Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 184-184)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أياماً مَعْدُودَاتٍ } أى أياما قليلة ، فإن من شأن القليل فى الجملة العد ، والكثير يجازف به مجازفة ، ونكتة ذكر ذلك تسهيل الصوم عليهم بأنه قليل ، واستشعار حضور انقضائه ، ما لكم لا تصومون وهو قليل . والنصب على الظرفية بمحذوف أى صوموا أياماً معدودات ، دلّ عليه لفظ الصيام ، وقيل مفعول لصوموا محذوفا ، ولا ينصب بالصيام للفصل بينهما ، وإعمال المصدر المقرون بأل فى الظرف والمجرور جائز ، وإنما اختلف فى إماله فى الفاعل والنائب والمفعول به . والمراد بالأيام المعدودات شهر رمضان ، أو ما وجب صومه قبل نزول فرض رمضان ، ثم نسخ برمضان ، وهو عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر . قال ابن عباس رضى الله عنهما أول ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة ، ثم الصوم ، وروى البخارى ومسلم عن عائشة قال " ان يوم عاشوراء تصومه قريش فى الجاهلية ، وكان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يصومه فى الجاهلية ، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان ترك عاشوراء ، فمن شاء صامه ومن شاء تركه " ، وبهذه الألفاظ رواه الربيع عن أبى عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة ، إلا أنهُ قال كان يوم عاشوراء يوما تصومه إلخ ، وقال فلما قدم المدينة وزاد بعد قوله ومن شاء تركه ، ولكن فى صيامه ثواب عظيم ، وقيل المراد بالصيام صيام عاشوراء والأيام الثلاثة ، وبقوله { أياماً معْدُوداتٍ } شهر رمضان ناسخ للصيام المذكور ، والصحيح أن المراد بالصيام والأيام جميعا هو رمضان فلا نسخ هنا ، وإذا قيل المراد بالصيام والأيام هو عاشوراء والأيام الثلاثة ، فالناسخ ما يذكر بعد ذلك من رمضان ، ولا يصح تعليق { أياما } بكُتِب الأول ولا الثانى ، لأن الكتب فى الأزل ، وإن اعتبرنا كتبا آخر مطابقا لكتب الأول واقعا فهو أيضاً قبل تلك الأيام المعدودة ، فليست الأيام المعدودة ظرفا للكتب ، بل ظرف للصوم المكتوب ، ولا يصح أن يكون { أياما } مفعولا ثانيا لكتب الأول ولا الثانى ، على الموسع بالتشبيه بالمفعول به ، لما ذكرت لك أن الأيام ليست ظرفا للكَتْب ، وقيل { أياما } تمييز والمعنى صومكم كصومهم فى عدد الأيام ، كما قال صاحب الوضع رحمهُ الله على الذين من قبلكم ، يعنى النصارى ، وذكر أن النصارى فُرِض عليهم صوم شهر رمضان فشق عليهم صيامه ، لأنهُ ربما أتاهم فى الحر الشديد ويضرهم فى أسفارهم وطلب معايشهم ، فاجتمع رأى رؤسائهم وعلمائهم على أن يجعلوا صومهم فى فصل من السنة بين الشتاء والصيف ، وزاد فيه عشرة أيام كفارة لما صنعوا ، فصار أربعين يوما ، ثم إن ملكهم اشتكى بفمه فنذر لله إن هو برئ من مرضه أن يزيد فى صومهم أسبوعا ، فلما برئ من مرضه زاد فى صومهم أسبوعا ، فمات ذلك الملك ، فوليهم ملك آخر فقال لهم أتموه خمسين يوما ، فصاروا يصومون خمسين يوما . انتهى كلام الوضع . وصاموه قبل ذلك ما شاء الله كما أمرهم الله بعدده وفى وقته ، وأيضا ربما يقع فى البرد الشديد فيشتد عليكم كما يشتد فى الحر الشديد ، وجعلوه فى الربيع وهو ما بين الصيف والشتاء ، وقيل لما وليهم الملك الآخر قال ما بال هذه الأيام الثلاثة ؟ أتموه خمسين ، فزادوا الثلاثة ، فكان خمسين . وقيل أصاب الموت حيوانهم ، فقالوا زيدوا فى صيامكم فزادوا عشراً قبل رمضان ، وعشرا بعده . وقيل إن النصارى فرض عليهم صوم رمضان فصاموا قبله يوما وبعده يوماً ، ثم لم يزالوا يزيدونه يوما بعد يوم حتى بلغ خمسين ، فلذلك نهى عن صومه يوم الشك . وروى أنهُ كتب عليهم رمضان ، فوقع فى برد أو حر شديد فحولوه إلى الربيع ، فزادوا عليه عشرين كفارة لتحويله . وعن الحسن كتب على النصارى صيام رمضان فصاموه زمانا ، فصار أحيانا يكون فى الحر الشديد ، فوضعوه فى زمان لا يكون فبه حر فصاموا ذلك زماناً ، ثم قالوا لنزيدن فى صيامنا لما حولناه ، فزادوا فيه عشرة أيام فصاموا كذلك زماناً ، ثم اشتكى ملكهم فنذر إن عافاه الله أن يزيد سبعة ، فعافاه الله فزادها ، فصاموا كذلك زماناً ، ثم استخلف آخر فقال ما بال هذه الثلاثة فأتمها خمسين ، وقيل سألهم عن بدءِ أمرهم فأخبروه فقال أتموه خمسين . وهذه الأخبار كلها تدل أن الأمم شاركتنا فى رمضان . ذكر ابن أبى حاتم عن ابن عمر رفعه صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم . وفى إسناده مجهول . { فمَنْ كانَ مِنْكمْ مَرِيضاً } حين حضور تلك الأيام المعدودة مرضا يتأخر برؤه بالصوم ، أو يزيد مرضاً به ، أو يشق معهُ ، أو كان لا يأكل أو يشرب ما يصل به الليل ، هذا ما عندى ، وقيل يفطر إن كان لا يشتهى طعاماً ، وكلامى متضمن لهُ فمن إن صام حُم أو اشتد وجع عينيه وقد وجعت ، أو يحدث مرض لم يكن أو نحو ذلك ، أفطر كما علمت من كلامى وهذا قولنا وقول أكثر الأمة . ومالك والشافعى قالا إذا جهده الصوم أفطر وإلا فهو كالصحيح ، وقيل إن المريض لا يفطر إلا إن كان ما يقع بالصوم فى مشقة عظيمة حملا للمرض على المرض الكامل ، وقال ابن سيرين والحسن وأهل الظاهر إن كل ما يطلق عليهِ اسم المرض يفطر به ، إن شاء ولو قل ، وإن شاء صام ، وما عظم يتضرر بالصوم معه أفطر به ، ولا بد وذلك حمل للمرض على أدنى ما يسمى مرضا ، كما أن لكل مسافر أن يفطر ، كذلك لكل مريض . وسئل مالك عن الرجل يصيبه الرمد الشديد أو الصداع المضر وليس به مرض يضجعه ؟ فقال إنهُ فى سعة من الإفطار ، وقائل هو المرض الذى يعسر معهُ الصوم ويزيد فيه لقوله تعالى { يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ } وعن الشافعى لا يفطر حتى يجهده الجهد غير المحتمل . { أوْ عَلَى سَفَر } بعيد أو قريب فيه مشقة أو لا مشقة فيه دام على السير ، أو مكث فى بلدة ولم يتخذها وطناً ، وذلك بمجاوزة فرسخين ، ونية الإفطار من الليل بعد مجاوزتهما ، وقال قومنا يجوز له الإفطار إذا حصل على حد السفر المبيح للإفطار ولو نهاراً ، نوى من الليل أو لم ينو ، والمستحب عندى أن يصوم اللابث فى بلدة بلدة توحيد أو شرك ، ولو كان لا يقصر ما لم يتخذها وطنا إذا حل اتخاذها ، لأن التقصير جزم على الصحيح والإفطار على الاختيار لا جزم ، وقد علمن أن السفر المبيح للإفطار هو الذى ليس معصية ، وزعم شاذ من قومنا أنه يبيح الإفطار لمن سافر فى معصية ، ومعصيته شئ آخر ويرده أن الإفطار أبيح إعانة على المباح كتجارة وعلى العبادة كحج ، وطلب علم . وزعم بعض قومنا أنه لا يباح الإفطار لمباح ، بل لعبادة . وأجاز بعض أصحابنا الإفطار بنية نم الليل مجاوزة فرسخين . وأجازه بعضهم قبل مجاوزتهما ، إن كان ثلاثة أيام فصاعدا إن نوى من الليل ، ومن كان فى سفر أو حضر صائماً فاضطر للإفطار أفطر فى حينه ، ولا شئ عليه إجماعاً ، وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز الإفطار فى غير الضرورة لمسافر إلا إن سار ثلاثة أيام . وقال الشافعى ، وأحمد أقل السفر المبيح للإفطار ستة عشر فرسخا ، يومان . وعن مالك ثمانية وأربعون ميلا . وقال الأوزاعى يوم . وقال داود الظاهرى يباح لسفر ولو فرسخا أو أقل . والصحيح فرسخان لأنهُ صلى الله عليهِ وسلمَ بين لهم ميقات الإفطار والصوم بمقدارهما من المدينة ، ثم رجع وسافر يوما وأفطر بعد مجاوزتهما ، ولم يقيد لهم بأن ذلك لبعد السفر ، وقد يستدل به مجيزوا الإفطار ولو بلا نية من الليل لمن سافر ، لأنهم أفطروا ولم