Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 27-27)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الَّذِين يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } الذين نعت الفاسقين نعت ذم . ذمهم وشنع عليه بترك العهد الذى استوثق الله - عز وجل - عليهم به ، وهو العهد المأخوذ بالعقل ، وهو ما ركز فى عقولهم من الحجة على التوحيد ، لما خلق الله فى عقولهم ما يدركون به التوحيد ، لو استعملوا عقولهم صار بمنزلة ما أدركوه ، واستوثق الله عليهم ألا يتركوه ، وأعنى بالتوحيد التوحيد الكامل ، وهو التصديق بالله ورسوله وما جاء به من القرآن والوحى ، وقد فسر بعضهم قوله تعالى { وأشهدهم على أنفسهم } بركز الحجة على الحجة على التوحيد فى عقولهم ، أو المراد بالعهد ما عهد إليهم فى التوارة والإنجيل ، ومن إيجاب التصديق بالرسل للمعجزات المقرونين بها ، وعدم كتمانهم . ففى التوراة وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم . وفى الإنجيل سأنزل كتاباً فيه أبناء بنى إسرائيل وما أريته إياهم من الآيات ، وما أنعمت عليهم ، وما نقضوا من ميثاقهم الذى أوثقوا به ، وما ضيعوا من عهده إليهم ، وحسن صنعى بالذين قاموا بميثاق الله ، وأوفوا بهداى ونصرى إياهم ، وكيف أنزل بأسى ونقمتى بالذين غدروا ونقضوا . وحرف اليهود اسم النبى محمد صلى الله عليه وسلم ، كما فعلوا باسم عيسى عليه السلام ، فذلك الذى ألزمهم الإيمان هو العهد إذا نعموا بقلوبهم وألسنتهم . بل اتضاح الحجة كانها عهد أقروا به إذ لم تبق شبهة تمنعهم من التصديق ، أو المراد عهد الله إليهم ألا يتظالموا ولا يتقاطعوا … وقيل العهود ثلاثة عهد على ذرية آدم جميعاً . قال الله تعالى { وإذا أخذ ربك … } إلخ وعهد خص به النبيين أن يقيموا الرسال والدين ولا يتفرقوا فيه ، قال الله تعالى { وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم } وعهد خص به العلماء قال الله تعالى { وإذ أخذنا من النبيين } { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتو الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه } وقد فسر بعضهم العهد فى الآية بقوله تعالى { ألست بربكم قالوا بلى } وفسره بعض بالعهد الذى ألزم الله اليهود فى التوراة أن يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويبينوا نعته وصفته . وبعض بإبطال الكفار والمنافقين ما أبرم الله تعالى فى القرآن من الأحكام الشرعية . والعهد التقدم فى الشىء والوصاية به ، والآية فى الكفار . قال عياض كل عهد جائز بين المسلمين ، فنقضه لا يحل بهذه الآية . واعلم أن الله - عز وجل - شبه ترك العهد بنقض الحبل ، وهو فك طاقاته ، تشبيهاً غير مصرح بأداته ، وإنما علمناه من إضافة العهد إلى الله ، فاشتق من النقض المستعار من نقض طاقات الحبل ، لترك العهد ينقض ، بمعنى يترك . فالاستعارة فى ينقضون تبعية تصريحية تحقيقة والعهد قرينة ، وإن شئت فقل شبه العهد بالحبل تشبيهاً غير مصرح به ولا بأداته ، وإنما نعلمه بإثباته للعهد ما هو حقيق بالحبل ومناسب له ، وهو النقض . فهذا التشبيه استعارة بالكناية وقرينته النقض . وقيل الاستعارة بالكناية لفظ المشبه به المضمر ، وقيل لفظ المشبه المستعمل فى لفظ المشبه به المجازى ، وقد أطلت بيان هذه المذاهب فى شرحى على شرح عصام الدين ، وإذا جرى على سمعك أن فى تشبيه العهد بالحبل استعارة بالكناية وأن ينقض قرينته ، علمت أنه لا يجب فى قرينة الاستعارة بالكناية أن تكون استعارة تخييلية ، فإن استعارة لفظ ينقض لمعنى يترك استعارة تحقيقية ، ولو لم يكن فى لغة العرب الكريمة إلا بلاغة الاستعارة بالكناية لفاقت لغات العجم كلها ، فإن ما فيهن من ذلك مأخوذ منها ، وذلك أن يسكت العرب عن ذكر الشىء المستعار ، ثم يرمزوا إليه بذكر ما يناسبه ، وذلك من أسرار البلاغة ولطائفها ، فلو قلت فى إنسان كثير الأكل إنه يأكل من مخلاة ، لقلنا إنك قد شبهته بنحو الفرس فى الأكل . فكذلك لما أثبت النقض العهد ، علمنا أنه شبهه بالحبل ، ووجه الشبه أن الاتصال بين الشيئين كما يكون بين الحبل وما يربط به ، كذلك يكون بين المتعاهدين . فإن العهد وصلة بين شيئين كالحبل . إلا أن وصلة الحبل حسية ، ووصلة العهد معقولة ، كعهد الوصية وعهد اليمين وعهد الدار لأنها يرجع إليها وعهد التزويج لأنه يحفظ والميثاق مصدر بوزن مفعال كالميعاد