Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 185-185)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ شَهْر رَمضَانَ } خبر لمحذوف ، أى عن شهر رمضان ، أى الأيام المعدودات ، أو الأيام المعدودات شهر رمضان ، أو بدل من الصيام على حذف مضاف ، أى كتب عليكم الصيام صيام شهر رمضان . والذى نعت ، أو شهر مبتدأ خبره الذى ، وقرئ بالنصب على أنه مفعول لمحذوف أى صوموا شهر رمضان ، أو مفعول لتصوموا فى قوله { وأنْ تَصُوموا خير } ولكن يلزم عليه الإخبار عن المصدر المنسبك من أن والفعل قبل مجئ معموله وهو كالموصول الاسمى ، والموصول الاسمى لا يخبر عنهُ قبل تمام صلته ، أو بدل من أيام معدودات ، وكذا يلزم لو جعلناه ظرفا لتطوع ، ويجوز أن يكون مفعولا أو لا لتعلمون ، وهدًى مفعولا ثانيا ، وسمى الشهر شهراً لشهرته ، وسمى باسم الهلال ، لأنه يتبين به ولكن سمى الهلال شهراً لشهرته ، ويقال شهر الشئ إذا ظهر ، وشهرته أظهرته يتعدى ويلزم ، ورمضان فى الأصل مصدر رمض إذا احترق ، فهو فى الأصل مصدر مصروف يقبل التعريف بأل وغيره ، ويقال الرماض أى الاحتراق ، ورمض رمضانا احترق احتراقاً ، وأعجبنى رمضان الكفار أى احتراقهم ثم جعل علماً لهذا الشهر ، فمنع للعلمية وزيادة الألف والنون ، وإضافة الشهر إليه إضافة عام لخاص بيانية ، أى شهر هو رمضان ، فليس شهر من جملة العلم كعبد الله علما فى هذه الوجوه ، ويحتمل أن يكون شهر رمضان علما مركبا من متضايفين كعبد الله ، فالعلمية تحصلت بالجزأين ، وإذا تحصلت بالجزأين كان منها نصيب للجزء الثانى فيجمع فيمنع الصرف إذا انضمت إليها علة أخرى تمنع معها ، كزيادة الألف والنون وتاء التأنيث نحو أبى هريرة وأبى مسألة ، وليس الجزء الثانى قبل ذلك علما مستقلا ، ولا سيما لو كانه ومن ذلك ابن داية للغراب ، وداية اسم لموضع القتب من البعير ، لأنه ينقر فيه ، والوجه الأول عندى أحسن ، أوجب كثير الوجه الثانى حتى زعموا إن قوله صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان " على حذف مضاف ، أى شهر رمضان للعلم به ، وساغ حذف جزء العلم لأنهم أجروا مثل هذا العلم مجرى المضاف إليه ، وهذا كما يحذف الجزء الثانى من سعد الدين لقبا للتفتزانى ، فيقال السعد بإدخال ال للمح الأصل ، وكما يقال فى قطر الندى القطر ، وفى شذور الذهب الشذور ، وزعم التفتزانى المذكور أنهم أطبقوا على أن العلم فى ثلاثة أشهر هو مجموع المضاف إليه ، أى شهر رمضان ، وشهر ربيع الأول ، وشهر ربيع الآخر ، وسمى شهر رمضان لارتماضهم فيه من حر الجوع والعطش ، أى احتراقهم أو لارتماض الذنوب فيه ، روى محمد بن منصور السمعانى ، وأبو زكريا يحى بن مندة فى أماليهما ، عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما سمى رمضان لأنه يرمض الذنوب " ، انتهى أو لوقوعه أيام رمض الحر ، أى شدته حين سموه بهذا الاسم ، وكان قبل ذلك يسمى نائقا ، أى من عجا لأنه يزعجهم إضجاراً ، وقال قوم سمى رمضان لرمض الفصال فيه من الحر ، وقيل لرمض الحجارة والرمضاء الحجارة المحماة ، والقولان متقاربان ، وقيل الرمض مطر يأتى فى الخريف يغسل الأرض ، فسمى رمضان لأنه يغسل الأبدان من الذنوب غسلا ، ويطهر به قلوبهم تطهيراً . وإن قلت إن سمى لشدة الحر فيه فى ذلك الوقت فلم سمى بعد زوالها ، قلت التسمية لا تزول بزوال موجبها