Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 180-180)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كُتِبَ } فرض . { عليكم إذا حضر أحدَكُم الموتُ } أى حضرته أسباب الموت ودلائله من الأمراض المخوفة والعلل المهلكة ، وليس المراد معانيه الموت لأنهُ يعجز فى ذلك الوقت عن الإيصاء ، وإنما قال كتب ولم يقل كتبت بتاء التأنيث مع أن نائب الفاعل مؤنث ، وهو قوله { الوصية } لأنهُ ظاهر مجازى التأنيث ، فجاز تذكير فعله كما تقول طلع الشمس وطلعت الشمس ، وحسن ذلك أن الوصية مؤولة بالإيصاء ، كما يدل عليه رد الضمير إليها مذكراً فى قوله { فمن بدله } على أحد أوجه تأتى إن شاء الله ، وحسنه أيضا الفصل بين كتب والوصية ، والفصل يسيغ التذكير ولو كان التأنيث حقيقاً ، وجواب إذا محذوف دل عليهِ كتب ولا يشكل على ذلك أن الكتابة أزلية لا متقيدة بزمان حضور الموت ، لأنا نقول كما فرض الله جل وعلا ذلك فى الأزل فرضه وقت حضوره ، فهذا إيجاب آخر مطابق للأزلى ، وإن شئت فقل عبر بالفرض الأزلى وأراد لازمه ومسببه وهما الوجوب ، ولكن هذا يشكل عليه أن الوجوب أزلى أيضاً ، يحتاج إلى الجواب بأنه إيجاب آخر مطابق للأزلى ، فالوجه الأول أولى ، وأما جواب أن فمحذوف أيضاً مدلول عليهِ بإذا وشرطها وجوابها المقدر ، أى إن ترك خيراً فإذا حضره الموت كتبت عليهِ أعنى الوصية ، لأنها فى نية التقديم على إذا وإن . وإن قلت كيف تقول ذلك وترك الخير بعد حضور الموت وبعد الموت ؟ قلت المعنى أنه قرب ترك الخير وشارفه وهو وقت أوسع من وقت حضور الموت شامل له ، ويجوز أن يكون نائب الفاعل هو قوله عليكم فوجب ألا يقرن الفعل بالفاء ، فحينئذ يكون الكلام فى جواب إذا وإن كما مر . والوصية نائب لمحذوف جواب لسؤال مقدر كأنه قيل ما المكتوب أو ما كتب على أحدنا إذا حضره الموت ؟ فقال كتبت الوصية أو خبر لمحذوف كذلك كأنه قيل ما المكتوب عليه ؟ فقيل الوصية ، أى المكتوب الوصية ، ويضعف أن يقال الوصية متبدأ و للوالدين خبر ، والجملة جواب إن حذفت منه الفاء ، لأن حذفها قليل مع غير القول ، وإنما يكثر فى الضرورة كقول حسان @ من يفعل الحسنات لله يشكرها @@ مع أنهُ روى من يفعل الخير فالرحمن يشكره ، وجعل جواب إن كما مر ، والوصية للوالدين مبتدأ وخبر استئناف للبيان أولى من ادعاء حذف الفاء ، والأولى غير هذين الوجهين ، فيعلق للوالدين بالوصية أو بكتب وإن خرجت إذا عن الشرط تعلقت بكتب ولم يقدر لها جواب ، وكان دليل جواب إن هو قوله { كتب } … إلخ . { إن تَركَ خيراً } أى مالاً كثيراً ، روى أن علياً كان له بعد أعتقه وأرد أن يوصى وله سبعمائة درهم فمنعه وقال قال الله تعالى { إن ترك خيراً } ، والخير هو المال الكثير ، وأراد رجل أن يوصى فسألته عائشة كم مالك ؟ فقال ثلاثة آلاف يعنى ثلاثة آلاف درهم . فقالت رضى الله عنها كم عيالك ؟ فقال أربعة . فقالت رضى الله عنها إنما قال الله تعالى { إن ترك خيراً } ، وإن هذا لشئ يسير فاتركه لعيالك . وأراد آخر الوصية وله عيال وأربعمائة دينار ، فقالت ما أرى فيه فضلا . وفى النيل قال ثلاثون ألف درهم . فقالت كم عيالك ؟ قال أربعة . قالت يسير فاتركه لعيالك ، وقيل الخير هنا ألف درهم فصاعدا ، وقيل سبعمائة درهم فصاعدا ، وقيل ستون دينار فصاعدا ، وقيل خمسمائة دينار فصاعدا ، وقيل الكثير الفاضل عن العيال كما يفيده كلام عائشة ، وتلك أقوال الجمهور ، ومنهم على كما مر قوله . وروى عنه أيضا أنه دخل على رجل من قومه يعوده فى مرضه ، فأراد أن يوصى فقال له على إنما قال تبارك وتعالى { إن ترك خيراً } وأنت مقل لا مال لك . وقال أصحابنا الخير المال القليل والكثير ، وهو قول الزهرى ، وتجب الوصية بحسب تلك الأقوال . فعندنا الآية منسوخة بآية الإرث إلا وصية الأقرب الذى ليس بوارث فغير منسوخة ، فتجب عندنا وصية الأقرب على من له مال قليل أو كثير ، وقال بعض قومنا نجب إن ترك كثيراً على الخلاف المذكور فى الكثير ، وقال جمهورهم نسخ وجوب وصية الأقرب ، وبقى ندبها على من ترك خيراً كثيرا . { الوَصيَّةُ للْوالِدينِ والأقْربينَ } ولكن يقول أوصيت لأقربى أو لأقاربى ، أو للأقرب إلى أو منى أو للأقارب منى وإلى نحو ذلك مما هو نص فى أن القرابة منتسبة إليه ، وإن قال للأقرب أو للأقارب جاز عندى للعلم بأن مراده قرابته ، قال فى الإيضاح وفى الأثر وقد اتفق علماؤنا رحمهم الله أن من قال قد أوصيت لقرابتى أنها وصية صحيحة ، وإذا قال للأقربين فعند بعض أنها ضعيفة انتهى . والآية أوجبت الوصية للأقربين ، فيتعمد الموصى اللفظ التى هو أقرب فى امتثال الآية . قال فى الإيضاح ولما بين الله عز وجل فى سورة النساء ميراث الولديْن كانت وصيتهما منسوخة ، وثبتت وصية الأقربين على حالها ، ومن مات ولم يوص بها فقد روى عن ابن عباس أى والضحاك بن مزاحم أنهُ قال من مات ولم يوص فقد ختم عمله بمعصية . وفى الأثر لا يقال ختم بمعصية إلا فيمن مات على كبيرة ، فالمنسوخ من الآية وصية الوالديْن ووصية الأقربين الذين يرثون ، وبقيت وصية الأقربين الذين لا يرثون ، وذلك قول ابن عباس والحسن البصرى وقتادة ، وزعم بعض عن ابن عباس والضحاك أنهما قالا إن الوصية للأقربين غير الوالدين واجبة ولو كانوا ورثة وهو خطأ فى الرواية ، وقال جمهور الصحابة والامة إن وصية الأقربين الذين لا يرثون منسوخة أيضا من حيث الوجوب ، فكانت مندوباً إليها وذلك قول الحجازيين والبصريين والكوفيين ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما والحسن ومسروق وطاووس وقتادة والضحاك ومسلم بن يسار أن وصية من لا يرث من الوالدين والأقربين باقية الوجوب ، ووصية من يرث منهم منسوخة الوجوب ، لأن النسخ بآية الإرث ، فمن لا يرث وحيث له فمن ترك والداً مشركاً أو أماً مشركة أو أقرب مشركا أوصى له ، لأن المشرك لا يرث الموحد ، وقيل لا تثبت الوصية لمشرك ، وكذا اختلف فى القتل هل يبطل الوصية إن كانت ويبطل وجوبها على من كان محتضراً به ؟ فقيل نعم كالإرث ، وقيل لا وكذا الوالد العبد والأم الأمة والأقرب الرق ، وقيل كانت الجاهلية يوصون للأبعدين طلبا للفخر والشرف والرياء ، ويتركون الأقربين فقراء ، فأوجب الله تعالى الوصية للأقربين ، ثم نسخت هذه الآية بآية المواريث ، وبما روى عن عمرو بن خارجة أنه قال " كنت آخذ بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ، فسمعته يقول " إن الله أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث " أخرجه النسائى والترمذى بنحوه ، قال الترمذى حديث حسن ، ورواه الربيع على شرطه حسنا صحيحا عن أبى عبيدة عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس رحمهم الله بلفظ " لا وصية لوارث " وتقدم الخلاف فى نسخ القرآن بالحديث صحح بعض أنه ينسخ به وإن لم يتواتر ، واختار الزمخشرى والقاضى أنه لا ينسخ بالحديث إلا إن تواتر إلا أن الزمخشرى