Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 286-286)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إلاَّ وُسْعَها } ضاقت الصحابة ذرعا بما يخطر فى بالهم من الوسوسة فى صف الله سبحانه وتعالى ، ومن الاتهام بالمعاصى ، فنزل هذا فى أنه تعالى لا يؤاخذهم بمجرد الخاطر ، لأنه كتب لهم فيه ولا رضى ، فهذا مع قوله { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } ، من كلام الله معترض بينما قال المؤمنون ، قال ابن عباس وأكثر المفسرين نسخ ذلك حديث النفس لما نزل { وإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه } عج المؤمنون ، وقالوا يا رسول نتوب من عمل اليد والرجل واللسان فكيف نتوب من الوسوسة ، وحديث النفس ، فنزل { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } ، قلت ونزل معه فيما أظن قوله تعالى { لهَا مَا كَسبَتْ } من خير . { وَعَليْها ما اكْتَسَبَتْ } من شر ، لأن معناه لا مؤاخذة بالوسوسة ، لأنه ليس كسبا لها وإنما يجازى بما اكسب أو اكتسب غيره ، أو اكتسابه إلا أن فى تسمية ذلك نسخا بحثا تقدم ، والوسع الطاقة ، والمعنى لا يكلف الله نفسا بما لا يدخل تحت قدرتها ولا يكلف الله نفسا بما يتوقف فصوله على صرف تمام قدرتها ، وإنما يكلف بما يقدر على ما هو أشق منه ، ألا ترى أنهم يطيقون على صوم شهر ويوم أو شهر ويومين وأكثر ، وعلى صلاة أكثر من خمس الصلوات ، وعل أكثر من خمسة دراهم ، وهكذا ومثل الوسوسة فى ذلك ما يفعلى بلا عمل فإن التكليف على الخطأ والنسيان تكليف بما يخرج عن وسع النفس لما طلبوا المغفرة ، قال لهم الله تعالى هى لكم ، وأما ما لا عمد لكم فيه ولا اختيار فليس مما كلفتم به ، فليس من ذنوبكم . ويجوز أن يكون { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } إلى آخره من كلام المؤمنين ، لأن ما قبلهُ وما بعده منهم ، أى وقالوا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، ولك ألا تقدر القول ، كأنهم قالوا كيف لا نسمع ولا نطيع والله لا يكلف إلا طاقتنا ، وأعلم أن التكليف بالمحال غير واقع من الله وغير جائز عليه ، لأنه يستلزم من الظلم ، { وما ربك بظلاَّم للعبيد } والقول بجواز ما لا يجوز على الله مع عدم وقوعه ، والقول بوقوعه سواء فى الكفر والمنع ، فالآية ولو لم تكن نصافى منع ذلك لأنها مجرد إخبار أبانه لم يقع ، لكن انتفاء الظلم عنه تعالى يوجب أن تكليف ما فوق الطاقة غير جائز كما أنه غير واقع ، وكما حملنا { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون } على الوجوب ، مع أن اللفظ إخبار لقرينة وجوب الإيمان ، وأما أن يخلق الله للإنسان أو غيره ما يطبق به على عمل شئ ، وقد سبق القضاء ألا يعمله ، فليس تكليفا بالمحال ، لأنه امتنع باختياره لا بالجبر ، وقرأ ابن أبى عبلة وسعها بفتح الواو ، وإنما نستعمل فى الكسب الخير والاكتساب فى الشر ، لأن النفس مائلة إلى الشر فهى فى تحصيله مجتهدة ، فناسب فيه لفظ اكتسبت لدلالته على العلاج ، وبخلاف الخير فليست مائلة إليه . { رَبَّنا لاَ تُؤَاخِذْنَا إن نَسِينَا } زال عن حفظنا ما وجب فعله فلم نفعله ، أو وجب تركه فلم نتركه ، ودخل فى ذلك ما هو قول أو اعتقاد . { أوْ أَخْطَأْنا } أخطأت إليه جوارحنا أو ألسنتنا ولم نتعمده ، والمعنى لا تؤاخذنا بقلة الاهتمام بأمرك ونهيك بحيث أوصلتنا قلته إلى نسيان أو خطأ ، فاستعمل السبب وهما النسيان والإخطاء مقام السبب وهو قلة الاهتمام والتشمير ، وذلك أن الخطأ والنسيان ليس ذنبا ، فكيف نطلب فيهما العفو ، فظهر أنه تعالى