فى الأعلام ، فلو سميت ابنك أحمر لحمرته حين ولد ، ثم انتقل لبياض أو غيره لم يزل اسمه أحمر ، ولا يلزم تسمية كل شهر وقع فيه حر باسم رمضان ، لأن وجه التسمية لا يوجبها ، وقال قوم رمضان اسم الله تعالى فقولك شهر رمضان بمعنى شهر الله ، لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تقولوا رمضان ولكن انسبوه كما نسبه الله فى القرآن " ، وقال { شهر رمضان } ، ولم تصح هذه الرواية للحديث السابق " من صام رمضان " اللهم إلا أن يقال تسمية رمضان مخصوصة به صلى الله عليه وسلم أو أراد لا تقولوا رمضان مسمين به الشهر ، أما على كونه اسما لله تعالى ناوين اسم الشهر قبله فجائز ، وقال ابن مالك فى شرح التسهيل إن الحكم إن الحكم إذا علق برمضان ولم يذكر الشهر عمه ، وإن ذكر الشهر جاز عم أو خص ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان إيمانا وإحتسابا " لأن صومه كله واجب . وقال الله تعالى { شَهْر رَمضَانَ الّذى أنْزلَ فِيهِ القُرآنُ } والإنزال فى ليلة منه ، وصوم رمضان فرض فى السنة الثانية من الهجرة ، لليلتين مضتا من شعبان قبل غزوة بدر الكبرى ، وكانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان ، على رأس ثمانية عشرة شهرا من الهجرة ، فبين فرضه وغزوة بدر شهر وأيام ، ويأتى ذلك فى محله إن شاء الله تعالى . قال الفراء فى أول صوم فرض مخيراً بينه وبين الفدية ثم نسخ الفداء بقوله { فَمنْ شَهِد مِنْكُم الشَّهر } ، ثم نسخ تضييق الإفطار فيما بين المغرب والعشاء ، أو بين وبين النوم ، والصحيح أنه فرض قبله صوم ، ثم نسخ وهو عندنا عاشوراء وقيل ثلاثة أيام من كل شهر ، وقال القرطبى عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر وهن الأيام المعدودات فى قولين ، ونسخ برمضان ، وقيل الأيام المعدودات رمضان نسخهن . { الَّذِى أُنزلَ فيهِ القُرآنُ } كله جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر ، ونزل بعد ذلك إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - شيئاً فشيئاً فى سائر السنة والسنين بعدها ، ويجوز أن يكون المراد الذى بدأ فيه إنزال القرآن إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وإن قلنا القرآن الجنس الصادق على كل جزء من كتاب الله الكريم ، فيكون المعنى الذى انزل فيه شئ من حقيقة ما يقرأ ، أو فلنا بتقدير مضاف ، أى أنزل فيه بعض القرآن ، والإنزال على الوجهين أيضاً من السماء الدنيا إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - ويجوز أن يراد أنزل فيه القرآن جملة إلى السماء الدنيا ، وبعضه منها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه والظاهر أن المراد نزوله إليه - صلى الله عليه وسلم - قال صلى الله عليه وسلم - " نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضين ، والإنجيل لثلاث عشر ، والقرآن لأربع وعشرين " رواه أحمد وغيره عن وائلة ابن الأسفع ، ويروى أن جبريل نزل على أبينا آدم عليه السلام اثنتى عشرة مرة ، وعلى إدريس أربع مرات ، وعلى إبراهيم اثنين وأربعين مرة ، وعلى نوح خمسين مرة ، وعلى موسى أربعمائة مرة ، وعلى عيسى عشر مرات ، وعلى محمد - صلى الله عليه وسلم - أربعة وعشرين ألف مرة . وروى أبو ذر عن النبى ، صلى الله عليه وسلم " نزلت صحف إبراهيم فى ثلاث ليال مضين