بمعنى الوعد ، ومجىء المصدر بوزن مفعال قليل ، يحفظ ولا يقاس عليه ، أى يتركون عهد الله بعد وثقه ، أى بعد إحكامه وإبرامه . وقيل اسم مصدر ، والمصدر إيثاق ، فالأصل من بعد إيثاقه ، على أنه من أوثق فوضع الميثاق موضع الإيثاق ، كوضع العطاء موضع الإعطاء ، ولا حاجة إليه لأن وثق يجىء متعدياً كما يجىء لازماً ، وهو بلفظ الثلاثى وهو من اللازم ، لكن الإضافة تجوز لأدنى ملابسة ، فيجوز أن تكون الهاء للعهد ، وهو المفعول الذى يتوصل إليه اللازم بالجار ، والإضافة تصح لأدنى ملابسة ، فلا مانع أن تكون هاء الفاعل ، وهو الله - سبحانه وتعالى - أى من بعد وثوق الله به ، وأيضاً أن مفعالا من الأسماء المأخوذة من الثلاثى لا من الرباعى ، فكونه من الوثوق أولى من كونه من الإيثاق ، فيجوز كونه اسم آلة من الوثوق ، أى من بعدما وثق الله به عهده من الآيات والكتب ، وما وثقوه به من الالتزام والقبول . ولا يجوز أن يجعل اسم آلة من أوثق لأن مفعالا اسم آلة من الثلاثى ، ومن على تلك الأوجه للابتداء ، لأن ابتداء النقض يتصور بعد حين حصول العهد ، وقال ابن مالك بجواز كون من زائدة ، مع قبل وبعد ، والهاء على الأوجه كلها أيضاً عائدة إلى العهد ، أو إلى الله سبحانه وتعالى . { وَيقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } قال ابن عباس يقطعون ما بين الأنبياء من الوصلة والاتحاد والاجتماع على الحق ، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض ، وهم اليهود وقريش ، فإن قريشاً أنكروا رسالة سيدنا محمد ، وقيل يقطعون ما أمر الله به من صلة الرحم ، وقيل المراد أنهم يقطعون ما أمر الله به من صلة الرحم والمؤمنين . والذى عندى أن المعنى أنهم يتركون ما أمر الله به ألا يترك ، فيدخل فيه الإيمان بالأنبياء كلهم والكتب ، وصلة الرحم ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان . وحج البيت ، وقراءة القرآن ونحو ذلك من أحكام الدين . ووصل كل شىء من ذلك فهو فعله ، وقطعه هو تركه . وأما فعل المحرمات فداخل فى قوله بعد ذلك { وَيُفسِّدُونَ فِى الأَرْضِ } وإن شئت فقل يدخل فى قوله { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } فالوصلة بين المكلف والنهى عن المحرمات أن يتبع النهى فيترك المحرمات ، فإذا طرح النهى وراء ظهره واقتحم المحرمات ، فقد قطعه . والأمر فى لغة العرب إنما يطلقونه على الكلام الطالب للفعل فيسمون طلب الأدنى من الأعلى أمراً ، وطلب المساوى كما يسمونه طلب الأعلى من الأدنى ، وقيل يطلقونه على طلب الأعلى من الأدنى ، وأما المساوى فالتماس ، وأما الأدنى من الأعلى فدعاء ، وقيل يطلقونه على طلب الأعلى من الأدنى ، وعلى طلب مدعى العلو على من دونه فى ادعائه ، ولو لم يكن كما ادعى ، وأما المساوى فالتماس ، والأدنى دعاء ، والأمر الذى هو واحد الأمور مسمى باسم الأمر الذى هو واحد الأوامر ، الذى هو الطلب المذكور ، تسمية للمفعول بالمصدر . فإن الأمر الذى هو أحد الأمور مما يؤمر به فى الجملة ، فالورقة مثلا أمر من الأمور ، سميت لأنه يؤمر بها فتسوى أو تسطر أو تكتب أو تجلد وإن شئت فقل يشبه الداعى إلى الشىء بأمر يأمر به . ويدل لذلك أنه يقال للأمر الذى هو واحد الأمور شأن والشأن مصدر فى الأصل بمعنى الطلب ، والقصد يقال شانت شانه أى قصدت قصده ، وشانت شانا أى قصدت قصدا ، فالشان الذى هو بمعنى واحد الأمور بمعنى مشون فى الأصل قيل تغلب الاسمية على المعنى المفعولى وأن يوصل فى تأويل مصدر مجرور بدل اشتمال من الهاء فى به ، وهو أولى لقربه وصراحته فى المراد ، ويجوز كونه بدلا من ما ، بدل اشتمال من منصوبا . { وَيُفْسِدُونَ فِى الأَرْضِ } بفعل ما نهوا عنه ، كالظلم والزنى والغضب والسرقة وصدر الناس عن الإيمان والاستهزاء بالحق . أو بقطع ما أمر الله به أن يوصل ، وكالإشراك بالله تعالى . { أُولَئِكَ الخَاسِرُونَ } أى الذين كان لهم النقص فى معاملتهم بأن أخذوا الردىء فى الحسن إذ تركوا الجنة وأخذوا النار بتسببهم لها بأعمالهم أو عملوا السوء من الشرك والمعاصى الموصلة إلى النار ، وتركوا الإيمان والطاعة الموصلة إلى الجنة ، فإن العمل الصالح كالوفاء والوصل شىء حسن فى نفسه . وأيضاً يوصل إلى أحسن ، وهو رضى الله - جل وعلا - وإلى حسن وهو الحنة ، وعمل السوء خبيث فى نفسه ، موصل إلى أمر عظيم جداً ، وهو غضبه تعالى ، وإلى عقاب غليظ وهو جهنم .