Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 58-58)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ قُلْنَا } لهم بعد خروجهم من التيه ، وقد قيل مات الكبار فيه وخرجت أولادهم . { ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ } قرية أريحاء بالحاء المهملة وهى قرية الجبارين قاله ابن عباس ، وقيل بالخاء المعجمة وعلى كل حال هى قرية بالغور قريبة من بيت المقدس ، وهى بفتح الهمزة ، وكسر الراء روى أن فيها قوماً من بقية عاد يقال لهم العماليق ، ورأسهم عوج ابن عناق أمرهم الله سبحانه وتعالى بدخولها على لسان يوشع بن نون فيما قيل ، لأنه هو الذى فتح أريحاء بعد موسى ، لأن موسى وهارون ماتا فى التيه ، وقال قوم لم يموتا فيه ، وقال قوم هما حيان حتى خرجا منه وماتا فى غيره ، وقد اختلفوا فى موسى وهارون ، هل وقع التيه بهما ؟ فمن قال إنهم وقعوا فيه بدعاء اللعين بلعام ، قال وقع بهما ، ومن قال وقعوا فيه بدعاء موسى قال لم يقع بهما ، وحكى الزجاج عن بعضهم إنهما لم يكونا فى التيه لأنهُ عذاب والأكثر أنهما فيه . وظاهر قوله تعالى { فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } يقوى أنهما لم يكونا فيه ، وكذا قال الفخر ، وكانت تلك القرية قاعدة ، ومسكن ملوك ، وقال الجمهور هى بيت المقدس ، فمن قال مات موسى فى التيه قال أمرهم الله بدخولها على لسان موسى بأن قال لهم إذا تم أربعون سنة وخرجتم من التيه ، فادخلوا بيت المقدس ، وإنما سميت المدينة قرية لأنها تجمع الناس ، من قريت الماء فى الحوض إذا جمعتهُ . { فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً } أكلا واسعاً لم يمنع عنكم منه شئ ، فرغدا مفعول مطلق ، ويجوز كونه حالا من الواو ، وتقدم الكلام على رغداً . { وَادْخُلُوا الْبَابَ } باب القرية وعن مجاهد هو باب فى مدينة بيت المقدس يعرف إلى اليوم بباب حطة ، وقيل باب من أبواب بيت المقدس ، وقيل هو باب القبة التى كانوا يصلون إليها ، لأنهم لم يدخلوا بيت المقدس فى حياة موسى عليه السلام ، وهذا الدخول كان فى حياته على هذا القول ، وقيل لم يؤمروا بباب مخصوص ولكن للقرية سبعة أبواب أمروا أن يدخلوا من أى باب أرادوا . { سُجَّداً } منحنين منكسى الرءوس كالراكع أو دونهُ أو فوقهُ أو ساجدين بقلوبهم أى خاضعين ، وعلى الوجهين السجود شكراً لخروجهم من التيهِ ، وهو حال مقارنة ويجوز أن يكون السجود سجوداً على الوجه بأن يسجدوا قرب الباب ، ثم يدخلوه فتكون الحال محكية لا مقارنة ، وربما تطلق المقارنة على التى اتصل وقوعها بوقوع العامل أو انتفائه قبلهُ أو بعده كما يطلق على التى اتحد زمانها وزمان العامل ، وعن ابن عباس سجداً راكعين { وَقُولُوا حِطَّةٌ } خبر لمحذوف أى قولوا مسألتنا حطة لذنوبنا ، أى حط لها ومحو وهو نوع عظيم أكيد من الحط ، لأنهُ يدل على الهينة كالجلسة بكسر الجيم أو أمرك حطة لها أى شأنك حط الخطايا فاحططها عنا ، أو أمرك الذى رغبنا فيهِ حطها ، واللفظ إخبار والمراد الطلب أو أمرنا حطة فى هذه القرية ، أى إقامة فيها ، وأصل ذلك النصب أى احطط عنا خطايانا حطا ، وعدل إلى الرفع ترغيباً فى طلب الثبات والدوام ، وقرأ ابن أبى عبلة بالنصب على هذا الأصل فهو مفعول مطلق لمحذوف ، والمحذوف مفعول للقول ، أى قولوا احطط عنا خطايانا حطة ، أو مفعول للقول ، أى قولوا هذه الكلمة وهى لفظ حطة بالنصب ، أمرهم أن يقولوه منصوباً مريدين معنى احطط حطاً ، أو مرفوعاً على الأوجه السابقة ، وعلى هذا نصب لأنهُ مفعول القول فى الآية مثل أن يقال قام عمرو فتقول قل زيداً بالنصب ، أى اذكر لفظ زيد بدل لفظ عمرو ، وقل قام زيد بالرفع ، ويجوز ألا يراد بالحطة بالنصب اللفظ ، بل ما يحط الخطايا . قال عكرمة وغيره أمروا أن يقولوا لا إله إلا الله لتحط بها ذنوبهم ، وعن ابن عباس قيل لهم استغفروا وقولوا ما يحط ذنوبكم . قال أحمد بن نصر المعروف بالداودى فى تفسيره روى أن النبى صلى الله عليه وسلم سار مع أصحابه فى سفر فقال " قولوا نستغفر الله ونتوب إليه " فقالوا ذلك ، فقال " والله إنها للحطة التى عرضت على بنى إسرائيل فلم يقولوها " وعن ابن عباس قولوا لا إله إلا الله لأنها تحط الذنوب والخطايا ، وزعم بعض على قراءة الرفع أن التقدير أمرنا أن نحط فى القرية حتى ندخل الباب سجداً ، وكأنه أراد باب مسجد فيها . { نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } قال أبو عمرو الدانى قرأ نافع يغفر لكم بالياء مضمومة وفتح الفاء وابن عامر بالتاء يعنى الفوقية والباقون بالنون مفتوحة وكسر الفاء … انتهى . وقال القاضى . إن ابن عامر قرأ بالتحتية والبناء للمفعول ، وأظنه تحريفاً من ناسخ والجزم فى جواب الأمر ، أى إن دخلتم الباب سجداً وقلتم حطة تغفر لكم خطاياكم بسجودكم وقولكم ، وأصل الخطايا خطائى مكسورة بعد الألف وأخرى بعدها قلبت الأولى همزة لأنها حرف مد زيد ثالثاً فى المفرد ، وإنما لم تمد فى المفرد لإدغامها ، بل يقال أيضاً خطيئة بياء بعدها همزة وهو قراءتنا فهى مد ، ثم فتحت الهمزة للتخفيف فكانت الباء بعدها متحركة بعد فتحة فقلبت ألفاً فوجدت ألفان بينهما همزة فقلبت ياء لئلا يكون المجموع كثلاث ألفات ، لأن الهمزة كالألف أو الأصل خطائي بمثناة تحتية بعدها همزة فاجتمعت همزتان فأبدلت الثانية ياء ثم خفف بفتح الهمزة الأولى فقلبت الياء ألفاً وكانت الهمزة بين ألفين فأبدلت ألفاً . وقال الخليل قدمت الهمزة على الباء ففتحت تخفيفاً فقلبت الياء ألفاً ثم الهمزة ياء كما قال سيبويه . { وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } ثواباً على إحسانهم بامتثال ما أمروا به ، فإن المراد بالإحسان دخول الباب سجدا ، وقولهم حطة ، وعدهم أن يزيدهم ثواباً على غفران الخطايا إذا دخلوا قائلين حطة ، ويجوز أن يراد بالمحسنين من بالغوا فى الخير زيادة على الدخول بالسجود والقول حطة ، فيكون الدخول بالسجود وقول الحطة غفراناً لخطايا المسئ وزيادة ثواب للمحسن ، ومقتضى الظاهر ويغفر لكم خطاياكم ونزد المحسنين بجزم نزد عطفاً على يغفر المجزوم فى جواب الأمر ، فيكسر للساكن ولكن أدخل عليهِ السين ورفع واستؤنف به ليدل على الوعد ، وما كان وعداً من الله أعظم مما كان مسبباً لفعلهم ، وليدل على أن المحسن فى معرض الدخول بسجود وقول الحطة قبل أن يفعلهما وأن له الثواب قبلهما فكيف إذا فعلهما وهو يفعلهما ولأبد ؟ .