Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 42-42)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالبَاطِلِ } عطف على ولا تشتروا بآياتى ثميناً قليلاً ، أى لا تخلطوا الحق الذي هو التوراة ونحوها ، بالباطل الذى تفترونه أنتم وغيركم أو أسلافكم ألا تقرءوه فى قراءة التوراة ونحوها ، ولا تكتبوه فى كتابتها ، ولا تأولوها به ، فإنهم إذا فعلوا ذلك التبس الحق بالباطل ، أى اختلط به حتى يشتبها ولا يميز بينهما الجاهل والعامة ، والباطل هو تغييرهم الأحكام الصعبة بسهلة ، وتبديلهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم بغيرها ، كما روى أنه لما بعثه الله عز وجل حسده اليهود وقالوا ليس هو الذى ننتظره ، وإنما هو المسيح بن داود يعنون الدجال ، وكما روى أبو العالية أن اليهود قالوا محمد نبى مبعوث لكن إلى غيرنا ، فإقرارهم ببعثه حق ، وقولهم إلى غيرنا باطل ، وكما قال قوم من اليهود والنصارى إنه رسول إلى العرب خاصة ، فقولهم إلى العرب خاصة باطل ، وقيل معنى الآية لا تلبسوا الإسلام باليهودية والنصرانية ، والباء للتعدية والإلصاق كما رأيت ، وهو أكثر وأظهر كقولك خلطت الماء باللبن ، ويجوز كونها للاستعانة أو السببية ، أى لا تجعلوا الحق بسبب خلط الباطل به غير متميز عنه ، أو لا تستعينوا بخلط الباطل معه على خفائه وعدم تميزه . { وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ } على الجهلة والعامة ، وهو أحكام الله عز وجل ، وصفة محمد صلى الله عليه وسلم . { وَأنتُم تَعْلَمُونَ } إنما أنزل الله من الأحكام ، وصفة محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق ، أو تعلمون أنكم كاتمون لابسون ، والجملة الاسمية حال ، وفيها إشعار بتغليظ الذنب على من وقع فيه من العلم بأنه ذنب وأنه أعصى من الجاهل ، وأن استقباح اللبس والكتم ازداد بالعلم ، فإنهُ أقبح ، إذ الجاهل قد يعذر فى بعض المواضع وصورته صورة عذر ولو لم يعذره الله ، ولو كان عذاب الجاهل أضعاف عذاب العالم ، لأنه ضيع فرضين فرض العلم وفرض العمل به ، والعالم ضيع فرضاً واحداً وهو العمل ، هذا ما ظهر لى فى القياس وهو كذلك فى بعض روايات قومنا ، وقد يقال عذاب العالم أضعاف عذاب الجاهل ، لأنه أعظم تهاوناً ، إذ علم بأمر عظيم فتهاون به ، ولأنه أكثر نعمة بالعلم ، فالشكر عليه أعظم وجوباً ، فقد روى الربيع بن حبيب عن أبى عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويل لمن لم يعلم ولم يعمل مرة ، وويل لمن يعلم ولم يعمل مرتين " وله رواية أخرى أكثر مضاعفة ، وهى " ويل لمن لم يعلم ولم يعمل سبع مرات ، وويل لمن لا يعلم مرة واحدة " ويمكن الجمع بين الروايتين بأن لفظ مرة ومرتين فى الأولى من كلام الصحابى الراوى ، بأن يكون قد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ويل لمن لم يعلم ولم يعمل ولم يقل مرة ، فحمله الراوى على الويل الواحد ، إذ لا دليل على أكثر ، ويقول ويل لمن لم يعلم ولم يعمل ، ويل لمن يعلم ولم يعمل ذكره مرتين ولم يذكر مرتين ، فحمل ذكره مرتين على الكثير وهو السبعة كما بينته الرواية الثانية ، فكأن الراوى قال إنهُ صلى الله عليهُ وسلم قال مرة واحدة ويل للجاهل ، وقال مرتين ويل للعالم ، غير العامل ، وكثيراً ما تذكر التثنية أو يكرر اللفظ بعطف أو دونهُ ، فيراد الكثير نحو قولك علمته الكتاب بابا بابا ، أو مسألة مسألة ، وجاءوا رجلا رجلا ، ودخلوا الأول فالأول ، وزيد يحيا مرة بعد أخرى ، ولبيك وسعديك وحنانيك ، قال الله تعالى { كرتين } وقولك جاءت الستة اثنين اثنين ، ولا يخفى أن الخطاب فى الآية ، ولو كان لبنى اسرائيل لكن هم وغيرهم فيه سواء ، فعلى كل أحد ألا يلبس الحق بالباطل ولا يكتمه ، وقوله { تكتموا } مجزوم عطفاً على تلبسوا ، أى ولا تكتموا الحق ، أو منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد الواو ، الجمعية الواقعة بعد النهى كالنصب فى لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، أى لا يكن منكم لبس الحق بالباطل وكتمانه ، أى لا تجمعوا بين اللبس والكتم ، لكن ليس المراد جواز إفراد أحدهما ، بل المعنى انتهوا عن هاتين الخصلتين الشنيعتين اللتين تجمعون بينهما ، وفى هذا الوجه نهى عليهم بالجمع ، بخلاف وجه الجزم ، ولو كان أبلغ فى النهى ، ويدل على النصب قراءة عبدالله بن مسعود { وتكتمون } بإثبات النون ، وكذا كان يقرأ . فلو كان معطوفاً على مدخول لا الناهية لحذف النون ، ولما أثبتها علمنا أنه غير معطوف عليه ، فهو فى قراءته حال لازمة ، لأن لبس الحق بالباطل أبداً فيه كتم له ، وهذا على قول من أجاز مجئ الحال جملة فعلية فعلها مضارع مثبت مجرد من قد والسين وسوف ، مقرون بالواو ، أو خبر لمحذوف ، والجملة حال على القول بالمنع ، أو هو مستأنف . والله أعلم . قالوا من كتب قولهُ تعالى { يا بنى إسرائيل } إلى { تعلمون } فى خرقة من ثوب صبية لم تبلغ الحلم ليلة الاثنين عقب خمس ساعات من الليل ثم وضعها على صدر أمراة نائمة أخبرت بما علمت إن شاء الله .