Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 179-179)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ولكُم فى القِصَاصِ حَياةٌ } قيل المراد بالقصاص قتل القاتل والحياة بالحياة العظيمة الهنية ، وهى حياة الجنة ، فإن القاتل إذا أذعن للقتل تائباً كانت له الجنة ، وإن لم يذعن ولم يتب كانت لهُ النار لا يموت فيها ولا يحيا ، وقيل المراد بالقصاص قتل القاتل والحياة حياة الدينيا وهى عظيمة أيضا من حيث إن قتا ردع عن القتل ، وذلك أنه إذا قتل القاتل ارتدع من يريد القتل عن القتل لئلا يقتل ، وقيل المراد بالقصاص شرع القصاص لا نفسه ، والحياة دنيوية عظيمة أيضاً من حيث إن الإنسان إذا علم أنه إن قتل أحداً قتل به امتنع من القتل لئلا يقتل فيحيا هو ومن أراد قتله ، وأيضا كانوا يقتلون غير القاتل ، والجماعة بالواحد متهيج الفتنة ، فإذا علم أنه يقتل واحد بواحد وأنه لا يجوز غير ذلك شرعا ، وقتل القاتل سلم الباقون من القتل ، والمراد بالقصاص القصاص المعهود المذكور فى الآية قبل فى قوله { كتب عليكم القصاص فى القتلى } فالمراد الجنس المعهود ، وهو قتل النفس شرعاً أو إنجازاً ، ويستفاد حكم القصاص فى الجرح والشجة والعضو وإزالة منفعة من حكمه فى قتل النفس ، ويجوز ألا يكون المراد المعهود بل الجنس الذى يعم ذلك كله ، فإن الجرح قد يفضى إلى الموت وكذا ما بعده ، ففى تركه حياة دنيوية ، وكذا فى الإذعان للاقتصاص مع التوبة حياة الجنة ، والآية على القول الثانى والثالث أفصح منها وأبلغ على القول الأول ، وعلى الثالث أبلغ وأفصح منها على الثانى وأوجز ، وهى عليهما فى غاية بلاغة وفصاحة ووجازة وإيجازها إيجاز قصر وهو الذى يحصل بلا واسطة حذف ، فإنه ولو كان فيها حذف الاستقرار المتعلق به لكم لكن الإنجاز ليس متحصلا به ، وأيضا قد وجب حذفه وسد لكم مسده ، وأفاد مفاده ، وبيان إيجازه أن لفظهُ قليل ومعناه كثير كما مر أن المعنى أنه إذا علم أنه إن قتل أحداً قتل به ارتدع وسلم الناس من قتل بعضهم بعضا . ومن قتل جماعة بواحد ، وكم قتل مهلهل بأخيه كليب حتى كاد يفنى بكر بن وائل ، ولو قال كما تقول العرب القتل أنفى للقتل ، لم يفد ما أفاده قوله ، ولكن فى القصاص حياة ، ولم يكن فى وجازته ، لأن مقابل هذا الكلام هو قوله فى القصاص حياة ، فإنه لا نظير لقوله تعالى { لكم } فى قولهم القتل أنفى للقتل ، فلو عد فى التنظير لكان كعديا أولى الألباب فيهِ ، لأنه أتى به لمعنى لم يقصده فى ذلك الكلام ففى قوله عز وجل { فى القصاص حياة } أحد عشر حرفا إن اعتبرنا التنوين وعشرة إن لم نعتبره ، وفى قولهم القتل أنفى للقتل أربعة عشر حرفا ، وإن ما لم تعتبر ياء فى ، وهمزة أل لأنهما لا يلفظ بهما ولو كتبتا ، والإنجاز يعتبر فيه اللفظ ولو بمد الصوت كألفى قصاص وحياة ، أو بما لم يكتب لا الخط والمطلوب هو الحياة ، وهى مذكورة تصريحا فى الآية دون قولهم القتل أنفى للقتل ، وفيها الدلالة على نوعية الحياة أو تعظيمها ، فإن تنوين حياة وتنكيره للدلالة على أحدهما أى نوع من الحياة ، وهو الحياة المتحصلة للذى أريد قتله ، والذى أراد القتل لعلمه أنه إن قتل قتل فكيف عنهُ أو حياة عظيمة ، وهى حياتهما وحياة الجماعة التى يراد قتلهما بالواحد ، ولا دلالة على نوعية الحياة ، ولا على تعظيمها فى قولهم القتل أنفى للقتل ، وأيضاً قولهُ { فى القصاص حياة } ، مطرد فى كل قتل قصاص ، إذ فيهِ التصريح بالقصاص ، وقولهم القتل أنفى للقتل غير مطرد بالنظر للفظه لعدم التصريح فيه بالقصاص ، فإنهُ يشمل القتل ظلما وهو أدعى للقتل لا أنفى له ، وأيضا قوله { فى القصاص حياة } لا تكرار