ينووا إلا إن كان ذلك ليتقوى على العدو . وقال بعض أصحابنا لا يجوز الإفطار إلا إذا جاوز ثلاثة أيام ، وقيل إذا خرج من الحوزة . وقال أهل نفوسة لا يفطر حتى يجاوز الحوزة ويسير ثلاثة أيام ، وإن كان فى طرف الحوزة أفطر بعد أن يجاوز فرسخين ، وإن أفطر بعد مجاوزتهما ، وقبل مجاوزتهما نهر ، ولم يبر منه إلا إن سافر سفرا بعيداً فلا ينهر ، وصحح كثير منا أنه لا يفطر إلا إذا بلغ السفر النائى وهو ثلاثة أيام أو مجاوزة الحوزة ، وزعم قوم أن من استهل عليه شهر رمضان لم يجز له الإفطار ولو سافر لقوله تعالى { فَمَنْ شَهِد مِنْكُمُ الشَّهرَ فَلْيصُمْه } والأكثر على جواز الإفطار له إن سافر ، كما يجوز له إن استهل عليه وهو مسافر ، ويرد عليهِ بأنه مخصوص بقوله { فمَنْ كانَ مِنْكُم مَرِيضاً أو على سَفَر } ، وقوله { ومَنْ كانَ مَريضاً أو على سَفر } وهما كالاستثناء منه ، بل قال ابن عمر بنسخه قوله { فمَنْ كانَ منكُم مَريضاً أو عَلى سَفرٍ } ، ورد أيضاً بما رواه الربيع عن أبى عبيدة عن جابر بن زيد مرسلا ، قال " خرج النبى ، صلى الله عليه وسلم ، إلى مكة عام الفتح فى رمضان فصام حتى بلغ الكديد فأفطر فأفطر الناس معه ، وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر النبى ، صلى الله عليه وسلم ، فأفطر فأفطروا ، وقد شهدوا شهر رمضان فى الحضر " ، وهذا الحديث يدل على جواز الإفطار ولو بلا نية من الليل ، لأنهم أفطروا ولم ينووا ، كذا رواء البخارى ومسلم بذلك اللفظ بعينه ، لكنهما روياه متصل الإسناد إلى ابن عباس ، والاتصال أقوى . اللهم إلا أن يقال هذا الإفطار تقوية على العدو وهو جائز بلا نية من الليل ، كما صرحه فى رواية الربيع ، عن أبى عبيدة ، عن جابر بن زيد قال سمعت جملة من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقولون " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عام الفتح فى رمضان ، فأمر الناس أن يفطروا ، قال تقووا لعدوكم ، فصام هو ولم يفطر ، ولقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب الماء على رأسه من شدة الحر من العطش فقيل له يا رسول الله إن الناس صاموا حين صمت ، فلما بلغ الكديد دعا بقدح من ماء فشرب فأفطر الناس معه " وظاهر قولى إن الناس صاموا وقوله فأفطر الناس معه أنهم لم يفطروا حين أمرهم بالإفطار ، وكذا ظاهر الحديث السابق فصام حتى بلغ الكديد فأفطر حتى أفطروا ، وصاموا لما رأوه صام ، وقد يدل قوله فصام هو بذكر بعض هو على أن بعضاً أفطر لكنه قليل بدليل قوله إن الناس صاموا هذا ما ظهر لى ، وقال سيدى أبو عبد الله محمد بن عمرو بن أبى ستة رحمه الله أفطر غالبهم وصام هو وجماعة حتى بلغ الكديد فأفطروا معاً . وروى مالك فى موطئه عن رجل من الصحابة " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج فى الحر وهو يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش ومن الحر ، ثم لما بلغ الكديد أفطر " ، وإذا كان هذا الإفطار للتقوى على العدو ولم يكن فيه رد على أشتراط أصحابنا نية الإفطار فى السفر من الليل لنا عموم قوله تعالى { ولا تُبطلُوا أعمْالكُم } فإن من أصبح صائما ثم أفطر بلا حدوث مرض ولا مضرة ولا تقوى على العدو مبطل لعمله الذى هو صوم ما مضى من ذلك اليوم فى السفر ، كما يفطر أو يغمى من قطع الصلاة عمدا بلا عذر ولا شبهة ، لكن أمر الإفطار أهون من قطعها لجوازه فى السفر فى الجملة ، ولنا أيضاً قوله { أو على سفر } ، فإنه يدل على أن من سافر فى أثناء اليوم لا يفطر ، وتلك الأحاديث كلها إذا حملنا الإفطار فيها على إرادة التقوى لم يكن فيها دليل على جواز الإفطار فى السفر بعد الصوم فيه ، لأن الإفطار للتقوى جائز ولو فى الحضر بلا