Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 41-41)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ } وهو القرآن ، أفرد الإيمان به بالذكر مع دخوله فى قوله { أوفوا بعهدى } لأنه المقصود والعمدة فى الوفاء بالعهد . { مُصَدِّقاً } حال من ما ، أو من الهاء المقدرة ، تقديرها أنزلته . { لِّمَا مَعَكُمْ } من التوراة والإنجيل وسائر ما عندكم من كتب الله . فإن القرآن مصدقاً لما فى التوراة ، وكتب الله من الأصول كالتوحيد والنبوة ، وفى كثير من الأحكام والقصص ، والوعد والوعيد ، والأمر بالعبادة ، والعدل بين الناس ، والنهى عن الصغائر والكبائر . وأما ما خالف فيه من الأحكام فهو أيضا فى معنى الموافقة ، لأن كلا أنسب بعصره وأهل عصره ، لتفاوت الأعصار وأهلها ، فقد اتفق فى مراعاة الأعصار وأهلها وصلاحهم . ولو نزلت التوراة فى زمان سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أو نزلت عليه لكانت وفق القرآن . ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعى " رواه أحمد وغيره ، وإنما قيد المنزل وهو القرآن بكونه مصدقاً لما معه ، تنبيهاً على أن اتباع ما معه لا ينافى الإيمان بالقرآن بل بوجبه ، ولذلك قال { وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرِ بِهِ } فإن قوله هذا تعريض بأن الواجب أن يكونوا أول من آمن به ، لأنهم قد علموا به فى التوراة والإنجيل وغيرهما ، ولأنهم أهل النظر فى معجزاته ، والعلم بشأنه ، والمستفتحين به ، على مشركى العرب والمبشرين بزمانه ، وما كان من الكلام بطريق التعريض ، يكون معناه ما لوح به المراد إليه لفظه ، فليس معنى الآية النهى عن أن يكونوا سابقين إلى الكفر ، إذ لا معنى لنهيهم عند ذلك ، بعد أن سبقهم مشركو العرب إليه ، بل ذلك تعريض مجرد عن معنى ظاهر اللفظ ، كقولك لمن رأيته ظالما بفعل أو قول لا تكن ممن يعذبه الله بالنار ، لحقوق عباده ، تريد نهيه عن الظلم . وقولك للمسىء أما أنا فلست بمسىء ، تريد إخباره بأن فعله أو قوله إساءة ، ويجوز ألا تكون الآية من التعريض . فيكون المعنى ولا تكونوا أول كافر من أهل اكتاب بالقرآن . فالهاء عائدة إلى ما مر من قوله لما معكم ، وقيل عائدة إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وذلك لأنهم إذا كفروا بالقرآن فقد كفروا بما معهم من التوراة وغيرها ، فنهاهم عن الكفر بما معهم ، لأن النهى عنه نهى عن الكفر بالقرآن ، وكذا العكس لاتفاقهما ، ومن سبق فى الكفر كان عليه مثل إثم جميع من اتبعه ، أو اتبع من اتبعه إلى يوم القيامة ، قال الشيخ هود - رحمه الله - ولا تكونوا أول كافر به ، يعنى قريظة والنضير ، لأن نبى الله قدم عليهم المدينة ، فعصوا الله ، وكانوا أول من كفر من اليهود ، ثم كفرت خيبر وفدك ، وفتتابعت اليهود على ذلك ، من كل أرض . أى فكأنه قيل اتركوا كونكم أول كافر . أو قال لباقيهم فى القرية السابقة فى الكفر لا تكونوا أول كافر ، أى لا تتموا كون أهل بلدكم أول كافر به ، أو المعنى لا تكونوا يا أهل الكتاب مثل أول كافر بالقرآن من مشركى العرب ، فتستووا بهم جهلا مع تقدم التوراة وغيرها لكم ، فحذف المضاف ، أو حذفت فى الكاف عن التشبيه البليغ ، كقولك لا تكن مع أخيك أسداً ، وإنما أخبر بأول كافر وهو مفرد عنهم الواو ، وهو ضمير الجماعة . لأن المراد بكافر القوم أو الفريق أو الفوج أو نحو ذلك ، ما لفظه مفرد ، ومعناه جمع . قال ابن هشام إن أضيف اسم التفضيل إلى نكرة وحد وذكر هو وطابقته هى نحو الزيدان أفضل رجلين . والزيدون أفضل رجال ، وهند أفضل امرأة . فأما { ولا تكونوا أول كافر } ، فالتقدير أول فريق كافر به … انتهى . قال الفراء وجدت أنها فى معنى الفعل أى أول من كفر . وقال محمد بن مسعود فى البديع النكرة المضاف إليها اسم التفضيل ، يجب إفرادها . نحو أنتما أفضل رجل ، وأنتم أفضل رجل . ومنه ولا تكونوا أول كافر به . وذلك هو القياس ، لأن النكرة تمييز له ، وقد خفضت بالإضافة ، فأشبه مائة رجل وقد أجازوا قياساً لا سماعا ، أن تثنى وأن تجمع … انتهى . والمشهور وجوب المطابقة فتأول الآية بنحو ما قال ابن هشام ، أو بأن المراد لا يكن كل واحد منكم أول كافر به ، فيكون ذلك كلية لا كلا ، كقولك كسانا حلة ، أى كسا كل واحد منا حلة . وأول اسم تفضيل كما علمت من كلام ابن هشام ، لكن لا فعل له . وقيل أصله أوءل بهمزة بعد الواو ، أبدلت واوا ، وأغمت فيها الواو . وذلك