Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 201-202)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ومِنْهُم مَن يقُولُ ربَّنا آتنا فى الدُّنيا حَسَنة } ما نحتاج إليه فى حياتنا من طعام وشراب ولباس وسكن وزوجة صالحة ، وصحة بدن وكفاية الصر والولد الصالح ، والنصر على الأعداء ، وغير ذلك من المنافع على الكفاف ، وما نحتاج من أمر الدين كالعلم والعبادة والتوفيق وخصال الشرع ، واجتناب المعاصى والإصرار عليها . { وفى الآخِرَةِ حَسنةً } الجنة والأوزاج فيها والغرف والأجنة والمساكن وتسهيل أمر الحشر . { وقِنَا عَذَابَ النَّارِ } أى امنعناه ولا تدخلناه ، ويكفى عنه ذكر قولهم { وفى الآخرة حسنة } من له الحنة لا يدخل النار ، ولكن ذكروه مبالغة فى الدعاء وشدة رهبة منها ، ويجوز أن يكون قولهم { وقنا عذاب النار } دعاء بالتنجية مما يورث النار وهو المعاصى ، مع الإصرار عليها فيكون تخصيصاً ، بعد تعميم بقولهم { ربنا آتنا فى الدنيا حسنة } وإن فسرناه بما لا يعم هذا كان قولهم وقنا عذاب النار على هذا المعنى مستقلا لا تخصيصاً ولا تأكيداً ، وإنما دعوا بالدنيا ومدحهم الله ، لأنهم لم يقتصروا عليها ولأنهم دعوا بها ، لأنها لا بد منها ، ولأنهم يتوصلون بها إلى أمر الدين والآخرة والدعاء بها على نية هذا التوصل عبادة . وروى عن على بن أبى طالب الحسنة فى الدنيا المرأة الصالحة ، وفى الآخرة الحوراء ، وعذاب النار المرأة السوء ، يعنى أن سوء المرأة مرجع لزوجها كعذاب نار الدنيا ، أو نار الآخرة ، ولو كان لا يساويها ، وقال الحسن بن أبى الحسن الحسنة فى الدنيا العلم والعبادة ، وفى الآخرة الجنة ، وقنا عذاب النار معناه احفظنا من الشهوات والذنوب المؤدية إلى النار ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة " رواه مسلم عن عبد الله بن عمر وبن العاص . وقيل الحسنة فى الدنيا العلم والعبادة ، وفى الآخرة الجنة ، وقيل الحسنة فى الدنيا الرزق الحلال والعمل الصالح ، وفى الآخرة المغفرة والثواب ، وقيل من أتاه الله الإسلام والقرآن وأهلا ومالا فقد أوتى فى الدنيا حسنة ، وفى الآخرة حسنة ، يعنى فى الدنيا عافية وفى الآخرة عافيه ، وأقول ولعل مراد أصحاب هذه الأقوال التمثيل ، فإن الأظهر التعميم لحسنات الدنيا ولحسنات الآخرة ، وعذاب النار عذاب الآخرة بالنار . وروى البخارى ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك قال " كان أكثر دعاء النبى صلى الله عليه وسلم " اللهم آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " وزاد مسلم عن أنس إذا أراد أن يدعو بدعاء دعى بها فيه ، وأخرج أبو داود عن عبد الله ابن السائب ، " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين الركعتين " ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " وروى مسلم " عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد أدنفه المرض فصار كالفرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل كنت تدعو الله بشئ فتسأله إياه ؟ " قال نعم كنت أقول اللهم ما كنت معاقبى به فى الآخرة فعجله لى فى الدنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سبحان الله لا تطيقه ولا تستطيعه أفلا قلت اللهم آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " قال فدعا الله به فشفاه . { أولئكَ } المؤمنون الداعون بالدنيا والآخرة . { لَهم نَصِيبٌ } حظ من الثواب فى الدنيا والآخرة . { ممَّا كَسبُوا } من هذه للابتداء ، أى لهم نصيب فى الدنيا والآخرة من الثواب متولد من كسبهم ، أو متولد مما كسبوه من الأعمال الصالحات ، والدعاء فى الحج وغيره ، وما مصدرية ، أو اسم موصول ، ويجوز أن تكون للتعليل أى لأجل ما كسبوا ، ويجوز أن تكون للتبعيض ، لأن الإنسان قد يثاب ببعض كسبه دون بعض يثاب بالأعمال الصالحات المخلصة دون ما أهمل من الأعمال الصالحات والمباحات والمعاصى ، وما كسبوا فى هذا الوجه عام فى الخير والشر يغفر شره ويثاب بخيره ، ويجوز أن تكون للتبعيض وما كسبوا هو الخير بناءً على أن السعيد قد لا يثاب ببعض حسناته ، وهو ما رآى به ونحوه مما لم يخلصه ، ثم تاب فقيل لا يثاب عليه ، وقيل يثاب ، وإن غفل عما فعل من رياء بلا إصرار ، ولكنه تاب إجمالا فكذلك ، ويجوز أن تكون للتبعيض على أن ما كسبوا هو الدعاء يعطيهم الله منه ما قضاه فى الأزل ، فإن الدعاء كسب أو على تقدير لهم نصيب من جنس ما كسبوا من الأعمال الحسنة ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى من يقول { ربنا آتنا فى الدنيا } وإلى من يقول { ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } . { والله سَرِيعُ الحِسَابِ } حساب الله ، عز وجل ، أن يعلم العباد كيفية أعمالهم وأقوالهم واعتقادهم ، وعددها وثوابها وعقابها أو يخلق لهم العلم بذلك فى قلوبهم ، وذلك فى أقل من لحظة ، لأنه لا يحتاج إلى فكرٍ ، تعالى ، وَلا يوصف به ولا إلى حساب بشئ . قيل لعلى كيف يحاسب الله العباد على كثرة عددهم ؟ فقال كما يرزقهم على كثرة عددهم . وفى رواية قيل لعلى كيف يحاسب الله العباد فى يوم ؟ فقال كما يرزقهم فى يوم . وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن الله تبارك وتعالى يحاسب الخلائق فى مقدار نصف نهار من أيام الدنيا " ، وروى " مقدار المحبة " ، وروى " فى مقدار فواق ناقة " ، وروى " أنه يحاسبهم فى مقدار حلب شاة أو ناقة " ، ولا يشغله شأن عن شأن ، فيجب الحذر عن عصيانه واعتقاد كمال قدرته ، وقيل معنى سريع الحساب أن الحساب استقبال الخلائق سريعاً يوشك أن يحضر بحضور البعث ، وبادروا للتوبة والأعمال الصالحات ، وقيل الحساب عبارة عن المجازاة كما يحتمله قوله فحسبناه حساباً شديداً ، وقيل المعنى سريع القبول لدعاء عباده ، والإجابة لهم لأنه يسأله السائلون فى أماكن فى وقت واحد بأشياء مختلفة دنيوية وأخروية فى اللسان ، أو فى القلب فيعطى كلا مطلوبه بلا أن يشتبه عليه وفى ذلك دلالة على كمال قدرته ووجوب طاعته .