Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 45-45)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَاسْتَعِينُوا } اطلبوا المعونة على ذكر النعمة يا بنى إسرائيل ، والوفاء بالعهد والإيمان بالقرآن ، وترك الكفر وترك شراء الثمن القليل بالآيات ، وعلى الرهبة والتقوى ، وترك لبس الحق بالباطل ، وعدم كتم الحق وعدم نسيان أنفسهم . { بالصَّبْر } تعاطى حبس النفس على ما تكره من مطلق العبادة ، والعزم على حبسها وتعاطى حبسها عن الأشياء التى تستلذها ولو مباحة . { وَالصَّلاةِ } الصلوات الخمس ، وصلاة النفل فإن الصلاة ولو نفلا تنهى عن الفحشاء والمنكر من حب الجاه والرياسة ، وكتمان الحق وسائر المعاصى ، لأن من أركانها الخشوع وقراءة القرآن المذكِّر بالآخرة ، المزهد فى الدنيا الداعى إلى الإعراض عن المال وترك الشره ، ولأنها تنفى الكبر لما أمروا بما يشتق عليهم من الكلفة ، وقد رسخوا فى غيره أمروا بالاستعانة بهما عليه ، وإنما خرجت الخطاب لبنى إسرائيل لأن الكلام عليهم قبل وبعد ، وهم لم ينكروا أصل الصلاة ، ولكن صلاتهم خالفت صلاة المؤمنين ، فأمروا بأن يصلوا صلاة المؤمنين ، وأن يستعينوا بها وأمروا بالإسلام أولا ، فلا يقال كيف يقال لهم استعينوا بالصبر والصلاة فى أمر محمد وهم ينكرونه ؟ وقيل الخطاب للمؤمنين أى استعينوا على أموركم الدينية والدنيوية من دفع مكروه وجلب محبوب ، بحبس النفس على ما تكره من العبادة ، وقهرها بالإذلال والتواضع وعما تشتهى ولو مباحاً ، وذلك الصبر . وبالصلاة وإنما أفرد بالذكر مع دخولها فى الصبر على العبادة لعظم شأنها وشدة تأثيرها ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر بادر بالصلاة ، وروى فزع إلى الصلاة ، رواه أحمد وغيره ، وحزبه بالحاء المهملة والزاى المعجمة والباء الموحدة ، أهمه ونزل به ، وروى أن ابن عباس لما نعى إليهِ أخوه قثم وهو فى سفره قال إنا لله وإنا إليه راجعون ، وتنحى عن الطريق فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام إلى راحلته وهو يقول استعينوا بالصبر والصلاة ، وأيضاً أفردها بالذكر لأنها جامعة لأنواع العبادات النفسية والبدنية والمالية ، أما النفسية فالتفكر فيما يتكلم به فيها من القرآن وغيره ، والنية ومجاهدة الشيطان ومناجاة الله . وأما البدنية فاستعمال لسانه فى التكلم بذلك خصوصاً فى كلمتى الشهادة ، وجوارحه فى الرفع والخفض والمكث فى القيام والجلوس والركوع والسجدتين وما بينهما ، والاستقبال فى كل ذلك ، والكف عن شهوة الفرج والبطن ، والتطهير وستر ما يجب ستره فى الصلاة ، وأما المالية فالماء واللباس . وقال مجاهد الصبر هنا الصوم ، ومنه قيل لرمضان شهر الصبر ، لأن الصوم حبس النفس عما يفسده ، وخصه لأنه يكسر الشهوة ويصفى النفس ويزهد فى الدنيا ، وهو مناسب للصلاة فى التصفية والكف عن أشياء تحل فى غيرهما ، وقيل استعينوا بالصبر على طاعة طلب ورضوان الله ، وبالصلاة على حط الذنوب ومصائب الدهر . وقال مقاتل استعينوا بالصبر والصلاة على طلب الآخرة ، وقيل على حوائجكم إلى الله تعالى ، وقيل على البلاء . وقيل الصبر على بابه والصلاة الدعاء كقوله تعالى { إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله } لأن الثبات هو الصبر وذكر الله هو الدعاء . { وَإِنَّهَا } أى الصلاة لأنها أقرب مذكور فلا يعاد الضمير إلى غيرها بلا دليل ، وإن أعيد إلى ما يشملها جاز مرجوعاً مثل أن يعاد إلى الاستعانة المفهومة من قوله { استعينوا } فإن الأصل فى الضمير أن يرجع إلى مذكور تصريحاً لا إلى مفهوم ، والمعنى على هذا الوجه ، وأن الاستعانة بالصبر والصلاة ومثل أن يعاد على العبادة ، لأن الصبر والصلاة عبادة ، فإن الأصل فى الضمير العود على مذكور تصريحاً كما مر ، ومثل أن يعاد إلى الأوامر والنواهى المذكورة كأنهُ قيل إن الأوامر والنواهى المذكورة ، أو إلى الجملة كأنه قيل وإن الجملة المذكورة ، ومعنى هذين الوجهين واحد وهو ما ذكر من ذكر النعمة والإيماء بالعهد وما بعدهما إلى قوله { وأنتم تعلمون } فإن الأصل فى الضمير العود إلى صريح كما مر ، والأصل فى مثل هذا الضمير العود لمفرد مؤنث تحقيقاً لا عودة إلى مفرد مؤنث تأويلا كتأويل ما ذكر بالجملة ، أو بالجماعة فظهر أن الراجح ما ذكرته لك من عودة إلى الصلاة وإفرادها بالضمير عن الصبر ، لعظم شأنها وتضمنها أنواعاً من الصبر ، كأنه قيل وإن الصلاة . { لكَبِيرَةٌ } ثقيلة ومن شأن الثقيل حصول المشقة فى تحمله ، فالصلاة شاقة ، روى ابن المبارك فى رقائقه أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البنانى عن صلت بن أشيم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى صلاة لم يذكر فيها شيئاً من أمر الدنيا لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه " وأسند ابن المبارك عن عقبة بن عامر الجهنى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من توضأ فأحسن وضوءه ، ثم صلى صلاة غير ساه ولا لاه كفر عنه ما كان قبلها من شىء " . وفى البخارى عن عثمان أنهُ توضأ ثلاثاً ثلاثاً ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من توضأ نحو وضوئى هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه " وهو مذكور فى القناطر . { إلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ } فإنها لا تثقل عليهم ، لأنهم يحبون وهم يناجون فى الصلاة حبيبهم ، ولأنهم يرجون لها ثواباً ويخافون على التهاون بها أو فيها عقاباً ، قال صلى الله عليه وسلم " جعلت قرة عينى فى الصلاة " وكان يقول " يا بلال روّحْنا " فهم كمستأجر بأجرة عظيمة يعمل فرحاً مستبشراً بخلاف من ليس كذلك ، والخشوع سكون الجوارح عما حرم الله عز وجل تعظيماً له تعالى ، وفسره بعض بالخوف وبعض بالخضوع ، وما ذكرته أولى . وعرفه غيرى بأنه هيئة فى النفس يظهر منها على الجوارح مسكنة وتواضع ، وهو قريب إلى ما ذكرت ، وأكثر ما يقال الخشوع بالجوارح والخضوع فى القلب وقد يعكس ذلك ، والخشوع لغة السكون ومنه الخشعة بضم فإسكان وهى الرملة الثابتة والقطعة الغليظة من الأرض ، والأكمة اللاصقة بالأرض . والخضوع اللين .