Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 284-284)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ للّهِ مَا فِى السَّماواتِ وما فِى الأرْضِ } لأنه خلقه وملكه . { وإنْ تُبْدُوا } تظهروا . { مَا فى أنْفُسِكُم أوْ تُخْفُوه } من العزم على الذنب بعمل الجوارح له ، أو نطق اللسان له ، ويدل على أن المراد الذنب قوله { يُحاسِبْكُم بهِ اللّهُ فيَغْفِرُ لمَنْ يَشاء } المغفرة له بألاَّ يصر . { ويُعذِّبُ مَنْ يَشاءُ } تعذيبه بأن يصر ، وأما ما خطر فى النفس من المعصية ونفاه صاحبه ، أو كان يتردد فيه ولم يعزم عليه ، فلا ذنب فيه ، ورحمة الله سبقت غضبه ، وطرف التردد إلى الترك بغلب طرف التردد إلى الفعل ، وبسطت ذلك فى شرح النيل ، ولا دليل فى الآية على جواز المغفرة لصاحب الكبيرة الميت بلا توبة منها ، كما زعم غيرنا لحديث " هلك المصرون " وقيل ليس المراد بالتعذيب تعذيب الآخرة ، بل تعذيب الدنيا بالمصائب على ما عزم عليه ، ولم يعمله ، سئلت عائشة رضى الله عنها عن هذه الآية وعن قوله عز وجل { من يعمل سوءاً يجز به } فقالت ما سألنى عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة ، حتى البضاعة يضعها فى جيب قميصه فيقعدها فيفزع لها ، حتى إن العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج البر الأحمر من الكير " ، وعن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أراد الله بعبده الخير عجل لهُ العقوبة فى الدنيا ، وإذا أراد به الشر أمسكها عنه حتى يوافيه يوم القيامة " ، وقيل إن الآية فى المحاسبة فى الآخرة على مجرد العزم بحساب الفاعل ، فالعازم كالفاعل ، سواءُ ثم نسخ قال أبو هريرة " لما نزلت الآية اشتدت على أصحاب رسول الله وبركوا على الركب ، وقالوا أى رسول الله كلفنا من الأعمال ما لا نطيق من الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزلت هذه الآية ولا نطيقها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم { سمعنا وعصينا } بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " ، فذلوا لها وأذعنوا ، فنزل { آمن الرسول } إلى قوله { وإليك المصير } فأنزل الله نسخها بقوله { لا يكلف الله } إلى قوله { أو أخطأنا } ، فقال صلى الله عليه وسلم " نعم " فنزل { ولا تحمل علينا } إلى قوله { من قبلنا } فقال " نعم " فنزل قوله { ربنا ولا تحملنا } إلى قوله { فانصرنا على القوم الكافرين } " ، وروى ابن عباس مثل ذلك ، لكنه يقول قد فعلت بدل قوله نعم ، وكذا قال ابن مسعود بالنسخ ، قلت النسخ لا يدخل الأخبار فمراد أبى هريرة بالنسخ أنزل ما فيه السهولة وتبيين ما قيله به ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم " أتريدون أن تقولوا " ، فجواب لهم على ظاهر قولهم ، وانتظار للبيان بعد ، فبين الله ربنا له ، وقيل المراد من الآية الإخبار بأن الله يخبرهم فى الآخرة بما كتموا وما أظهروا ، وأن الله لا يخفى عليه شئ وأنه يغفر ذنوب من يشاء ، ويعاقب من يشاء ، وهو المروى عن ابن عباس ، ويدل له أنه قال سيحاسبكم ، ولم يقل يؤاخذكم فإن الإنسان يحاسب ليظهر له فضل الله عليه فى العفو ، وقيل الآية نزلت فى كتمان الشهادة ، فالمراد ما فى أنفسكم من كتمان ، وأما غيرها فمعلوم بالقياس على ذلك ، وبالآى الآخر والأولى حمل اللفظ على عمومه ، ولو كان سبب نزولها عامة ، هو الكتمان ، وقيل أيضا نزلت فيمن يتولى من المؤمنين الكافر ، فالمراد ما فى أنفسكم من ولاية الكفار ، والأولى ما تقدم ، وتلا الآية عبد الله ابن عمر فقال لئن أخذنا الله بهذا لنهلكن ، ثم بكى حتى سمع نشيجه ، فذكر لابن عباس فقال يغفر الله لأبى عبد الرحمن فقد وجد المسلمون منها مثل ما وجد ، فنزل { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقرأ الأعمش بإسقاط فاء فيغفر فيكون يغفر بدلا من يحاسب ، فإما بدل كل إن أريد بالمحاسبة الجزاء فإن نفس الغفران والتعذيب هو نفس الحساب بمعنى الجزاء ، وإما بدل اشتمال إن أريد تعديد الحسنات والسيئات وقرأ ابن عامر ويعقوب وعاصم ، فيغفر بالفاء والرفع على الاستئناف أو على العطف ، على أن الشرطية وما بعدها ، ولا يصح ما روى عن ابن عمر ومن إدغام راء يغفر فى لام لمن ، لأنه الحسن . { وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَئءٍ قَدِيرٌ } فهو يحيى الموتى ويحاسبهم ويجازيهم ، فمن هو قادر على كل شئ حقيق بأن تتمثل أوامره ، وتجتنب زواجره ، ولذلك عقب ما تقدم بهذا ، وفى كتاب الزجاج لما ذكر الله فى هذه السورة فرض الصلاة والزكاة ، وأمر الطلاق والإيلاء ، والجهاد ، يعنى وغير ذلك ختم السورة بذكر تصديق النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بجميع ذلك إذ قال { آمَنَ الرَّسُولُ … } .