن سليمان النجاد بسنده ، عن النبى صلى الله عليهِ وسلم " للشهيد عند الله ثمان خصال … إلخ " وهى أولى ، قال الشيخ هود رحمه الله ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة " قلت ، وبهذا اللفظ رواه الترمذى والنسائى ، وقال أيضاً ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما بين حياة الشهيد فى الدينا ، وبين حياته فى الآخرة إلا كمضغ تمرة " وروى النسائى " أن رجلا قال يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون فى قبورهم إلا الشهيد ؟ قال " كفى ببراقة السيوف على رأسه فتنة "