أراد سببه ويجوز أن يكون ذلك لشأن الذنب للتلويح إلى أن الأصل فى ترك الواجب تعظيما ، أو فعل الحرام الهلاك ، ولو فعل أو ترك نسيانا أو خطأ كما أن السم قاتل ، ولو أكل خطأ أو نسياناً ، وكما لزم المال بالنسيان والخطأ فى الضمان حيث يلزم ، ولكن الله بفضله عفى عمن من نسى أو أخطأ ، فنكون فى ذلك ندعوا فيما علمنا أنه لا مؤاخذة به تعبدا وشكرا أو اعترافا بفضله كقوله { رب احكم بالحق } وقوله { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } ومثل ذلك أن ترى الذم فى ثوبك فتؤخر غسله إلى وقت الصلاة ، فتنساه أو تغسل موضعاً آخر ، وقيل كان بنو إسرائيل يؤخذون بالنسيان والخطأ فأمرنا أن ندعوا بذلك وأجيب لنا ، قال صلى الله عليه وسلم " عفى عن أمتى الخطاء والنسيان " ، وقيل كان الصحابة لشدة خوفهم كرجائهم كانوا ربما أصدر منهم ما لا ينبغى نسياناً أو خطأ ، وكانوا بدعون بذلك ، وقيل المراد بالنسيان الترك عمدا وبالإخطاء غير العمد ، ففى الخطأ ما مر ، وقيل النسيان ظاهره ، والإخطاء ما جازت الشريعة الإقدام عليه بظن ، فيخرج الغيب بالخلل أو لم يخرج ، وظن أنه بالخلل ، كمن صلى بالغيم فيخرج أنه صلى قبل الوقت أو بعده أو لم يخرج ، فلا عقاب عليه ، وقيل المراد ترك الطاعة عمدا والخطأ فعل المعصية عمدا ، وقيل النسيان عدم تعمده ترك الطاعة ، والخطأ عدم تعمد فعل المعصية . { رَبَّنا ولاَ تَحْمِلْ عَليْنَا إصْراً } العطف على جملة محذوفة بعد النداء ، أى ربنا استجب لنا فى قولنا { لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ولا تحمل علينا إصراً } وكذا يقدر فى قوله { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } أى ربنا استجب لنا فى قولنا ، { ربنا ولا تحمل علينا إصرا } ، ويجوز أن يكون النداء فى الموضعين تأكيدا للأول ، ولو قلنا منصوب فيهما على الاختصاص فيكون الوقف على قوله { ربنا } فى الموضعين ، وذلك أن الاختصاص كما يكون إذا لم يعلم من ألقى إليه الكلام ، يكون إذا علم كما هنا ، فقوله { ربنا } قبل قوله { ولا تحمل علينا } ، تخصيص بضمير لا تؤاخذنا . وقوله { ربنا } قبل قوله { ولا تحمِّلنا } تخصيص للضمير فى قوله { ولا تحمل } وفى ذلك توكيد وتلذذ بذكر الله تعالى ، والإصر الحمل الثقيل ، سمى بإصر صاحبه ، أى يحبسه فى مكانه ، يقال أصره يأصره أى حبسه ، والمراد التكاليف الشاقة ، كان الواجب على بنى إسرائيل خمسين صلاة وربع أموالهم فى الزكاة ، وقطع موضع النجس من الثوب أو البدن ، وتعجيل العقوبة على النسيان فى الدنيا ، وتحريم بعض الحلال عقوبة لهم إذا قارفوا ذنباً ، وكانوا يمسخون ويكتب ذنبهم على جباههم وأبوابهم إذا أخفوه ، ويقتل القاتل لا دية ولا عفو ولا صلح وغير ذلك من الأثقال . فقال المؤمنون { ربنا ولا تحمل علينا إصرا } . { كَمَا حَملْتهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا } وهم بنو إسرائيل ، وقيل الإصر العهد الثقيل والميثاق الغليظ ، وقيل ذنب لا توبة له ، سأل المؤمنون ربهم أن يعصمهم من ذلك فعصمهم ، ، وقرأ أبى ولا تحمل بتشديد الميم وضم التاء وفتح الحاء للمبالغة الراجعة للدعاء ، وقرأ أصارا بهمزة مفتوحة بعدها ألف وفتح الصاد بعد ألف جمع إصر ، وكما حملتهُ متعلق بتحمل قبله أو بمحذوف نعت لإصر أو الكاف اسم نعت لإصر أو بمحذوف نعت لمفعول مطلق محذوف ، أى حملا ثابتاً كحملك له على الذين من قبلنا أو الكاف مفعول مطلق ، أى حملا مثل ما حملته ، وما فى ذلك كله اسم أو حرف مصدر إلا عند النعت للإصر ، فاسم وعند المفعول المطلق فحرف وما عائدة للإصر