Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 28-28)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ } ؟ استفهام إنكارى ، أنكر الله جل وعلا جواز كفرهم شرعاً ، وجوازه عقلا . أو استفهام تعجبى دعاهم إلى التعجب بكفر أنفسهم . وفيه دعاء غيرهم أيضاً إلى التعجب ، لأن العرب تخاطب الحاضر بصيغة التعجب ، وتريد تعجبه وتعجب السامعين . ويجوز أن يكون الاستفهام فى الآية على طريق الاستفهام الإنكارى الظاهر ، وهو نفى الوقوع بصيغة الاستفهام ، كأنه قيل إن الكفر بالله مع ما ذكر من الإمامة والإحياء والموت غير واقع ، تنزيلا له منزلة لم يقع إشعارا ببعده ، لقوة الصارف عنه والداعى إلى الإيمان ، حتى كأنه مستحيل ، فعبر عنه بصورة المستحيل كقولك أتعيش بغير طعام وشراب ؟ وقولك أتطير بغير جناح ؟ والإنكار بكيف ولو كان إنكارا الحال الكفر التى يكون عليها ، لكنها إنكار لنفس الكفر بطريقة الكناية ، وهى أبلغ من التصريح ، لأنها كلام متضمن للدليل والبرهان . وبيان ذلك أن المخلوق يوصف بالأحوال ولا يتصور بدونها ، فاذا نفيت الحال أصلا كان نفيك له نفياً لممكن الوجود والاتصاف لها إذا وجد لكانت له حال ولا بد ، فلما نفى حال الكفر كان نافياً للكفر من أصله لعدم تصوره بلا حال . وقد علمت أن نفيه على طريق تصويره بصورة المحال ، وكأنه قيل لو كان هو موجودا لكانت له حال ، لكنه لا حال فليس موجود ، فهذا برهان ودليل ، ولا تنكر قولى أن المخلوق لا بد له من حال بنحو الجبل الثابت فإن عرضه حال وطوله حال ، وغلظه حال ، وخشونته حال ، وملاسته حال ، وإتيان الليل عليه حال ، وظلمته حال ، وإتيان النهار عليه حال ، وتنوره حال ، ولونه حال ، وتركيبه حال ، وحلوله على الأرض حال ، وحلول ما حل فى الهواء أيضاً حال وهكذا . فتبين لك أن الإنكار بكيف لأن مدلولها حال الشىء أبلغ من الإنكار بالهمزة لأنها للسئوال عن الشىء نفسه ، وأنسب لما بعده من الحال . وهو قوله جل وعلا { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً } ، وتتضمن كل من الإنكار والتعجب توبيخاً . والخطاب لكفار العرب ، وصفهم أولا بسوء الاعتقاد والقول والفعل على طريق الغيبة ، ثم خاطبهم على طريق الالتفات ووبخهم على كفرهم المصاحب لعلمهم بالموت والإحياء والإماتة ، والإحياء المقتضى أن يكونوا مؤمنين ، أى أخبرونى على أى حال تكفرون بالله . { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتا } أشياء لا حياة فيها ، وهى مأكول ومشروب ، ثم ما يتولد منها غذاء للبدن ، ثم أخلاط ونطف وعلق ومضغ . والجملة من واو تكفرون بدون تقدير قد أو بتقديرها . فمذهب البصريين - إلا الأخفش - لزوم قد مع الماضى المثبت مطلقا ، ظاهرة أو مقدرة ، وقال الأخفش والكوفيون تلزم مع المقرون بالواو ، وتجوز فى المقرون بالضمير والواو ، أو بالضمير وحده . والأصل عدم التقدير ولا سيما مع الكثرة والأكثر فى الماضوية المثبتة الحالية قرنها بالواو وقد والضمير ، ثم بقد والضمير ، ثم بالواو والضمير ثم بالضمير ، ذاكره ابن مالك ، وجعل ابنه الرابعة أكثر من الثالث . وأيضاً الآية بمنزلة قولك كيف تكفرون بالله ، وقصتكم أنكم كنتم أمواتاً فجعلكم أحياء ، ثم يميتكم بعد هذا الإحياء ، ثم يحييكم بعد هذه الإماتة ثم يحاسبكم ؟ … وقال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد معنى قوله وكنتم أمواتاً وكنتم معدومين قبل أن تخلقوا . كما يقال للشىء المندرس ميت ، فإن الأموات جمع ميت بإسكان الياء يقال لما تصح فيه الحياة وما لا تصح كقوله تعالى { بلدة ميتاً } { وآية لهم الأرض الميتة } ولكن ذلك عندى على طريق التشبيه والاستعارة التصريحية ، ووجه الشبه عدم الروح وعدم الإحساس أو ترك النماء بعد أن كانت ، فإنها فى حال وجود النبات وإنمائه كالحيوان الحى . وفى حال زوال النبات كالميت فإن الحياة حقيقة فى وجود الروح مجاز فى نمو ما ينموا ، ولأنها من مقدمات النمو ، وفى الفضائل كالعقل والعلم والإيمان لأنها كمال وجود الروح وثمرتها ، والموت فى ضد ذلك ، والمراد بالحياة فى حق الله لازمها من علم وقدرة . { فَأَحْيَاكُمْ } فى الأرحام وبعد الخروج من الأرحام بنفخ الروح وخلقها فيكم . قال الكلبى أمواتاً نطفاً وعلقا ومضغا وعظاما . ثم أحياهم فأخرجهم إلى الدنيا ، وعطفه بالفاء لاتصال هذا الإحياء بذلك الموت ، بخلاف الإماتة والإحياء الثانى والرجوع . فإنهن متراخيان بعض عن بعض ، فكان العطف بثم . أما التراخى بين هذا الإحياء الأول والإماتة فظاهر . وأما التراخى بين الإماتة والإحياء الثانى فإن جعلنا الإحياء الثانى هو الإحياء من القبر فظاهر أيضاً . وإن جعلناه هو الإحياء فى القبر فظاهر أيضاً ، لأن بين الإماتة وتسوية التراب عليه فى القبر مدة ، وأما الرجوع إلى الجزاء فمتراخ عن الإحياء فى القبر ، ومتراخ عن الإحياء منه ، فإنا إذا فسرنا الرجوع إلى الجزاء بدخول الجنة أو النار كان التراخى ظاهرا ، وإذا فسرناه بالحصول فى الموقف أو بالشروع فى الحساب فقد حصلت مدة أيضاً بين الإحياء منه ، وبين ذلك ، وكذلك إذا فسر بالإحياء من القبر فإن بينه وبين الإحياء فيه مدة البرزخ هم فيها موتى . { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } لآجالكم ، وذلك أن مواد الأبدان قابلة للجمع والحياة وتعاقب الافتراق والاجتماع والموت ، والحياة عليها يدل على أنها قابلة لها بالذات ، وما بالذات يأبى أن يزول . { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } فى قبوركم للسؤال عن الإيمان بالله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبالبعث . ولك أن تقول المراد بهذا الإحياء الشامل لهما ، أو هما مرتبطان متصلان فى الانقطاع عن الدنيا ، فلا يرى ، والسؤال بأنه ترك ذكر أحد الإحياءين وهم ثلاثة ، فلم قال فأحييتنا اثنتين . كما قال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد المراد إحياء البعث . وكذا قال الكلبى . وهو المختار والمتبادر . { ثُمَّ إِلَيْهِ } لا إلى غيره . { تُرْجَعُونَ } للجزاء بأعمالكم . وهو من رجع الثلاثى المتعدى ، أو من اللازم المدخل عليه همزة التعدية ، وقرأ يعقوب فى جمع القرآن