Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 48-48)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَاتَّقُوا يَوْماً } أى احذروا عذاب يوم أو حساب يوم عسير ، فيوماً مفعول به لاتقوا على حذف مضاف لا ظرف لهُ ، لأن الاتقاء إنما هو فى الدنيا بترك المعاصى لا فى ذلك اليوم ، وإما أن يكون ظرفاً لمفعول محذوف فجائز ، أى واتقوا العذاب أو الحساب العسير يوماً ، أن اتقوا فى الدنيا أن تعذبوا يوم القيامة أو أن تحاسبوا فيه حساباً عسيراً . { لاَ تَجْزِى نَفْسٌ عَنْ نَفْس شَيْئاً } هذه الجملة نعت ليوماً والرابط محذوف ، أى لا تجزى فيه نفس عن نفس شيئاً ، فقيل حذف الجار والمجرور رفعه ، فالرابط حذف مخفوضاً ، وقيل حذف الجار وانتصب محل المجرور على نزع الخافض واتصل بتجزى فحذف منصوباً كحذف الرابط الذى هو ضمير مفعول به . قال الشيخ خالد الأول مذهب سيبويه والثانى مذهب الأخفش . قال الحارث بن كلزة الثقفى يعاتب ابن عمه @ فما أدرى أغيرهم تناءى وطول العهد أو مال أصابوا @@ والتنائى التباعد والتقدير أو مال أصابوه ، فحذف رابط النعت أى لا أدرى أغيرهم تباعد وطول العهد أو مال أصابوه ، كما أن أكثر الناس بغيرهم الغنى . قال أبو الهول فى صديق له أيسر فلم يجده كما يظن . @ لئن كانت الدنيا أنالتك ثروة فأصبحت فيها بعد عسر أخا يسر لقد كشف الإثراء منك خلائقا من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر @@ وشيئاً مفعول مطلق أى شيئاً من الجزاء ، والشىء من الجزاء جزاء . كأنه قيل لا تجزى نفس عن نفس جزاء ما ، أى لا تغنى عنها إغناء ما ، أو مفعول به على كون تجزى بمعنى تدفع أو تقضى أى لا تقضى عنها حقاً من الحقوق ، أو لا تدفع عنها مضرة من المضرات الواجبة عليها . قال السدى معناه لا تقضى ، ولفظ شىء أنسب لمعنى تقضى أو تدفع ، لأن أصله ألا يكون مفعولا مطلقاً ، وقرىء لا تجزئ بضم التاء وبالهمزة بعد الزاى ، وعليه فشيئاً مفعول مطلق ، أى لا تجزئ إجزاء ما ، وقرأ أبو السوار الغنوى لا تجزى نسمه عن نسمة شيئاً ، والمراد على كل وجه أن نفساً كائنة ما كانت لا ترد عن نفس كائنة ما كانت ما أصابها ، بل يفر المرءُ من أخيه وأمه وأبيه ، وأحدنا اليوم قد يقضى عن قريبه ديناً ، وأما فى الآخرة فليس للمرءُ أن يترتب لهُ على قريبه حق لأن القضاء هناك من الحسنات والسيئات ، كما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم ، ولا يخفى ما فى تنكير النفسين وشيئا بعد النفى من التعميم والإقناط . { وَلا يُقْبَلُ } وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتاء المثناة فوق . { مِنْهَا شَفَاعَةٌ } وقرأ قتادة يَقْبَلُ مها شفاعةً ببناء يقبل للفاعل الذى هو الله تبارك وتعالى ، ونصب شفاعة . { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنهَا عَدْلٌ } الضميران للنفس الأولى لأنها المحدث عنها المسوق لها الكلام المذكورة على سبيل العمدة ، لأنها فاعل تجزى بخلاف الثانية فإنها فضلة ، أى لا يقبل من نفس شفاعتها للنفس الأخرى العاصية ، فلا تدفع عنها العذاب بشفاعتها لو شفعت ، ولا يؤخذ منها ما يكون عدلا للنفس العاصية وبدلا منها لو كان بدلها الذى تنفع فتنجى به موجوداً فكيف وهو لا يوجد . وقال الحسن العدل الإيمان ، أى لأنه ضد الجور ، أو لأنهُ يجعل عديلا للنفس فلا يقبل ، وكذا كان يفسر الفدية بالإيمان ، فهم يؤمنون ولا يقبل عنهم وأما أن يجزى أحد عن أحد بأداء ما كان عليه فقد نفاه بقوله { لا تجزى نفس عن نفس شيئاً } ، وأما أن ينجى أحد أحداً بالنصر والقهر فمذكور نفيه فى قوله { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } من عذاب الله ، وفى آيات أخر مثل قوله { وما للظالمين من أنصار } وأما أن يمن الله بالعفو فليس الكافر أهلا لذلك ، ويجوز عود الضمير فى قوله { لا يقبل منها } وقوله { لا يؤخذ منها } للنفس الثانية العاصية ، أى لا يقبل منها الشفاعة التى تأتى بها يشفعها فيها غيرها ، ولا يؤخذ منها الشىء الذى تأتى به عدلا لها ومساوياً تعوضه عن نفسها لتنجو . وهذا الوجه يناسبه قوله { ولا هم ينصرون } فإن الضمير فيه للنفوس العاصية لا غير ، مع قوله { ولا يؤخذ منها } أنسب بالعاصية أيضاً ، ويجوز عود الضمير فى قوله { لا يقبل } للنفس الأولى ، فإنه أنسب بها