Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 57-57)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَظَلَلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ } السحاب الرقيق فى التيه ستراً لكم من حر الشمس . قيل وقعوا فيه بدعاء بالعام بن عوراء سمع أهل بلده وهى بلدة الجبارين بقدوم موسى لقتالهم فسألوه أن يدعو لهم ألا يصلهم موسى وجنده فأبى . فما زالوا به حتى فتنوه عن دينه فدعا . وكان يحسن اسم الله الأعظم . ولما أوحى الله إلى موسى بذلك بعد سؤال عن موجب التيه ، أوحى الله عز وجل بأمر بلعام فقال اللهم كما أحببت له فأجب لى فيه ، فنزع اسمه الأعظم منه وتدلى لسانه وكان يلهث كالكلب إلى أن مات ، ويأتى ذلك إن شاء الله فى سورة المائدة وسورة الأعراف . والصحيح أن موجب التيه أن موسى أمر . من بقى من القتل الواقع بعبادة العجل بقتال الجبارين ، وكانوا فى موضع التيه حين أمرهم وعصوه { فاذهَبْ أنتَ وربُّكَ فقاتِلا إنّا ها هُنا قاعِدون } فدعا عليهم موسى ، فعوقبوا بالبقاء فى ذلك الفَحْص أربعين سنة يتيهون فى مقدار خمسة فراسخ أو ستة يمشون النهار كله فيبيتون فيصبحون حيث كانوا بكرة أمس ، فندم موسى فقال الله تبارك وتعالى { فلا تَأْسَ على القَوْمِ الفاسقين } وروى أنهم ماتوا بأجمعهم فى فحص التيه بين مصر والشام ، ونشأ بنوهم على خير طاعة وخرجوا بعد الأربعين وقاتلوا الجبارين ، ولما حصلوا فى التيه ولم يكن لهم فيه ما يسترهم قالوا لموسى من لنا من حر الشمس ، فظلل الله سبحانه عليهم الغمام وقالوا بم نستصبح بالليل ، فضرب الله عمود نور فى وسط محلتهم مكان القمر ، وقال مكى من علماء الأندلس والشيخ هود رحمه الله والقاضى عمود نار كصاحب الكشاف ، وذكروا عموداً من نار يسيرون فى ضوئه ، وقالوا من لنا بالماء فأمر موسى بضرب الحجر كما قال الله تعالى { وإذ استسقَى موسى لقومهِ فقُلنا اضْرِب بعصاك الحَجَر } ، وقالوا من لنا باللباس فأعْطوا ألاّ تبلَى ثيابهم ولا تتسخ ، وقالوا من لنا بالطعام فأنزل الله عليهم المن كما قال الله عز وجل { وأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمنَّ } وهو الترنجبين حلو أبيض يشبه الثلج ، من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، لكل إنسان صاع ، وقيل كان أشد بياضاً من الثلج وأحلى من العسل ، ويأخذ أحدهم ما يكفيه يومه وإن زاد فسد ولم يبق عنده إلا يوم الجمعة فإنهم يأخذون ما يكفيهم فيه وفى يوم السبت ، ويبقى ولا يفسد لأنهم أمروا فى يوم السبت بالعبادة وترك أشغال الدنيا . وقال بعضهم المنّ صمغة حلوة ، وقيل عسل ، وقيل شراب حلو ، وقيل الذى ينزل اليوم على الشجرة ، وكان طعمه كالشهد ، وقيل كان ينزل عليهم المن كل ليلة من وقت السحر إلى طلوع الشمس ، وسُمي المن لأن الله سبحانه وتعالى مَنَّ به من غير تعب ، كما روى البخارى ومسلم عنه صلى الله عليه وسلم " الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين " يعنى أن ما يسمى الترفاس من منة الله علينا بلا تعب ، فجعله من المن لأنهُ بلا تعب ، أو يعنى أنهُ من المن المذكور فى هذه الآية ، بمعنى أن جنسهما واحد وهو ما مَنَّ به بلا تعب ، ومعنى كون مائه شفاء للعين أنه يخلط بدواء آخر أو لوجع مخصوص ، وقد أطلت الكلام عليهِ فى تحفة الحب فى أصل الطب . وقالوا يا موسى قتلنا هذه المن بحلاوته فادع ربك أن يطعمنا اللحم . فأرسل عليهم السلوى كما قال الله عز وعلا { وَالسَّلْوَى } وهو طائر يشبه السمانى ، وقيل السمانى بعينه ، يرسل الله جل وعلا ريح الجنوب فتحشرها إليهم كل يوم ، فيأخذون منها ما يكفيهم يوماً وليلة ويذبحون ، وإن زادوا فسد ، وإذا كان يوم الجمعة أخذوا ليوم السبت كما مر فى المن وإن أخذوا المن والسلوى لأكثر من يوم الجمعة والسبت فسد ، وقيل السلوى طائر كالحمام تحشره ريح الجنوب ، ويطلق فى اللغة على العسل أيضاً وليس مراداً فى الآية ، بل المراد فيها الطائر بإجماع ، ومن استعماله بمعنى العسل قول خالد ابن زهير الهذلى @ وقاسمها بالله عهداً لأنتم ألذ من السلوى إذا ما نشورها @@ وليس غلظاً بل هو من معانيه لغة ، وغلط من غلّطه ، وممن غلطه الزجاج وعياض ، قال ابن سيده السلوى طائر أبيض مثل السمانى واحدته سلواة ، والسلوى العسل ، قال خالد بن زهير الهذلى وقاسمها بالله جهدا … البيت قال الزجاج أخطأ خالد إنما السلوى طائر ، انتهى . وقيل يميل للحمرة ، وقيل السلوى اللحم . قال الغزالى سمى سلوى لأنهُ يسلى الإنسان عن سائر الإدام . والناس يسمونه قاطع الشهوات ، وكذا غلّطه الأخفش أعنى غلط خالداً ، قال لم يُسمع لهُ بواحد ، ويشبه أن يكون واحده سلوى كدفلى للواحد والجمع ، وهو طائر يعيش دهره فى قلب اللجة ، وإذا مرضت البزاة بوجع الكبد طلبته وأخذته وأكلت كبده فتبرأ ، وهو الذى أنزل الله تعالى على بنى إسرائيل على القول المشهور ، وغلط الهذلى فظنه العسل فقال ألذ من السلوى إذا ما نشوزها … انتهى . والسمانى سمى لسمنة وهو بوزن الحبارى بالضم والتخفيف ، ويسمى أيضاً قتيل الرعد من أجل أنه إذا سمع الرعد مات ، وفرخه يطير إذا خرج من البيضة لساعته ، والسمانى يلبد بالأرض ولا يكاد يطير إلا أن يطار . قال البخارى فى أحاديث الأنبياء ومسلم فى النكاح بسندهما إلى أبى هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا بنو إسرائيل لم يخثر لحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر أبداً " أى لم يتغير اللحم أبداً ولم ينتن لما أنزل الله المن والسلوى نهوا عن ادخارهما فادخروا ففسد وأنتن واستمر من ذلك الوقت ، وقدم المن على السلوى ولو كانت الحلواء تتأخر عن الغذاء لأن نزول المن من السماء مخالف للعادة ، وقدم لاستعظامه بخلاف الطيور المأكولة ، والموافقة لفظ المن معنى الامتنان والمنة والمقام مقام ذكر الامتنان على بنى إسرائيل ، فناسب الابتداء به ، بل اقول أيضاً إن المن ولو كان حلواء لكنه غذاء ، والسلوى إنما هو ليقطعوا به شدة حلاوتها كما مر عنهم فهو عندهم حينئذ كالتمر عندنا فى بلادنا هذه . { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } مقول القول محذوف أى قلنا لهم كلوا من طيبات ما رزقناكم وهو الحلال المستلذ ، هذا هو المراد هنا لأنهن المن والسلوى ، وتطلق الطيبات أيضاً على الحلال المتوسط فى اللذة ودون المتوسط . { وَمَا ظَلَمُونَا } عطف على محذوف أى فظلموا بكفران هذه الطيبات من المن والسلوى بأن ادخروا وقد نهوا عن الادخار { وما ظلمونا } فعطف ظلموا على ظلموا ، روى أنهم لما ادخروا قطع عنهم كما قال الله تعالى { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بالكفران والادخار ، لأن مضرته عائدة عليهم وهى عذاب الله ، وقطع ذلك عنهم ، وقد كان يأتيهم بلا تعب ، فإن صح أنه قطع عنهم فإن الله تعالى أبدل لهم رزقناً يتعبون عليه ، إذ لم يشكروا الذى لا تعب فيه فى الدنيا ولا حساب فى العقبى ، أو معنى قطعه تقليله ، وإنما قدرت فظلموا ، ولم أقدر فظلموا أنفسهم كما قدر بعضهم ، لأنه لو كان المحذوف كذلك لم تكن فائدة لقوله { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } بخلاف ما إذا قدرت فظلموا فإن معناه أوقعوا الظلم ، فيحسن حينئذ أن يقال إن الظلم الذى أوقعوا لم يصيبنا ، بل أصابهم ، ويجوز كون الواو للحال من ذلك المحذوف . وقدر عياض فعصوا وما ظلموا ، وقال أبو حيان لا حاجة إلى التقدير ويرده أن محذوفات الكلام الفصيح هذا شأنها ، ولا بد من دليل يدل عليها ، لكن يختلف ذلك ، فى الوضوح والخفاء ، والدليل هنا موجود وهو أنه بقى أصابه ظلمهم الله وأثبت إصابته إياهم ، فدل ذلك على أنهم أوقعوا ظلماً ، أخبر أنه لم يصب الله بل أصابهم ، والظلم الضر والنقص والجور .