وإن قدرت كالحمل الذى وقعت على الحمل ، والهاء عائدة إلى ما ، وإذا كانت ما حرفا عادت الهاء إلى الإصر . { ربَّنا ولا تُحمَلْنا ما لاَ طَاقَة لَنَا بِهِ } ما قبل هذا فيما فيه الطاقة ، لكنه ثقيل ، وهذا فيما خرج عن الطاقة ، وذكروه مع أنه غير جائز على الله اعترافاً بتسهيل الله ، فهو فى العبادة ، أو ما قبل هذا فى أمر الشريعة ، وهذا فى العقوبة فى الدنيا ، والمصائب ، وقيل هذا تكرير لما قبله والتشديد هنا للتعدية ، تقول حملت الشئ بالتخفيف وحملنيه الله بالتشديد ، أى صيرنى حاملا إياه ، وقيل هذا فى هذا حديث النفس ، وقيل شدة الاشتياق إلى الجماع ، وقيل شماتة الأعداء ، وقيل الفرقة والقطيعة ، وقيل المنسخ نعوذ بالله من ذلك كله ، ولعل ذلك تمثيل من قائله لا تفيد . { واعْفُ عَنَّا } امح ذنوبنا عنا ، أى أزل المؤاخذة بها عنا من قولك عفت الريح الأثر إذا أزالته . { واغْفِرْ لَنا } أى استر ذنوبنا لا تؤاخذنا بها ، فهو تأكيد لما قبله ، ويجوز ، أن يكون أعف بمعنى امح ، لا تؤاخذنا بها واغفر بمعنى استر ، لا تفضحنا بها ، لأنه من الجائز ألا يؤاخذ أحدا بالذنب ولكن يظهره عليه . { وارْحَمْنا } أنعم علينا برضاك والجنة . { أنْتَ مولانا } سيدنا ، ونْحن عبيدك ، أو أنت ناصرنا أو متولى أمورنا . { فَانْصُرْنا } بسبب أنَّا عبيدك ، ومن شأن السيد نصر عبيده . { عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ } مشركين أهل الكتاب وغيرهم ، من المجوس ومشركى العرب وغيرهم قال المسلمون ذلك . فقال الله قد نصرتكم . اللهم ببركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ، وببركة هذه السورة اخز النصارى وسائر المشركين ، وأهنهم واكسر شوكتهم ، وغلب المسلمين وجملة الموحدين عليهم . صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم . روى أن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفى سنة ، فوضعه تحت العرش ، فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا تقرآن فى بيت فيقربه الشيطان ثلاث ليال { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } إلى آخر السورة . رواه الشيخ هود والترمذى ، ونسبه الترمذى للنعمان ابن بشير مرفوعا ، وعن الحسن فيما من الله به على النبى صلى الله عليه وسلم ألم أعلمك خواتم سورة البقرة ، وعنه صلى الله عليه وسلم " أنزل الله تعالى آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده " أى خلق كتابتهما قبل أن يخلق الخلق بألفى سنة وقرأهما بعد العشاء الآخر أجرتاه عن قيام الليل ، قال أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصارى عنه صلى الله عليه وسلم " من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة فى ليلة كفتاه قيل من كل دابة وشيطان ، وقيل من كل آفة وقيل من قيام الليل ، وقيل حسبه بهما أجرا " ، وروى أنه أعطى صلى الله عليه وسلم خواتم سورة البقرة عند سدرة المنتهى ليلة الإسراء ، وعن ابن عباس " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده جبريل عليه السلام ، إذ سمع نقيضاً من فوقه ، فرفع جبريل بصره . إلى السماء فقال هذا باب من السماء فتح اليوم ولم يفتح قط إلا اليوم . فنزل منه ملك فقال هذا ملك نزل الأرض لم ينزل قط إلى اليوم ، فسلم وقال أبشروا بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبى قبلك فاتحة الكتاب وخواتم سورة البقرة . لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته " وعن على ما أظن أحدا أعقل وأدرك الإسلام ينام حتى يقرأهما والله أعلم .