من رمضان " وفى رواية " فى أول ليلة من رمضان " وأنزلت توراة موسى فى ست ليال مضين من رمضان ، وأنزل إنجيل عيسى فى ثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان ، وأنزل زابور داود فى ثمان عشر ليلة مضت من رمضان ، وأنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم فى الرابعة والعشرين لست بقين بعدها " فيكون بدء نزول القرآن فى شهر رمضان فى ليلة القدر أو يومها عليه - صلى الله عليه وسلم - وذلك قول ابن سحاق وأبى سليمان الدمشقى ، وعن ابن عباس أنزل القرآن جملة من اللوح المحفوظ فى ليلة القدر رابعة وعشرين من شهر رمضان ، توضع فى بيت العزة فى السماء الدنيا ، ثم نزل به جبريل عليه السلام على محمد - صلى الله عليه وسلم - نجوماً فى ثلاث وعشرين سنة ، فذكر قوله { فلا أقسم بمواقع النجوم } وفى رواية نجوما ثلاث آيات ، وأربع آيات ، وخمس آيات وأقل من ذلك وأكثر ، وفى رواية كان جبريل ينزله رسلا رسلا فى الأوامر والنواهى والأسباب ، وروى الربيع بن جبيب ، عن عبد العلاء بن داود ، عن عكرمة عن ابن عباس ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " نزل القرآن كله جملة واحدة فى ليلة القدر إلى سماء الدنيا ، فكان الله إذا أراد أن يحدث فى الأرض شيئاً أنزل منه حتى جمعهُ " قال وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضى بالقضية فينزل القرآن بخلاف قضائه ، فلا يرد قضاءه فيستقبل حكم القرآن ، ويجوز أن يكون المعنى شهر رمضان الذى أنزل فيهِ القرآن فى شأنه من كونه فرضا ، وجواز الإفطار للمريض والمسافر وغير ذلك مما دلت عليه الآية تصريحا وضمنا ، كما تقول نزلت الآية فى الصلاة ، ونزل الآية فى الزكاة ، ونحو ذلك من الفرائض ، وكمنا تقول نزلت الآية فى أبى بكر ، ونزلت الآية فى عمر ، ونزلت فى قوم كذا ، ثم رأيته قولا لمجاهد والضحاك والحسن بن الفضل . والقرآن اسم لهذا الكتاب المنزل على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فهو مشتق من القرء وهو الجمع ، لأنهُ جمع آيات وسور هاديا أو ذا هدى ، وأحكاما وقصصاً وأمثالا وغير وذلك مذهب الزجاج ، لكنه قال هو وصف مشتق من القرء بمعنى الجمع ، يقال قرأت الماء فى الحوض ، أى جمعته ، ولعلهُ أراد أنه وصف فى الأصل . قال أبو عبيدة سمى بذلك لأنه جمع السور بعضها إلى بعض . وقال الراغب لا يقال لكل جمع قرآن ، ولا لجمع كل كلام قرآن ، وإنما سمى قرآنا لكونه جمع ثمرات الكتب السابقة المنزلة ، وقيل لأنه جمع أنواع العلوم كلها ، وحكى فضرب قولا أنه سمى قرآنا لأن القارئ يلفظه من فيه ، أخذاً من قول العرب ما قرأت الناقة سلاً قط ، أى ما رمت بولدها ، أى ما أسقطت ولدا ، أى ما حملت قط ، والهمزة فى ذلك كله أصل ، والألف والنون زائدتان ، ووزنه فعلان ، وإذا سمع أو قرئ قرآن بلا همزة فكذلك ، لكن نقلت حركة الهمزة للراء فحذفت الهمزة ، وكذا قال اللحيانى وقوم إنهُ مهموز ، وإن الزائد هو الألف والنون مصدر فى الأصل من قرأت بوزن فعلان كالغفران والرحجان . سمى به الكتاب تسمية للمصدر ، وقال الشافعى وجماعة هو اسم علم ليس مشتقا خاص بكلام الله وهو غير مهموز ، ووزنه فعال ، وبه قرأ ابن كثير هنا ، وحيث وقع وقرانا وقرانه حيث وقع إذا كان اسما بغير همزة ، والباقون بالهمزة ، وإذا وقف حمزة وافق ابن كثير ، أخرج البيهقى