نية من الليل إذا حضر أمر العدو أو ترجح حضوره ، وذلك فى القتال الذى هو عبادة لا قتال المعصية . وقد قال بعض أصحابنا لا يجوز الإفطار فى السفر إن تقدم فيه صوم وهو المختار عندهم ، وأنهُ إن أفطر انهدم ما صام فى السفر وليس كذلك لأن الله جل وعلا أباح لنا الإفطار بلا شرط عدم تقدم صوم وهو الصحيح ، وإن أفطر ثم صام ثم أفطر فسد عند جمهورنا ما صام بين الفطرين ، وقيل لا يفسد . ووجه القوم بالإفساد أنهُ لما صام بعد الإفطار كان أخذاً بحكم الحضور وهو مسافر فلم يجز له الإفطار ، فإفطاره مبطل لصومه ، ولا يقال لم لا يلزمه الإفطار إذا أفطر ، لأنا نقول حكم الإفطار تسهيل اختار إجماعا فله انتقال عنه بأى حال ، ووجه القول بأنهُ إذا صام ثم أفطر فسد صومه ، ولو لم يتقدمه إفطار فى السفر أنهُ جاز لهُ الإفطار والصوم ، فأياً منهما التزم لزمه ، ويرده أنهُ لا يجب عليه التزام الإفطار ، وأنهُ أباح الله ، جل وعلا ، الإفطار بلا شرط عدم تقدم الصوم ، فالحجة فى الآية لا فى قوله يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمره ، بحمله على أنهم كانوا لا يعرفون الإفطار بعد الصوم فى السفر ، لأن هذا الإفطار للتقوى ، والكديد موضع بين عسفان وقديد ، بينه وبين مكة مرحلتان ، وذلك ثمانية وأربعون ميلا ، وأجاز قومنا للمسافر أن يفطر ويصوم ، ويفطر ويصوم ، وهكذا كل ما شاء ، ويحكمون لهُ بصحة صومه ولا عيب ولا كراهية على من أفطر فى السفر ، روى الربيع ، عن أبى عبيدة ، عن جابر بن زيد ، عن أنس بن مالك قال " سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يصب الصائم من المفطر ، ولا المفطر من الصائم " ، وبهذا اللفظ نفسه عينه رواه البخارى ومسلم بلا سندهما عن أنس ، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور ، ونعبر عن ذلك بأن الإفطار مباح والصوم جائز ، قالت طائفة هما سواء ، وقال الشافعى الصوم أفضل وأفضل الأمرين أيسرهما ، يريد الله بكم اليسر ، وما خير - صلى الله عليه وسلم - إلا اختار أيسر الأمرين ، . وقال أبو هريرة ، وبعض الظاهرية ، إنهُ لا يجوز الصوم فى السفر ، ومن صام فعليه القضاء ، وكذا المرض ، وزعم بعض أنه مذهب لابن عباس لقوله صلى الله عليه وسلم " ليس من البر الصيام فى السفر " ، ولما روى البخارى ومسلم عن جابر بن عبد الله ، " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى سفر فرأى زحاماً ورجلا قد ظلل عليه ، فقال ما هذا ؟ قالوا صائم . قال " ليس من البر الصيام فى السفر " ويرد ذلك ظاهر القرآن ، وصومه ، صلى الله عليه وسلم ، فى سفره المذكور ، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - ليس من البر الصيام فى السفر فإنما قاله ردا على سائل توهم أن الصوم فيه أرجح ، فإن البر يطلق فى الغالب على العبادة التى لها مزية وأما قوله عند الرجل المظلل عليه " ليس من البر الصيام فى السفر " فمعناه لا خير فى الصوم إذا كان يؤدى إلى الهلاك ، أو ليس من البر الذى يلتزم ، ولو أدى إلى الهلاك ، والظاهر أن من وجد قوة فصام فحسن ، ومن وجد ضعفاً فأفطر فحسن ، وكان ابن عباس رضى الله عنهما يقول لقصة إفطاره - صلى الله عليه وسلم - فى كديد عام الفتح قد صام رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وأفطر ، فمن شاء صام ومن شاء أفطر ، وهذا الكلام من ابن عباس يدل على جواز الإفطار ولو بلا نيّة ، لأنه ولو ذكر التقوى فى الحديث لكن لم يعتبره ابن عباس قيدا ، بل كأنه فهم الحديث على معنى الأمر بالإفطار المباح المطلق ، ولو بلا تقوى ، واختاره للتقوى وعلى هذا ففى الحديث أيضاً دليل على جواز الإفطار بعد الصوم فى السفر . قال الشيخ هود رحمه الله حدثنا عن الثقة من أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو أبو سعيد الخدرى أنهُ قال خرجنا مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، من طيبة إلى خيبر لاثنتى عشرة ليلة بقيت من رمضان ، فصام طوائف من الناس ، وأفطر طوائف علم يعب بعضهم على بعض ، ذكروا عن على بن أبى طالب من خرج فى رمضان فإن الصوم عليه واجب بصومه فى السفر . والعامة على أنه إن شاء صام وإن شاء أفطر . و " سأل حمزة الأسلمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصوم فى السفر فقال " إن شئت فصم وإن شئت أفطرت " . { فَعِدَّةٌ مِنْ أيامٍ أُخَرَ } أى فعليه عدة من أيام أخر ، أو فالواجب عدة من أيام أخر ، ويقدر محذوف ، ولا بد لأن مطلق الكون مريضا أو على سفر لا يوجب عدة أيام أخر ، وتقديره فمن كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر فحذف العاطف والمعطوف ، أو تقديره { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } إن أفطر ، أو تقديره { فمن كان منكم مريضا أو على سفر } فإن أفطر فعدة ، ولما حذف الشرط وأداته اجتمعت الفاءان فحذفت الثانية ، لأن التكرار حصل بها ، وعلى هذا فالفاء فى عدة داخلة على إن فى جواب من ، لا على جواب من ، وفى كلام بعض النحاة ما يدل على جواز تقدير إن بلا فاء تنزيلا لها ولشرطها منزلة التقييد بالحال ، فيكون قوله { فعدة من أيام أخر } جواب من ، والحذف فى ذلك بأوجهه سيما فحوى الخطاب ، ويقدر مضاف ومضاف إليه أيضا ، أى فصوم عدة أيام مرض أو سفر أخر ، وقرئ فعدة بالنصب أى فليصم عدة ، وقرأ أبى بن كعب { فعدة من أيام أخر متتابعات } وهذا التتابع واجب على الصحيح ، كما نصت عليه قراءة أبى ، ويدل له أنها بدل أيام يجب تتابعها ، وهو قولنا ، وقول على وابن عمر والشعبى وغيرهم ، وقال جمهور قومنا إن التتابع فى القضاء مستحب لا واجب . وقال أبو عبيدة ابن الجراح رضى الله عنه إن الله لم يرخص لكم فى فطره ، وهو يريد أن يشق عليكم فى قضائه ، إن شيئت فواتر ، وإن شيئت ففرق . والصحيح أن القضاء متواتر إلى قدره المتصل بالموت ، وقيل إلى قدره المتصل برمضان الآخر ، وقيل لا يجوز تأخيره عن وقت الإمكان ، وزوال العلة التى تبيح الإفطار ، ووجه التراخى خروج الوقت . فالأوقات إليه سواءَ ، والقياس على سائر الديوان كالكفارات ، وعن عائشة رضى الله عنها يكون على الصوم من رمضان ، فما أستطيع أن أقضى إلا فى شعبان للشغل بالنبى ، صلى الله عليه وسلم ، رواه البخارى ومسلم ، وزعم بعض أنهُ لا يجب القضاء ، بل مستحب من مرض أو سفر ، وإن قلت الآية لا تشمل فطر يوم أو يومين لأنه قال { مِنْ } أيامٍ قلت بل تشمل ذلك ، لأن قوله { مِنْ أيامٍ أُخرَ } ليس بياناً للعدة ، بل تبعيض أو ابتداء ، أى فعليه عدة ما أفطر يصومها من الأيام الأخر ، وإن قلت من أين تعلم أن المراد عدة ما أفطر ؟ قلت معلوم أن المراد عدة ما أفطر ، سواء أفطر الكل أو البعض ، فإن العدة بمعنى المعدود ، وقد أمر بأن يصوم أياماً معدودات ، ولما قال { فعدَّة } علمنا أن المراد عدتها أو عدة بعضها بحسب الإفطار ، فإنها معدودة ، وبعضها معدود ، ولا يؤثر عدد على عددها ، فإن ذلك قضاء وبدل وهو كسائر الفرائض إذا لم تؤد فى وقتها قضيت بعد وقتها بحسابها فى وقتها . { وعلَى الّذين يُطِيقونَهُ } أى يستطيعون الصيام وقرأ ابن عباس يطيقونه بضم الياء وفتح الطاء والواو المشددة فى رواية عطا عنه سماعا منه ، إما من الطوق بمعنى الطاقة ، أى يُضَيَّرهم الله ذوى طاقة على الصيام ، وإما من الطوق بمعنى ما يجعل طوقا فى العنق مثلا كالقلادة ، أى يصيرهم الله مكلفين به لا زمالهم طائفا بهم باللزوم طواف الطوق على العنق وروى عنه أنهُ قرأ يتطوقه بفتح الياء والتاء