Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 155-155)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ولَنبلونَّكُم } أى والله لنوقعنكم فى البلاء إيقاعاً مثل إيقاع الإنسان أحداً فى شئ مكروه ، ليعلم كيف حاله فى ذلك الشئ ، ووجه الشبه ظهور حاله خارجاً بذلك الإيقاع ، ولو اختلفنا بأن الله ، عز وجل ، لا يخفى عنه شئ قبل وجوده ، فهو عليم بكل شئ بلا أول ، فبإيقاع الله الإنسان فى البلاء يظهر فى الخارج صبره واستسلامه للقضاء ، وعدهما ومن كان يعصى عند البلاء تحرجا وضيقا به فهو غير صابر ولا مستسلم . { بِشَئ } التنكير للتحقير ، أى بشئ قليل هين ، بالنسبة لأن كل ما أصاب الإنسان من الأمور العظام الغلاظ فهى هيئة بالنسبة إلى ما كفى الله عنه مما هو أعظم ، وقليلة بالنسبة إلى الأمور الكثيرة التى لا تحصى ، وقد كفاها الله عنه ، فكل ما أصابه فهو قليل هين بالنسبة إلى عذاب الآخرة الذى يصيب الكافر ، وبالنسبة إلى ما أعده الله الرحمن الرحيم له عليه من الثواب ، وقليل هين بالنسبة إلى سلامة دينه ، ففى التعبير بما يدل على التحقير تخفيف عليهم ، ودعاء لهم إلى الصبر ، إيذان بأن رحمته لم تفارقهم إذ لم يصبهم بما هو أعظم ، وإنما أخبرهم بأنه يبلوهم ليوطنوا أنفسهم على الصبر فيصبروا إذا وقع البلاء ، وليدوموا على التضرع والابتهال ، لعلمهم بأنهُ سيقع فإن الإنسان فى البلاء أشد إخلاصا وتضرعا ، وليكون ذلك إخبار بالغيب إذا وقع على حالة مخصوصة على لسانه ، صلى الله عليه وسلم ، كان معجزة ، وليكون علامة تمييز المؤمن بالصبر من المنافق ، وفائدة الابتلاء الثواب ، وأن الكفار إذا شاهدوا صبر المؤمنين مع بقائهم على دينهم علموا صحة دينهم فيدعوهم ذلك إلى الدخول فيه ، والمراد بشئ قليل من كل واحد من هذه الأشياء المذكورة بعد ، ولو قال بأشياء لتوهم أن المراد أصناف من الخوف ، وأصناف من الجوع وهكذا . { مِنَ الخَوْف } للعدو المشرك والمنافق . قال ابن عباس يعنى خوف العدو ، وذلك يشمل خوف الحرب وغيرها ، وفسره بعض بخوف العدو فى الحرب ، وقال الشافعى الخوف خوف الله ، والخوف توقع مكروه يحصل منه ألم فى القلب ، وقد يعدو إلى الظاهر بالاصفرار بأن ينقبض الدم داخلا . { والجُوعِ } هو حال تحصل من خلو المعدة مما يغذى . وهى موجعة ، وقيل هو فراغ الجسم عما به قوامه ، وقيل الألم الذى ينال الحيوان من خلو المعدة عن الطعام ، فهو عن الأول والثالث وجودى ، وعلى الثانى عدمى ، والمراد مطلق الجوع سوى القحط أو غيره ، وقيل المراد الجوع للقحط ، وقال الشافعى الجوع جوع صوم رمضان . { ونَقْصٍ مِنَ الأَموال } العروض والأصول والحيوان والنقد بالحوائج والمصائب ، بإذهاب الشئ كلهِ أو بإزالة قوته ونفعه ، أو بعض النفع ، أو بعض القوة كموت الحيوان وعدم الدور وموت النخل والشجر وقطعها ، والسرقة لما يسرق ، والغصب ووضع الخراج ونحو ذلك ، كالخسارة فى البيع والشراء ، وركوب الدين ، فيباع ما ملك ، وقال الشافعى نقص من الأموال إخراج الزكاة والصدقات ، ولا ينافيهِ حديث " ما نقص مال من صدقة " لأن المراد عنده فى الآية النقص الحسى بإذهاب جزء للزكاة أو للصدقة . وفى الحديث إنما أخرج زكاة يعود فى المال بالبركة والخلف ، وذكروا عن ابن مسعود أن الخوف والجوع ونقص الأمول هو فى زمان الدجال ، ذكروا الدجال فقال كيف أنتم والقوم آمنون وأنتم خائفون ، والقوم شباع وأنتم جياع ، والقوم رووا وأنتم عطاش ، والقوم فى الظل وأنتم فى الشمس . وعن رجاء بن حيوة نقص الأموال والثمرات ما يأتى على الناس فى زمان ، سيأتى على الناس زمان لا تحمل النخلة إلا ثمرة واحدة . ونقص معطوف على الخوف ، أى وشئ من نقص من الأموال ، ويجوز عطفه على شئ ، أى وينقص من الأموال ، فيكون الكلام فى نقص مثله فى شئ ، أى وينقص قليل هين . { والأنْفُسِ } بالموت والأمواض والقتل ، وقال الشافعى بالأمراض { والثّمراتِ } بأن تغل من أول مرة أو تكثر أو تفسد وتنقص . وقال الشافعى الثمرات الأولاد ، ونقصها موتها . روى البخارى وغيره عن أبى موسى الأشعرى ، عنه صلى الله عليه وسلم " إذا مات ولد العبد قال الله تعالى للملائكة أقبضتم ولد عبدى ؟ فيقولون نعم . فيقول قبضتم ثمرة قلبه ؟ فيقولون نعم . فيقول الله تبارك وتعالى ماذا قال عبدى ؟ فيقولون حمدك واسترجع . فيقول الله ابنوا لعبدى بيتاً فى الجنة وسموه بيت الحمد " . قال الترمذى حديث حسن . { وبشِّر الصابرين } أى وبشر يا محمد ، أو يا من يتأتى منه التبشير الذين صبروا عند البلاء بالثواب العظيم الذى هو الجنة ورضا الله سبحانه وتعالى والجملة مستأنفة أو معطوفة على لنبلونكم عطف المضمون على المضمون ، أى الابتلاء حاصل لكم ، وكذا البشارة ، لكن لمن صبر .