والخطيب وغيرهما عنه أنهُ كان يهمز قرأت ولا يهمز القرآن ، ويقال اسم الكتاب الله مثل التوراة والإنجيل وليس بمهموز ، ولم يؤخذ من قرأت ، وقال قوم منهم أبو الحسن الأشعرى مشتق من قرنت الشئ بالشئ إذا ضممت أحدهما إلى الآخر ، لقرن الآيات والحروف والسور ، وقال الفراء مشتق من القرينة ، لأنهُ يصدق بعضه بعضاً ووزنهُ أيضاً على القولين فعال بأصالة النون ، ورد الزجاج ذلك بأن ترك الهمزة تخفيف بحذفه بعد نقل حركته ، واختار السيوطى قول الشافعى . { هُدًى للنَّاس } من الضلالة وهو حال من القرآن مبالغة أو بمعنى هاديا أو ذا هدى . { وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدَى } دلائل واضحات مما يهدى به إلى الحق ، فالهدى هدى مصدر بمعنى مفعول ، أى من الكلام المهدى به ، أو بمعنى فاعل ، أى من الكلام الهادى ، وليس متكررا مع قوله { هُدًى للنَّاس } ، كما علمت من تفسير فهو كقولك زيد عربى من خالصى العرب ، وزيد عربى محض فى العرض ، أو المعنى هذا على الإجمال ، { وبينات من الهدى } على التفصيل . { والفُرْقانِ } عطف على الهدى ، أى وبينات من الكلام الفارق بين الحق والباطل ، والهدى الثانى والفرقان جنس ما به الهداية ، والفرق بين الحق والباطل مطلقا ، أو جنس كلام الله تعالى مما هو كتاب ، وهو كتب الله ، ومما هو وحى غير كتاب الله . { فَمَن شَهِدَ } حضر فى وطنه غير مسافر عنه . { منكم } أيها المؤمنون ، وخصهم لأنهم المنتفعون بالخطاب ، ولو كان غيرهم أيضا مكلفا أو أيها الناس المكلفون كلهم . { الشَّهرَ } شهر رمضان مفعول لشهد ، لأن شهد متعد كحضر ، وإن شئت فاجعله ظرفا ، وقدر المفعول ، أى حضر وطنه فى الشهر ، وإن شئت فاجعله لازما والشهر ظرفاً ، بمعنى من لبث فى الشهر أو أقام فيه وإن قلت كيف صح أن يكون مفعولا والمسافر أيضا شاهد للشهر ؟ قلت لأن المعنى شهد الشهر وحضره وهو فى وطنه . { فَلْيصُمْهُ } الهاء مفعول به على التوسعة ، أو ظرف ولا إشكال فى جعل الشهر مفعولا به إذا أريد به الهلال ، أى فمن عاين الهلال ورآه فليصم صومه ، فحذف آخرا . ووجه إضافة الصوم للهلال أنه يكون برؤية الهلال ، وكذا إن قدر أولا ، أى فمن شهد منكم هلال الشهر فليصمه ، أى فليصم الشهر لكن لا بد على الوجهين ، من أن المعنى من أن المعنى من عاين الهلال فى الوطن ، والفاء فى قوله { فمنْ شَهِد } للتفريع على قوله { وأنْ تَصُوموا خَير لكم } وأنزل فيه القرآن ، والفاء فى قوله { فليصمه } رابطة لجواب من ، ويجوز أن يكون شهر رمضان مبتدأ خبره من ، وشرطها وجوابها فتكون الفاء فى { فَمنْ شَهد } زيدت لوصف المبتدأ بما تضمن معنى الشرط ، ومقتضى الظاهر فمن شهده منكم فليصمه ، وموضع الظاهر موضع المضمر للتعظيم ، وإذا جعلنا من شهد تفريعا على قوله { أنزل فيه القرآن } أو جعلناه وما بعده خبرا لرمضان ، أفاد التفريع أن كون الصوم خيراً سبب لوجوبه ، وأفاد الإخبار بذلك على رمضان ، أن إنزال القرآن فى رمضان سبب لوجوب الصوم ، لأن الذى كَالمشتق ، وتعليق الحكم بالشتق ، يؤذن بعليته ورمضان موصوف بالذى فله حكم الذى . { ومَنْ كانَ مَرِيضاً أوْ علىَ سفرٍ فَعِدةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر } هذا تخصيص من عموم من شهد الشهر ، فإن المريض ، والمسافر ممن شهده ، لكن لما لم يطق بالمرض ، أو شهده فى غير وطنه لم يجب عليه الصوم ، وكرر لهذا التخصيص ، أو لئلا يتوهم نسخ عدم وجوب الصوم على المريض والمسافر بعموم { فَمْن شَهدَ منكُم الشَّهر فَلْيصُمه } كمن نسخ به { وعلىَ الَّذينَ يطُيقونه فِدْيةٌ طعامُ مِسْكين } وإن قلت فمن لم ير الهلال ، ولكنه أخبر وليس مسافراً ولا مريضا ولا غير قادر ، فهل يصوم ؟ قلت يلزمه الصوم لأن معنى شهادة الشهر دخول الشهر وهو فى وطنه ، وحكم أميال وطنه حكم وطنه ، وإن قلت فقد قدرت فى وجهين من شهد الهلال ، قلت شهادة غيره إياه فى حكم شهادته ، ويكفى الواحد المتولى إذا كان حرا ، قيل ولو امرأة أو أمه أو عبداً إن لم يجر لنفسه نفعا فى خبره ، أو يدفع به ضرا ، وهذا مذهبنا ، وبه قال أبو ثور ، وأما الإفطار فلا يجوز إلا بأمينين عندنا وعند الشافعى ، وأجازه قوم من المخالفين أيضاً بواحد متولى ، وقال مالك لا يصام إلا بأمينين ، ولا يفطر إلا بهما كسائر الشهادات . { يُريدُ الله بِكمُ اليُسْرَ } السهولة فى جميع تكاليفكم . { ولا يُريدُ بكُم العُسْر } الحرج ، ولذلك أباح الإفطار للمريض والمسافر ، وحمل الآية على العموم أولى من أن يقول يريد الله بكم اليسر فى الإفطار للمرض أو للسفر ، ولا يريد بكم العسر بإلزام المريض والمسافر الصوم ، كما قال مجاهد والضحاك اليسر الفطر فى المرض والسفر ، والعسر الصوم فيهما ، وأخذ بعضهم من الآية أن الإفطار فى السفر أولى ، قال أبو حمزة إن كتاب الله قد جاء بذلك ، ورب الكعبة قال الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ، وعن ابن عباس إنما أراد الله بالإفطار فى السفر اليسر عليكم ، فمن يسر عليه الصوم فليصم ، ومن يسر عليه الإفطار فليفطر ، وفى خبر آخر ما خير رجل بين أمرين فاختار أيسرهما إلا كان ذلك أحب إلى الله تعالى . وعن عائشة رضى الله عنها أنها قالت ما عرض لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم أمران إلا أخذ بأيسرهما ما لم يكن إثما ، وكان أبعد الناس من الإثم ، وما غضب رسول الله لنفسه قط ، وروى البخارى عنه - صلى الله عليه وسلم " يسروا ولا تعسروا " وكان يحب التخفيف واليسر على الناس ، وروى البخارى ومسلم بسندهما عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " يسروا ولا تعسروا سكنوا ولا تنفروا " وروى البخارى ومسلم ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأبى " يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا " قال البخارى موسى ومعاذ " حدثنا أبو اليمانى ، قال حدثنا حماد بن زيد عن الأزرق ابن قيس ، قال كنا على شاطئ نهر بالأهواز قد نضب عنه الماء ، فجاء أبو بزرة الأسلمى على افرس فصلى وخلى فرسه ، فانطلق الفرس فترك صلاته وتبعها حتى أدركها فأخذها ، ثم جاء فقضى صلاته ، وفينا رجل له رأى وأقبل يقول انظروا إلى هذا الشيخ ترك صلاته من أجل فرس ، فأقبل فقال ما عنفنى أحد منذ فارقت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وقال إن منزلى متراخ فلو صليت وتركتها لم آت أهلى إلى الليل ، وذكر أنه قد صحب النبى - صلى الله عليه وسلم - فرأى من تيسيره ، ولا يخفى أن العسر المنفى فى الآية العسر فى التكليف بالأحكام ، والمثبت فى قوله { فإن مع العسر يُسْراً إن مع العسر يسراً } التضعيف بالقضاء بالمصيبة ، فلا منافاة . وقرئ { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } بضم