والطاء والواو المشددة من الطوق بمعنى الطاقة ، أى يطاوعون فى التصيير ذوى طاقة ، أى يقدرهم الله فيكونوا قادرين ، أو بمعنى الطوق ، أى ألزمهم الله فيطاوعون فى الإلزام بمعنى أنهم خلقهم بحال تقبل التكليف به ، وعنه يطوقونه بذلك الضبط كله والمعنيين ، إلا أنهُ أبدل التاء طاء وأدغمها فى الطاء ، وبه قرأ مجاهد عن ابن عباس ، وعنه يطيقونه بضم الياء وفتح الطاء والياء المشددة بعدها من طيوق بوزن فيعل من الطاقة ، أو من الطوق ويطيقونه بفتح الياء والطاء والياء المشدودتين بوزن تفعيل من الطوق أو الطاقة قلبت فيهما الواو ياء وأدغمت الياء فيها إذا كانا من الطوق ، والمعنى كقراءة الجمهور فى ذلك ، وتحتمل هذه القراءة العلاج ، أى يكلفونه أو يتكلفونه على عسروهم الشيوخ والعجائز ، ويحتمل قراءة الجمهور ، وهذه القراءات كلهن معنى يصومونه على مبلغ طاقتهم فلا نسخ ، إذ المعنى وعلى الذين صومهم هو طاقتهم المؤدية إلى فوت أو مضرة لكبر أو علة . { فِدْيةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ } إضافة فدية لطعام بيانيّة ، أو فدية هى طعام مسكين ، وطعام بمعنى إطعام ، وإضافته لمسكين إضافة اسم مصدر لمفعوله ، والفدية فى ذلك على المعنى المصدر ، ويجوز أن تكون بمعنى ما به الفداء وهو الطعام ، والإضافة كذلك بيانية ، والطعام بمعنى أكل ، فليس اسم مصدر وإضافته بمعنى اللام على الملابسة ، وذلك قراءة نافع وابن عامر من طريق ابن ذكوان ، وقرأ الباقون بتنوين فدية ، ورفع طعام على الإبدال من فدية ، وإفراد مسكين ما خلا هشاماً فإنه جمع ، ذكره الحافظ أبو عمر والدانى ، وفدية طعام مساكين ما يأكل الإنسان المسكين لعدم بلوغه ، أو كونه مسافرا أو غير مكلف بالصوم ، أو لكونه امرأة حائضا أو نفساء غداء وعشاء أو فطوراً وسحوراً إن كان صائما وإن كال فالمد لكل مسكين ، وذلك يوم أفطررا فيه ، والمد قول الحجازيين ، وبالعشاء والسحور فسر ابن عباس الآية اختار الإطعام على الكيل ، لأن المفطر طعم واختار إطعام الصائم ليكون كالبدل من المفطر . قال الكوفيون والبصريون نصف صاع من بر أو صاع من غيره ، وذلك أنهم لم يتعودوا الصوم أول الإسلام ، فرخص الله جل وعلا لهم أن يفطروا ويقدوا بطعام المسكين لكل يوم أفطروه ، ثم نسخ ذلك بقوله { فَمَن شَهدَ مِنكُم الشَّهر فليْصُمه } فلزم الصوم كل من طاق ، وهذا قول عمر بن الخطاب ، وسلمة بن الأكوع وغيرهما ، قال البخارى ومسلم عن سلمة بن الأكوع لما نزلت هذه الآية { وعلىَ الَّذين يُطيقونُه فِدْيةٌ طعامُ مِسْكين } كان من أراد أن يفطر ويفتدى ، حتى نزلت الآية بعدها فنسختها ، وفى رواية حتى نزلت هذه الآية { فَمنْ شَهِد منكُم الشَّهر فليْصُمه } وكذا قال ابن عمر وابن عباس فى رواية عنه قال إلا الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على الولد فإنها باقية بلا نسخ فى حفظهما ، وعن ابن عباس لا نسخ فى الآية ، ولكن المعنى وعلى الذين يطيقونه فى حال الشباب ، ثم عجزوا عنهُ عند الكبر ، فيطعمون مكان كل يوم مسكيناً ، وكذا من كان يطيقه ثم لم يطقه ، وهو لم يتم فإنه ينتقل فيه إلى الإفطار والإطعام ، ويقول ابن عباس قال قوم وقيل وعلى الذين يطيقونه فى السفر والمرض فدية طعام مسكين ، ثم نسخ الإطعام . ولا فدية الآن على مسافر أو مريض أو حائض أو نفساء إن أفطروا إلا مرض لا يرجى برؤه ، أو بلغ رمضان آخر ولم يقضوه مع الإمكان ، وزوال العلل ، وقيل تلزم المريض ولو رجا ولزمت العجوز والكبير الذين لا يطيقونه ، وقيل لا . ولزمتهما إن أطاقاه بمشقة ولزم الحامل والمرضع عند الشافعى لا عند أهل الرأى ، وقال قتادة خاص فى حق الشيخ الكبير الذى يطيق الصوم ولكن يشق عليهِ رخص له أن يفطر ويفدى ، ثم نسخ الفداء وهو الإطعام ، وقال الحسن ذلك المريض الذى يقع عليهِ اسم المرض وهو يستطيع الصوم ، خير بين الصوم وبين الإفطار فيفتدى ، ثم نسخ الفداء ، واختلف أصحابنا فى لزوم الفداء للشيخ الكبير الذى حل لهُ الإفطار ، والمشهور اللزوم ، وقيل الأصل وعلى الذين لا يطيقونهُ فدية طعام مساكين ، فحذفت لا النافية أى لا يطيقونه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه ، قلت يغنى عن تقدير لا النافية تفسير يطيقونهُ بمعنى يبلغون بصومها غاية طاقتهم الموصلة إلى مضرتهم ، أو مشقة عظيمة فيفطرون ويطعمون ، وذلك لأن حذف لا النافية مطرد فى جواب القسم الذى هو مضارع ولا قسم هنا ، وعلى تلك الأوجه كلها يقدر محذوف به يتم الكلام ، أى وعلى الذين يطيقونُه فأفطروا فدية طعام مساكين ، أو على الذين يطيقونُه فدية طعام مساكين إن أفطروا * { فَمنْ تَطوَّعَ خَيراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ } أى من عالج طاعة بزيادة خير ، وهى أن يزيد فى الفدية على القدر الواجب عليهِ مثل أن يطعم مسكينا أو ثلاثة أو أكثر لكل يوم ، أو يكيل لكل مسكين أكثر مما لزمه ، ثم رأيت الوجهين تفسيرا للعلماء والحمد لله ، فعن ابن عباس المراد من إطعام مسكينين فصاعدا عن يوم ، وقال مجاهد من زاد فى الإطعام على المد ، وفيه قول ثالث لابن شهاب هو أن المراد من أراد الإطعام مع الصوم وهو حسن ، ويحتمل وجها رابعا هو أن المراد مطلق النفل فى أبواب العبادات هذا النوع وغيره ، والجبر الأول بمعنى النفى وهو ضد السوء ، والثانى يحتمل ذلك ومحتمل التفضيل على الاقتصار على الواجب ، والثالث الآتى اسم تفضيل ، وقرئ فمن يطوع بتشديد الطاء والواو المفتوحتين ، وإسكان العين أصله متطوع بإسكان التاء وإبدالها طاء وإدغامها فى الطاء ، وهو عائد إلى الخير ، أى ومن تطوع خيرا فذلك الخير خير له ، أو عائد إلى التطوع المفهوم من تطوع * { وأَنْ تَصُومَوا } يا معشر المطيقين أو المطوقين ، أو يا معشر من رخص لهُ فى الإفطار وقد أطاق الصوم كالمسافرين والمرضى والكبار المستطيعين * { خَيرٌ لكُم } من الإفطار والفدية ، أو من تطوع الخير أو من الفدية ، وتطع الخير وتأخير القضاء . { إنْ كُنْتُم تَعلمُونَ } ما فى الصوم من المسارعة إلى العبادة ، وبراءة الذمة والحض عليهِ ، وثواب تحمل المشقة ، ويجوز أن يكون الخطاب فى ذلك كله لمن يتحتم عليه الصوم ، ومن يجوز لهُ أى الصوم خير لكم من الإفطار الذى تستحسنه النفوس وترغب فيه فى حق من حلله ، وفى حق من لم يحل لهُ وإنما ساغ التفضيل مع أنهُ لا ثواب فى مجرد الإفطار ، بل هو معصية إذا تحتم الصوم ، لأن فيه نفعا وحسنا باعتبار رغبة النفس ، وأن تصوموا مبتدأ فى تأويل صومكم ، وقد قرأ أبى والصيام خير لكم إن كنتم تعلمون ، وجواب إن محذوف تقديره فهو خير لكم ، دل عليه ما قبله ، لكن هذا من باب نيابة العلة عن الجواب ، أى إن كنتم تعلمون ذلك صمتم ، لأنه خير لكم ، وكذا فى نظائره عندى مما مر من الآيات ، وما يأتى إذا كان مضمون دليل الجواب ثابتا ثبت مضمون الشرط أو لم يثبت ، ويجوز أن يقدر إن كنتم تعلمون صمتم أو اخترتم الصوم ، وقيل إن كنتم من أهل العلم والتدبر علمتم أن الصوم خير من ذلك ، ولا يخفى فضل فرض الصوم ، وأما النفل بالصوم ، فإنه عظيم جداً ، ولو قيل إنه أدنى العبادات ، لأنه يجر إلى باقى العبادات ويرغب فيها ، ويزجر النفس عن المعاصى للجوع والعطش ، قال سهل بن سعيد الساعدى عن النبى ، صلى الله عليه وسلم " من صام يوما تطوعا لم يطلع عليه أحد لم يوض لله له الثواب دون الجنة " ومثله عن أبى هريرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال ابن عبد البر فى بهجة المجالس قال أبو العالية