لإبدال تخفيف غير قياسي ، والفعل وال بهمزة مفتوحة بعد الواو ، وياء أى لجا أو سبق ، كوعد بعد وقيل أصله أأول بهمزة بين همزة أفعل ، والواو فقلبت واو ، أو أدغمت فيه الواو بعدها ، والفعل ال يؤول بمعنى رجع وصار إلى كذا وكذا ، وكل شىء يرجع إلى أوله ، وهذا القلب تخفيف غير قياسى كذلك ، وقال الكوفيون هو فاعل من وال فقدمت الهمزة إلى موضع الفاء ، وزيدت الواو وأدغمت ، فوزنه على لفظة عفول وقال بعضهم هو فاعل من وول قلبت الواو الأول همزة ، وزيدت بعددها واو وأدغمت . ويرد القولين استعماله بمن التفضيلية ، وتصريفه كتصريف اسم التصريف ، قال الشيخ خالد وأصل أول على الأصح أوال ومعناه أسبق ، فهو اسم تفضيل ممنوع الصرف ، لوزن الفعل ، والوصف بصرف إذا كان بمعنى قيل ، ومنه قولهم أولا وآخرا . { وَلاَ تَشْتَرُوا بِأَيَاتِى ثَمَناً قَلِيلاً } أى لا تستبدلوا بآياتى التى فى التوراة وغيرها الدالة على محمد ، ونعته عوضاً يسيراً من الدنيا ، تكتموها أو تمحوها أو تحرفوها بالتأويل أو بالتبديل ، فتأخذوا على ذلك الكتم أو التحريف أو التأويل أو التبديل عوضا ، وذلك أن اليهود كرهوا انتقال النبوة ، من ولد هارون إلى ولد إسماعيل ، فكان علماؤهم مثل كعب بن الأشرف ومن تقدم ذكره أول السورة يسعون فى إخفائها وإزالتها عن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ويكرمون على ذلك . وقيل كان علماؤهم يأخذون من عامتهم وسفلتهم فى كل عام شيئاً معلوما ، من زرعهم وثمارهم وأنعامهم وهدايا ، فخافوا أن يبينوا صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يتبعه اليهود ويتركوهم فتفوتهم تلك المآكل ، ففعلوا ذلك المذكور من الكتم أو ما بعده . وقيل كانوا يحرفون ما صعب من حكم الله لملوكهم وعظماتهم ، ولمن هووه بالتأويل أو بتبديله بما يسهل ، أو يكتمونه أو يمحونه ، فيكرمون على ذلك . وقال الحسن كانوا يزيدون فى التوراة ما ليس فيها ويكتبونه . ويأخذون على ذلك مالا ، مثل قوله تعالى { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا } وقيل كانوا يأخذون الرشا فى حكمهم بين الناس ، فيحرفون الحق ويكتمونه . وقيل كانوا يعلمون دينهم بالأجرة فنهوا عن ذلك . وفى كتبهم علم مجانا كما علمت مجانا ، أى بلا أجره ، وقال قوم الآية نهى عن المعاصى كلها ، لأن من تبع هواه وارتكب معصية ، كان بائعا لدينه بما ارتكب ، فالثمن القليل وما يجنونه من لادنيا ، ومالو إليه وتركوا حكم الله - جل وعلا - فيه . والأوجه السابقة قبل هذا . والأول مانع من حمل الآية على تلك الأوجه السابقة دفعة ، وليس قوله { ثَمَنَاً قَلِيلاً } قيد مجيز للاشتراء بالثمن الكثير بل هو لبيان الواقع ، لأن الدنيا كلها قليل فيما يأخذونه شىء قليل جداً ، من شىء قليل . ولو كان فى حد ذاته كثيراً ففى ذلك تلويح بأن الكثير هو الآخرة . فالدنيا وإن كثرت وعظمت ، قليلة بالنسبة إلى نعيم الآخرة ، فأقل قليل من نعيم الآخرة أفضل وأكثر لذاته ولدوامه ، وإنما فسرت الاشتراء بالاستبدال لمكان قوله { ثَمَنَاً قَلِيلاً } وقوله { بِأَيَاتِى } فإن الثمن لا يكون مشترى ، وإنما يكون مشترى به ، والياء لا تدخل على الثمن ، بل على الثمن شبه استبدال الرئاسة ، التى كانت لهم بآيات الله باشتراء الشىء بالشىء ، وأعار له لفظ الاشتراء إعارة تحقيقية أصلية تصريحية ، واشتق من لفظ الاشتراء المعار لفظ تشترى على طريق الاستعارة التصريحية التحقيقية التبعية ، والقرينة التعبير عن المشترى بلفظ الثمن ، فإن الاشتراء الحقيقى لا يكون فيه المشترى ثمنا فيه ، تعلم أن الاشتراء بمعنى الاستبدال ، والياء تدخل فى الاستبدال على العوض والمعوض عنه . { وَإِيَّاىَ فَاتَّقُونَ } احذروا عصيانى فى أمر محمد أو فى الحق ، أو احذروا عقابى على ذلك ، فآمنوا به ، واتبعو الحق ، وأعرضوا عن الدنيا ، ولا تشتروها بآياتى . ذكر هناك الرهبة وهنا التقوى ، لأن الآية التى فيها الرهبة مشتملة على ما هو كالمبدى لما فى الآية الثانية التى فيها التقوى والرهبة مقدمة التقوى ، لأن الرهبة خوف مع حزن ، واضطراب لوعيد بالغ كما مر ، والتقوى الحذر ما خيف منه ، أو جعل النفس فى الوقاية منه ، ولأن الأولى خطاب للعالم والمقلد فأمرهم فيها بالرهبة التى هى مبدأ السلوك ، والثانية خطاب للعالم فأمر فيها بالتقوى ، التى هى منتهى السلوك ، فان الإنسان يرهب الوعيد على المعصية ، فيقلق منه فيحذرها لئلا يقع فيها .