السين تبعاً للياء والعين ، أو هو الأصل والإسكان تخفيف عنه أكثر استعمالا منه . { ولِتُكْمِلَوا العِدَّةَ } وقرأ أبو بكر عن عاصم بفتح الكاف وتشديد الميم واللام متعلق بمحذوف تعليل له ، أى وارعوا عدة الأيام المعدودة التى هى شهر رمضان { لتكملوا . العِدَّة } والجملة مستأنفة أو معطوفة على صوموا أياماً معدودات . والعدة عدة أيام رمضان . روى البخارى ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فأقدروا له " وفى رواية " فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " وروى الربيع بن حبيب ، عن أبى عبيدة ، عن جابر بن زيد ، عن أبى سعيد الخدرى ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى رمضان " لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فأقدروا له " وفى رواية أخرى " فأتموا الثلاثين " وروى الحسن البصرى ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " احصوا هلال شعبان لرمضان ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن أغمى عليكم فأتموا ثلاثين ، فإن الشهر يكون تسعا وعشرين " وذكر عن ابن عمر مرفوعاً إليه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " الشهر تسع وعشرون - وقال بكفيهِ هكذا وهكذا وهكذا وضم الخنصر فى الثالثة - صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وإن حال دونه غمام أو غيابة فأكملوا العدة ثلاثين ، فإن فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون " يعنى أنه أشار بأصابعه العشر مرتين ، وأشار فى المرة الثالثة بتسعة غير الخنصر . روى الربيع بن حبيب ، عن أبى عبيدة ، عن جابر بن زيد مرسلا ، " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم الشك وهو آخر يوم من شعبان ، ويوم الفطر ويوم الأضحى وقال من صامها فقد قارف إثما " وروى الربيع بن حبيب ، عن أبى عبيدة ، عن جابر بن زيد ، عن عمر ابن الخطاب بلاغاً أنه صلى بالناس العيد ، ثم انصرف وخطب الناس ، ثم قال إن هذين يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم ويوم تأكلون فيه من شككم ، وروى عن كثير من العلماء أنهم قالوا " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيام ستة أيام من السنة يوم الفطر ويوم النحر ، وأيام التشريق ، واليوم الذى يشك فيه من رمضان " وذكر محمد بن سيرين قال انطلقت فى اليوم الذى يختلف فيه من رمضان ، فلم أر أحدا ممن كنت آخذ منه إلا وجدته مفطرا إلا رجلاً واحدا كان يحسب حسابا له ، ولو لم يحسبه كان خيراً له ، وكان فيمن أتيت أنس بن مالك ، ومسلم بن يسار ، ويجوز أن يكون المراد بإكمال العدة قضاء ما أفطروا فيه لمرض ، أو سفر . ويلتحق لذلك إفطارها لحيض أو نفاس ، وإفطار كل من أفطر للإفطار بوجه من الوجوه ، ويجوز أن يكون العطف على المعنى ، فيكون من العطف المسمى فى سائر الكلام عطف توهم ، وذلك بأن يعطف لتكملوا على قوله { يريد الله بكم اليسر } كأنهُ قيل لأن الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ، ولتكملوا العدة ، أو اللام صلة للتأكيد فى مفعول يريد بواسطة العطف ، وهو عطف على اليسر ، أى يريد الله بكم اليسر وإكمال العدة ، أو يقدر له يريد ، أى ويريد لتكملوا العدة كقوله جل وعلا { يُريدونَ ليطفئوا نور الله } { وَلِتُكَبِّرُوا