الصائم فى عبادة ما لم يغتب . قال البلالى الشافعى فى اختصار إحياء الغزالى والسبكى فى شرح ذلك المختصر إن الغيبة تمنع ثواب الصوم إجماعا ، وزعم البلالى المذكور أن فيه نظر المشقة الاحتراز ، وكأنه عد فى الغيبة الناقضة ما يعده الغزالى غيبة ، ولو كان أمره سهلا ، ولذلك نظر فيه وقال وإن أكثر لها توجه الإجماع على إبطال صومه ، روى الربيع بن حبيب ، عن أبى عبيدة ، عن جابر بن زيد ، عن أبى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، ولو علمتم ما فى فضل رمضان لتمنيتم أن يكون سنة " ، وروى البخارى ومسلم " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه " وروى الربيع ابن حبيب ، عن أبى عبيدة ، عن جابر بن زيد عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، فارق شهوته وطعامه من أجلى فالصيام لى وأنا أجزى به الجنة " وروى الربيع بن حبيب ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، عن النبى ، صلى الله عليه وسلم " لا إيمان لمن لا صلاة له ، ولا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا صلاة ولا وضوء لمن لا صوم له ، ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله " ، وذكر ابن عبد البر الحديث الذى صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار " إن الصوم جنة يستجن بها العبد عن النار ، وينفتح له باب الجنة ، لأن علمه يزكوا فيه ، ويقبل منه ، ومن رواية البخارى ومسلم " إذا دخل رمضان صعدت الشياطين وفتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النيران " وذكرا ابن عبد البر ، عن أبى هريرة ، عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم " أعطيت أمتى خمس خصال فى رمضان لم تعطهن أمة قبلها خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ، ويزين الله لهم كل يوم جنتهِ ثم ثقول يوشك عبادى الصالحون أن تزول عنهم المئونة والأذى ، ثم يصيروا إليك وتصفّد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه فى غيره ، ويغفر لهم آخر ليلة . ، قيل يا رسول الله ، أهى ليلة القدر قال لا ولكن العامل يوفى أجره إذا انقضى عمله " قال ابن عبد البر فى سنده أبو المقدام فيهِ ضعف لكن محتمل فيما يرويه من الفضائل ، وأسند ابن عبد البر ، عن الزهرى " تسبيحة فى رمضان أفضل من ألف تسبيحة فى غيره " وكذا أخرجه الترمذى عن الزهرى ، وروى البخارى ومسلم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن فى الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة . يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلا يدخل منه أحد " وفى رواية " إن فى الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون " وأخرج النسائى عن أبى أمامة قال " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله مرنى بأمر ينفعنى الله به ، قال " عليك بالصوم فإنه لا مثل له " وفى رواية أخرجها عنه أيضا " أى العمل أفضل ؟ فقال عليك بالصوم فإنه لا عدل له " ، والصفد الغل ، أى تشد بالأغلال ، والاحتساب طلب الثواب من الله ، ومعنى إيمانا الإيمان بأنهُ فرض ، وقيل الاحتساب رغبة النفس فى ثوابه وطيبها بلا كراهة ، ومعنى كل عمل ابن آدم له إن له حظا لاطلاع الخلق عليه إلا الصوم ، فإنه لا يظهر إن لم يظهره ، ويتولى الله ثوابه بلا حساب ولا كتاب ، بل جزافاً على ما أراد ، لأنه صبر { إنما يُوفىَّ الصَّابرونَ أجْرَهم بغَيرِ حسابٍ } " وخلوف فم الصائم " بفتح الخاء وضمها تغير طعم الفم وريحه لتأخير الطعام ، ومعنى كونه أطيب عند الله ، أطيب عند ملائكته لأنهم يوصفون بالشم ، أو كناية عن رضا الله تعالى أو أحب عند الله من ريح المسك عندكم .