قال نسخت الآية بالمواريث وبالحديث المذكور ، لأنه وإن كان للآحاد لكن تلقى الأمة له بالقبول يلحقه بالمتواتر ، لأنهم لا يتلقون بالقبول إلا الثبت الذى صحت روايته ، وقال القاضى تلقيه بالقبول لا يحلقه بالمتواتر فلا تنسخ الآية به ، وقال إن آية المواريث لا تعارض هذه الآية ، بل تؤكدها لدلالتها على تقديم الوصية مطلقا . وقال الشافعى هذا الحديث متواتر ، قال وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازى من قريش وغيرهم لا يختلفون عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال عام الفتح " لا وصية لوارث " ويؤثرونه عمن حفظوه عنه ممن لقوه من أهل العلم ، وكان نقل كافة عن كافة هو أقوى من نقل واحد ، والمشهور أن هذا الحديث غير متواتر وعليهِ الفخر الرازى ، ومشهور الشافعى أن القرآن لا ينسخ بالسنة وقال ابن حجر الحجة فى ذلك هى الإجماع على مقتضى هذا الحديث كما صرح به الشافعى وغيره ، فقد تقرر أن هذه الآية منسوخة بآية الإرث ، عند بعض وبها مع الحديث المذكور عن بعض ، وبما دل عليهِ الإجماع عند بعض ، وإن لم يتعين دليله ، وقيل إن هذه الآية غير منسوخة ، وإنهم كانوا مكلفين بالوصية فى هذه الآية لمن ذكر فى آية المواريث بمقدار الفريقضة التى علم الله قبل أن ينزل أية المواريث ، وبهذا قال ابن شريح وهو قول غريب ، وأنكر عليهِ إمام الحرمين إنكارا شديداً ، وقيل هذه الآية هى نفس آية الإرث لا نسخ فيها ، والمعنى كتب عليكم ما أوصى به الله من توريث الوالدين والأقربين من قوله { يوصيكم الله فى أولادكم } أو كتب على المحتضر أن يوصى للوالدين والأقربين بتوفير ما أوصى الله به لهم وألا ينقص من أنصبائهم ، وزعم بعضهم أيضاً أنها لم تنسخ وأن الوارث يجمع له بين الوصية والإرث بحكم الآيتين ، ويرده حديث " لا وصية لوارث " { بالمعْروفِ } بالعدل وهو ألا يزيد على الثلث ، ولا يفضل الغنى ، وكان من عادة الجاهلية تفضيل الغنى فى وصاياهم ، لأنهم يوصون للفخر فكانوا أيضا يجاوزون الثلث ، وكانوا يتركون الفقراء . { حقًّا على المتَّقِين } الله أى الخائفين ، أو المتقى الشرك أو على كاسبى الوقاية من النار ، ونصب حقاً على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله ، أى حق ذلك حقاً ، وهذا على توجيه الخطاب فى قوله { كتب عليكم } للمتقين فلا يزيد قوله { على المتَّقين } على قوله { عليكم } وحكم غير المتقين حكمهم لكن خصوا لمزيتهم بالتأثر بكلام الله وامتثالهم ، وإن كان الخطاب على العموم كما يتبادر ، فلا يكون حقا مصدراً لمؤكدا ، لأنه قدر راد بمتعلقه الذى هو على المتقين إن علق به ، وبنعته إن علق بمحذوف نعت له وأما ما قيل هنا من أن المصدر الذى لا ينحل إلى فعل وحرف مصدر لا يعمل فلا يصح ، لأن عمله فى المجرور والظرف جائز لأنه تكفيهما رائحة الفعل ، ويجوز أن يكون حقاً وصفاً لا مصدراً ، فهو نعت لمصدر محذوف ، أى كتب عليكم كتبا حقا أو الوصية للوالدين والأقربين أيصاء حقا ، لأن الوصية بمعنى الإيصاء ، وأجاز بعض أن يكون حالا من مصدر محذوف معرف ، أى كتب عليكم الوصية للوالدين والأقربين الكتب حقا ، أو الوصية للوالدين والأقربين الإيصاء حقا ، ويجوز أن يكون حقا حالا من المعروف ، أى بالمعروف حال كونه حقا على المتقين ، وذلك المعروف الذى هو حق ما تقدم من العدل للفقير والغنى ، وعدم مجاوزة الثلث . روى البخارى ومسلم عن سعد ابن أبى وقاص قال " جاءنى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يعودنى عام حجدة ا لوداع من وجع اشتد بى ، فقلت يا رسول الله إنه قد بلغ بى من الوجع ما ترى ، وأنا ذو مال ولا يرثنى إلا ابنة لى فأتصدق بثلثى مالى ؟ قال لا . قلت فالشطر يا رسول الله ، لا . قلت فالثلث . قال " الثلث والثلث كثير ، وقال " الثلث خير كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " أى يطلبونهم بأكفتهم والعالة الفقراء ، وكذا رواه الربيع عن أبى عبيدة عن جابر بن زيد ، عن سعد بن أبى وقاص بلاغا ، وزاد " وإنك لن تنفق نفقة تريد بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل فى إمرأتك ، فقال يا رسول الله أتخلف بعد أصحابى . فقال " إنك إن تخلفت فتعمل عملا صالحا إلا ازددت به درجة ورفعة ، ولعلك إن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون اللهم امض لأصحابى هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم " ولكن اليائس الفقير سعد بن خلوة يربى لهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مات بمكة ، قال الربيع معنى ينتفع بك إلى آخره ، أنهُ لما أمر سعد على العراق قتل قوما على الردة فصبرهم ، واستتاب آخرين فتابوا وانتفعوا ، وكانوا مع مسيلمة يسجعون سجعه ، والصبر القتل بعد القبض عليه . ومعنى قولُ فى سعد بن خولة أنهُ لما هاجر الناس من مكة إلى المدينة أبى أن يهاجر فمات فترك فرض الله فى الهجرة ، ومن ترك الفرض فهو فاسق ضال . وروى البخارى ومسلم عن أبن عباس فى الوصية لو أن الناس أعطوا من الثلث إلى الربع فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال لسعد " والثلث كثير " وقال على ، لأن أوصى بالخمس أحب إلى من أن أوصى بالربع ، وأن أوصى بالربع خير من أو أوصى بالثلث ، فمن أوصى بالثلث فلم يترك ، وقيل يوصى بالسدس والخمس أو الربع ، الجواز بالثلث لحديث " إن الله جل جلاله تفضل على هذه الأمة بثلث أموالهم بعد موتهم ، وبالصلاة على موتاهم " وعن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران فى الوصية فتجب لهما النار " ثم قال أبو هريرة { من بعد وصية يوصى بها أو دين } ، إلى قوله { ذلك الفوز العظيم } أخرجه أبو داود والترمذى والمضارة فى الوصية ألا يعدل فيها وأن يحيف أو يركن أو يكذب فيها ، بأن يقول مثلا أقررت لهُ بكذا من أجل ماله أو دمه ، ولبس كذلك ليثبت الوصية للوارث ، أو ليثبت لغيره أكثر من الثلث ، وعن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما حق امرئ له شئ يوصى فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " وفى رواية " له شئ يريد أن يوصى فيه " وفى رواية " ثلاث ليال " وفى رواية " عند رأسه " . قال أبو عبيدة عن جابر عن أبى سعيد الخدرى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل لامرئ مسلم له شئ يوصى أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه " وأكثر الروايات ليلتين ، وفى رواية ليلة أو ليلتين ، واختلاف الرواية دال على أنه للتقريب لا للتحديد ، والمعنى لا يمضى عليه ولو ساعة ، قيل فى ذكر الثلاث تلويح بأنه قد سومح إلى الثلاث ، فلا ينبغى أن يتجاوزها . قال نافع سمعت عبدالله بن عمر يقول ما مرت على ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا ووصيتى مكتوبة عندى ، وذلك حث على الوجوب والعجلة إذ لا يدرى متى يأتيه الأجل .