وفى قوله { ولا يؤخذ منها } للثانية العاصية ، وأجاز بعضهم عود الضمير فى { ولا هم ينصرون } للنفسين ، وهو ضعيف لاختصاصه بكون النفسين مشركتين أو فاسقتين أو فاسقة ومشركة ، لكن له وجه هو أن يكون المعنى أن الأخلاء على المعصية مع حب بعضهم لبعض فى الدنيا لا ينصر بعضهم بعضاً ، ولا ينصرهم المؤمنون والأولى إبقاء النفس على عمومها فى المطيع والعاصى ، وعود الضمير { ولا هم ينصرون } للعصاة كما مر ، وإنما عاد الضمير الجمع المذكور للواحد المؤنث وهو النفس الثانية العاصية ، لأن المراد بها الناس والعباد ، فهى بمعنى جماعة الذكور ، وإنما كانت بمعنى الجماعة لأنها نكرة فى سياق النفى ، وإن قلت فهل الشفاعة والفداء بالعدل واقعان ولكن لا يقبلان أم غير واقعين ؟ قلت غير واقعين أما من تأهل للشفاعة من الملائكة والأنبياء والعلماء الصالحين فلا يتعرضون بها لمن ظهرت شقاوته لهم ، فإن تعرضوا بها لهم قبل أن تظهر لهم قيل لهم أنهم بدلوا وغيروا وليسوا أهلا لها فيتركوا التعرض لها ، وأما من لم يتأهل لها فمشغول بنفسه لا يدرى ما يفعل به ، أو حضر له أنه من أهل الجنة ، ولم يبلغ أن يشفع لغيره ، وأما الفداء فليس هناك ما يفدى به أحد نفسه ولا غيره ، فكأنه قيل لا يقبل منها شفاعة لو كانت شفاعة مستمرة ، فكيف لا تكون شفاعة أصلا ، ومتى صدرت شفاعة منها ثم علمت أن المشفوع له غير متأهل تركتها ولم تستمر على طلبها ، ولا يقبل منها عدل لو كان فكيف وهو لا يكون ، وقد بانت لك أوجه القسمة العقلية المذكورة فى الآية وغيرها ، وهى إما أن يقضى أحد عن أحد حقاً واجباً ، وإما أن يشفع له ، وإما أن ينجيه بمماثله ، وإما أن ينصره فينجيه بالقهر بلا عوض ، وإما أن يعفو صاحب الحق وهو الله تعالى والمظلوم ، وكل ذلك غير واقع ، ولك حمل الآية على القسمة التي يذكر أصحاب علم المعانى مثلها وهى التي فيمن سعى إلى سعى بيانه أن النفس مشغولة بشأنها فلا تقضى واجب الحقوق عن النفس الأخرى ، ولا تقدر على ذلك ، ثم لو قدرت على شفاعة لأن الشفاعة بلا قضاء لم تقبل منها ، ثم لو أمكن أن يوجد فداء بنفس أخرى لم يؤخذ منها ، ولو سعت بالقهر لم تتمكن منه . والآية نزلت فى بنى إسرائيل إذ قالوا نحن أبناء أنبياء الله ، وسيشفع لنا آباؤنا ، فأقنطهم الله عز وجل إقناطاً كلياً ينفى ذلك كله نفياً بليغاً أكيداً عاما ، والشفاعة من الشفع فإن المشفوع له كان فرداً فيضم الشافع إليه نفسه تزول الفردية وتحصل الشفعية ، والعدل الفدية قاله أبو العالية ، وقيل البدل . قال عياض عدل الشىء هو الذى يساويه قيمة وقدراً وإن لم يكن من جنسه والعدل بكسر العين هو الذى يساوى الشىء من جنسه وفى جرمه ، ففى الآية توسع فى الفداء سواء كان من الجنس أو من غيره لو كان يقبل ، وأصل العدل بالفتح أو الكسر التسوية ، وسميت به الفدية لأنها سويت بالمفدى والنصرة أخص من المعونة ، لأن النصرية فى دفع المضرة والمعونة فى دفع الضر أو جلب النفع ، ولا يخفى أن النفس التى ذكر الله عز وجل أنها لا تجزى عنها نفس ولا يقبل شفاعة شافع لها ولا فداء ، ولا تنصر هى التى أوبقتها معاصيها وماتت مصرة عن حق لزمها ، فكل نفس بهذه الصفة لا شفاعة فيها مشركة أو فاسقة ، فلا شفاعة لأهل الكبائر المصرين ، والخطاب فى قوله { واتقوا } ولو كان لبنى إسرائيل خاصة لكن قوله { لا تجزى نفس عن نفس شيئاً } إلخ عام ، ولا يمكن أن يقال خاص . روى الربيع عن جابر بن زيد عنه صلى الله عليه وسلم " ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا بعمل صالح وبرحمة الله وبشفاعتى " ، وروى عن جابر عنه صلى الله عليه وسلم " لا ينال شفاعتى سلطان غشوم للناس ورجل لا يراقب الله في اليتيم " وروى عن جابر عنه صلى الله عليه وسلم " لا ينال شفاعتى الغالى فى الدين ولا الحافى عنه " وروى عن جابر عنه صلى الله عليه وسلم " ليست الشفاعة لأهل الكبائر من أمتى " ثم حلف جابر عن ذلك ما لأهل الكبائر شفاعة ، لأن الله تعالى قد أوعد لأهل الكبائر النار فى كتابه ، وإن جاء الحديث عن أنس أن الشفاعة لأهل الكبائر ، فوالله ما عنى القتل والزنى والسحر ، وما أوعد الله عليه النار ، وذكر أن أنسا يقول إنكم لتعلمون أعمالا هى أدق فى أعينكم من الشعر ما كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من الكبائر . والله أعلم .