اللّهَ علَى ما هَداكمُ } متعلق بمحذوف علة له ، أى اقضوا ما أفطرتم لمرض أو سفر ، لتعظموا الله بالحمد والثناء على هدايته إياكم ، فإن القضاء نعمة يجب الشكر عليها إذا جاز الإفطار ، وقام القضاء مقامه ، ويجوز عطفه على { لتكملوا العدة } بما فى { لتكملوا العدة } من الأوجه ، فيجوز أن يكون المعنى ولتكبروا الله عند إكمال العدة على إرشاده إياكم لمعالم دينه ، وما مصدرية ، وعلى للتعليل أو الاستعلاء المجازى ، أى لأجل هدايته إياكم ، أو بانين على هدايته إياكم ، هذا ما ظهر لى ، واقتصر ابن هشام على التعليل ، وفى قول القاضى إنه عدَّ التكبير بعلى لكونه بمعنى التعظيم بالحمد ، والثناء إشارة إلى أن على للاستعلاء ، ويضعف كون ما اسما موصولا ، أى على ما هداكم إليه ، لأن فيه حذف العائد المجرور بحرف لم يجر بمثله الموصول ، ويجوز كون هدى متعديا لاثنين كقوله جل وعلا { وهَديْناهُما الصّرَاط المستقيم } { اهدنا الصراط المستقيم } أى على ما هداكم إياه أو على ما هداكموه ، فيكون حذفه على القياس ، وقد علمت أن معنى التكبير تعظيم الله ، والتعظيم فعل القلب وعمل الإنسان والجوارح دليل عليه ، وتبع له بأى لفظ كان لفظ تكبير أو غيره ، وبأى عبارة كان ، وقيل المراد تكبير يوم الفطر ، وذكروا عن جعفر بن محمد أن أباه كان يكبر ليلة الفطر ، فلا يزال يكبر حتى يصلى مع الإمام صلاة العيد ، وكان بعضهم يجهر بالتكبير حتى يغدو إلى المصلى ، وذكروا أن عليا كان يكبر على بغلته يوم الفطر وهو متوجه إلى المصلى ، ومن السنة أن يكبر الإمام على المنبر فى المصلى يوم العيد سبع تكبيرات قبل أن يخطب الخطبة الأولى ، ثم يكبر قبل أن يخطب الخطبة الآخرة سبع تكبيرات . قال مالك ذلك تكبير الرجل من حين خروجه من منزله إلى أن يخرج الإمام إلى المصلى ، ولفظهُ عند مالك وجماعة من العلماء الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، ثلاثة ثلاثة . ومن العلماء من يكبر ويهلل ويسبح فى أثناء التكبير . ومنهم من يقول الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ، وقيل التكبير تعظيم الله باللسان بأى لفظ كان ، وعن ابن عباس حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا . وقال الشافعى ويجب أظهار التكبير فى العيدين ، وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد . وقال أبو حنيفة لا يكبر فى عيد الفطر ويكبر فى عيد الأضحى . { ولَعلَّكُم تَشْكُرونَ } تعليل أو ترجية متصل بمحذوف ، أى ويسر لكم أو رخص لكم فى الإفطار لعلكم تشكرون الله على ذلك ، فإنه نعمة أو على نعمه مطلقاً ، أو معطوف على ما سبق ، ويجوز كون تلك التعاليل متعلقة بمحذوف دل عليه ما سبق ، أى وشرع الله وجوب الصوم على من شهد منكم الشهر ، ووجوب القضاء على من أفطر لمرض أو سفر ، ووجوب مراعاة عدة ما أفطر ، والترخيص فى الإفطار لتكملوا العدة … إلخ . على سبيل اللف ، وتعاليل متعلقة بمحذوف وتقديره ليسهل عليكم ، ولتكملوا ولتعلموا ما تعلمون ولتكملوا ، ويجوز أن يكون لتكملوا ولتكبروا أمرين معطوفين على ليصمه الثانى أو الأول ، أو على صوموا أياما معدودات ، وفى ذكر الهداية والشكر تلويح بأن المسلمين موفقون إلى أداء الصوم كما فرض عليهم ، ووجب عليهم التكبير والشكر لذلك التوفيق ، لا كالنصارى المخذولين حتى إغروا الصوم .