ترجعون ، بفتح التاء وكسر الجيم ، وما ذكره الله فى الآية هو أمر العامة ، المذكور فى قوله جل وعلا { ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } وأما خواص من الناس فقد أميتوا ثم أحيوا ثم أميتوا ، وسيبعثون كالسبعين الذين مع موسى عليه السلام فى قول . وكعزير ، وكالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ، وصاحب بقرة بنى إسرائيل ، ومن يحيى عيسى بإذن الله - عز وعلا - وإن قلت المعطوف على الحال حال ، والمتعاطف فى حكم المعطوف عليه { فَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً } حال بلا واسطة ، والجمل بعده أحوال بوسائط العواطف ، وبعض ذلك ماض ، وبعضه مستقبل ، والحال حاضر . قلت تكون الحال ماضية باعتبار زمان عاملها ، وحاضرة مقارنة له ومستقبلة . والآية من الأول والثالث ، أى كيف تكفرون بالله الآن ؟ وقد كنتم فيما مضى أمواتاً فأحدث فيكم الحياة ؟ ثم يميتكم فى المستقبل ويحييكم وترجعون إليه ؟ ولك أن تقول هى من الثانى على التأويل بالعلم ، أى كيف تكفرون بالله وأنتم عالمون بأنكم كنتم أمواتاً ؟ وأنه أحياكم وأنه سيميتكم وأنه سيحييكم وأنكم سترجعون إليه ؟ أى ما أعجب كفركم ، مع علمكم بذلك ، بل لو قيل الحال أبدا حاضرة لصح على التقدير بالعلم ، أما من المتكلم أون من صاحب الحال أو من غيرهما سواء ماضية أو مستقبلة أو على التقدير بنحو قولك ناويا أو مقدرا أو منويا أو مقدرا أو نحو ذلك ، إذا كانت مستقبلة وصحت الحاضرة بلا تأويل . وإن قلت لم يعلموا أنه سيحييهم ويرجعون إليه لإنكارهم البعث . قلت نعم لكن لما أوضح لهم الدلائل على البعث نقلية وعقلية ، حتى كأنهم عالمون ، بل قد علم كثير وعاند ، ولا سيما أن فى الآية نفسها ذكر الحجة ، وهو أنه أحياهم الإحياء الأول وليس بأشد من الثانى ، بل الثانى أهون بالنظر إلى العادة وبادئ الرأى ، ولو كان سواء عند الله . فكأنه قيل كيف وقعتم فى الكفر ، مع هذه الدلائل المانعة منه ؟ أو كأنه قيل كيف كفرتم مع هذه النعم العظام التى من شأنها أن تشكر ولا تكفر ؟ وهى الإحياء الأول والثانى والإماتة بينهما ؟ … فبقدر عظم النعمة يشتد قبح المعصية أو كأنه قيل كيف تكفرون مع هذه النعم التى هى دلائل ؟ وإنما عد الإماتة والإحياء الثانى من النعم المقتضية للشكر لأنهما وصلة إلى البقاء الدائم النافع لمن عمل له . وهو البقاء فى الجنة . كقوله { وإن الدار الآخرة لهى الحيوان } مع أن يجوز كون المعدود من النعم هو المجموع لا الجميع ، فلا إشكال فى أن النعمة الإحياء الأول . ويجوز كونه هو العلم بهذه الدلائل ، فالخطاب للكفار كما مر ، أو لهم وللمؤمنين . أى كيف تكفرون يا هؤلاء الكفرة وترجعون إلى الكفر يا هؤلاء المؤمنين مع هذه النعم والدلائل الصارفة عنه ؟ أو للمؤمنين أى كيف يصدر منكم الكفر معها ، أو كيف يصدر منكم وكنتم أمواتا ، أى جهالا فأحياكم بما أفادكم من العلم والإيمان ، ثم يزيل عنكم الروح ثم يردها إليكم بالبعث ، فيثيبكم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، بل ما اطلعتم عليه .