فيه بخلاف قولهم القتل أنفى للقتل ، فإن فيه ذكر القتل مرتين ، وما يخلو من التكرار أفضل مما فيه التكرار ، ولو لم يكن كل تكرار مخلاً بالفصاحة ، وفيه رد العجز على الصدر إذ كرر لفظ القتل بمعنيين ، لأن أحد القتلين غير الآخر ، ورد العجز على الصدر فيه حسن لكن لا من جهة التكرار إذا كان فيه تكرار ، بل من حيث إنهُ رد العجز على الصدر ، وهذا لا ينافى رجحان الخالى عن التكرار ، وأيضا قوله { فى القصاص حياة } ، مستغنى عن تقدير محذوف يحتاج إليه الكلام ، فإن لكم تائب عن الاستقرار ومفيد مفاده كما مر ، وقولهم القتل أنفى للقتل ، محتاج إلى تقدير ، أى آنفى للقتل من تركه ، وفى قوله { فى القصاص حياة } المطابقة وهى من المحسنات البديعية وهى الجمع بين متضادين ، فإن القصاص قتل وهو يتضمن موتا ، والموت ضد الحياة وليس ذلك فى قولهم القتل أنفى للقتل وفى قوله جل وعلا { فى القصاص حياة } غرابة مستحسنة معنوية لا مردودة ، لفظية إذ جعل الشئ محل ضده ، لأن القصاص بالقتل تفويت للحاة ، وقد جعل ظرفا للحياة وأيضا قوله { فى القصاص حياة } سببان خفيفان فقط غير متواليين أحدهما الفاء واللام ، والآخر التاء والتنوين ، وقولهم القتل أنفى للقتل توالى أوله إثنان وفى آخره أربعة من همزة أنفى إلى تاء القتل الآخر ، وتوالى الأسباب الخفيفة يقتضى ثقل الكلام ، وهب أن حسبنا صاد قصاص مع ألفه الذى بعده سببا وحسبنا ألف حياة أيضا مع يائه ، لكن لم تتوال ثلاثة بل اثنان ومن الفاء إلى التاء ثلاثة توالت ، بل إذا نظرت وجدت اجتماع حرفين متحركين فى قوله { قصاص } قوله ص ح بل ثلاثا بالتاء ، وليس فى قولهم جمعهما إلا فى موضع واحد ، وهما لام القتل وهمزة أنفى بعده ، وفى الآية تقديم الظرف للاختصاص والمبالغة ، وليس ذلك فى قولهم ولا يقال إن التقديم لتسويغ الابتداء بالنكرة لا للتخصيص ، لأنا نقول تنوين حياة للتنويع أو للتعظيم ، وذلك وصف سوغ ابتداؤه وأيضا لكم قد تقدم وهو خبر ظرفى ، فهو كاف فى التسويغ ولا سيما جعلنا فى القصاص حالا من ضمير الاستقرار فى لكم أو متعلق بلكم لسده مسد ما يصح التعليق به ، ولم نجعله خبراً ثانيا ، وإن جعلناه خبراً ثانيا صح ولا خلل . وإن قلت هل يصح جعل فى القصاص خبرا ولكم متعلق به أو بمحذوف حال من ضمير الاستقرار فيه ؟ قلت وجهان مرجوحان ، لأن فى القصاص ضمن معنى الفعل ، وليس فيه حروفه فلا يتقدم معموله ، ولو كان قد يرد من كلام العرب . وقرأ أبو الجواز ولكم فى القصص بفتح القاف والصاد الأولى بدون الألف بعدها كقوله تعالى { لقد كان فى قصصهم عبرة } بمعنى مقصوص ، أى لكم فيما قص عليكم من حكم القتل والقصاص ، أو من القرآن مائة حياة للقلب عز وعلا { روحاً من أمرنا } و { يحيى من حى عن بينة } { يا أولى الألباب } يا ذوى العقول السالمة المتأهلة للتأمل فى حكمة القصاص المقتضى لبقاء الحياة ، والعاقل لا يريد إتلاف نفسه لإتلاف غيره وخصهم بالنداء ، لأنهم المتأهلون للتأمل فى حكمة القصاص ، المنتفعون بالأمر والنهى . { لعلكم تتقون } تخافون الله وتراعون حقه فى المحافظة على القصاص والحكم به ، ولا سيما وإلى الأمر والإذعان لهُ مع التوبة ، أو لعلكم تحذرون الموت فتكفون عن القتل ، لأنه يؤدى إلى موتكم به ، ومن اتق الله بالمحافظة عليه والحكم به دعاه إلى سائر التقوى ، لأن الطاعة يثاب عليها بأخرى وتدعو أخرى بأخرى وهكذا ، وكذا من أذعن له ، فإنه يكون أطوع لله فيما بقى من حياته قتل أو لم يقتل ، ولعلكم تعليل للاستقرار فى قوله { ولكم فى القصاص } أو ترجية مع محذوف أى شرعنا لكم القصاص لعلكم تتقون ، أو أريناكم حكمة القصاص لعلكم تتقون .