Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 81-81)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ بَلَى } نفى للنفى الذى فى قولهم { لن تمسنا } أى لن تمسكم النار إلا أياماً معدودة ، بل تمسكم أبداً ونفيه بهذه الكلمة كلمة بلى فقط أبلغ لكونه كالبرهان على بطلان قولهم ، لأنه نفىٌ أعم من كونه دائماً أو غير دائم ، وتختص بلى بالنفى غالباً وتدركونها بعد الإثبات ، واستشهد له ابن هشام بما فى صحيح البخارى فى كتاب الإيمان " أنه عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟ قالوا بلى " وبما فى صحيح مسلم فى كتاب الهبة " أيسرك أن يكونوا لك فى البر سواء ؟ قال بلى ، قال أبداً . أو بما فيه أيضاً أنه قال أأنت الذى لقيتنى بمكة ؟ فقال له المجيب بلى " . { مَنْ كَسَبَ } الكسب جلب النفع ، والاكتساب استجلابه ، ولكن علق الكسب هنا بالشر وهو السيئة ، على طريق التهكم ، بمن فعل السيئة ، وأحاطت به خطيئاته ، ووجه ذلك أنه شبه عمل السيئة بعمل الحسنة جامع الرغبة فى كل ، وعلاج العمل فاستعار لعمل السيئة ما وضع لعمل الحسنة ، والخير هو الكسب واشتق منه كسب وسيئة قرينة ووجه آخر أنه أطلق الكسب المخصوص بالخير على مطلق العمل استعمالا للخاص فى العام ، فاشتق منه كسب فهو مجاز مرسل تبعى . { سَيِّئَةً } خصلة قبيحة وهى الذنب الكبير ، سواء كان نفاقاً أو شركاً ، ومن الذنوب الكبيرة الإصرار فإنه نفسه كبيرة سواء كان على الصغيرة أو الكبيرة ، والدليل على أن السيئة الكبيرة قوله { فأولئك أصحاب النار } ويحتمل وجه آخر وهى أن السيئة الذنب صغيراً أو كبيراً ، ثم يختص الكلام بالكبير بقوله { وأحاطت به خطيئَاته } . وإن قلت روى قومنا عن ابن عباس رضى الله عنهما أن السيئة هنا الشرك وكذا قال الشيخ هود رحمه الله إنها الشرك ، قلت ما ذكرته أولى مما ذكراه ، فإن لفظ السيئة عام وحمله على العموم أولى إذ ذلك تفسير منهما لا حديث ولا سيما أنهما وقومنا يعترفون بأن الكبيرة تدخل فاعلها النار ، ولم يحصروا دخولها على الشرك ، ومعترفون بأن لفظ الخلود يطلق على المكث الكبير سواء كان أبديا أو غير أبدى ، وادعاء أن الخلود فى الموحدين بمعنى المكث الطويل ، وفى المشرك بمعنى المكث الدائم استعمال للكلمة فى حقيقتها ومجازها وهو ضعيف ، وأيضاً ذكر إحاطة الخطيئات ولو ناسب الشرك كغيره لكنه أنسب بغيره لأن الشرك أقوى . { وَأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَاتُهُ } ربطته ذنوبه وأوجبت له دخول النار فصار لا خلاص له منها كمن أحاط به العدو أو الحريق ، أو حائط السجن وذلك بأن مات غير تائب ، وقيل معنى الإحاطة أن ذنبه أغلب من طاعته ، ومن مشدقة أصحابنا من يقول بذلك ، شبه الخطيئات بنحو الحائط الدائر فى مضرة على شئ ، وأحاطت رمزاً وشبه إيباق خطيئاته له إلى النار وقصرها إياه على النار بدوران الشئ الضار على شئ ، وقرأ غير نافع خطيئته بالإفراد والهمز وقرأ بعض من هو خارج العشرة خطاياه وقرئ خطيئته بالإفراد ، وقلب الهمزة ياء وإدغام الياء فى الياء وخطياته بالجمع والإدغام كذلك ، وتوحيد الموحد وإقراره عن الإحاطة لاتفاق الأمة على جواز دخول الفاسق النار ، وقد غلط القاضى ، والخطيئة فى قراءة الإفراد يحتمل أن تكون هى السيئة المذكورة أولا ، ويحتمل أن يراد به الجنس كما صرحت به قراءة الجمع ، وفى قراءة الجمع واحتمال إرادة الجنس فى قراءة الإفراد تلويح بأن المعصية تجر لأخرى مثلها ودونها وأكبر ، وهكذا إذا لم يشعر بالتوبة عنها ويستحسنها بالطبع ويبغض من يعارضه عنها وما يعارضه عنها ، ويعادى على ذلك ويكذب ناصحه وهذا غير بعيد فى الموحد ، وذلك أشد عقابا أن يعاقب على معصية بجذلانه إلى أخرى ، ومن ذلك فى المشرك قوله تعالى { ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأَى أن كذبوا بآيات الله } والفرق بين السيئة والخطيئة أن السيئة عامة فيما يقصد بالذات وفيما يقصد بالعرض ، والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض ، لأن اشتقاقها من الخطأ ، فالزنى مثلا سيئة ، والنوم على بطنها مثلا بعده خطيئة ترتبت عليهِ ، ومثل أن يقصد امرأة بالزنى فلما رأى وجهها استحسنها فقبله ، فهذا التقبيل خطيئة . وسئل الحسن عن الخطيئة فقال سبحان الله أن أراك ذا لحية ولا تدرى ما الخطيئة ؟ انظر فى المصحف فكل آية نهى الله فيها عن خصلة وأخبرك أنه من عمل بها أدخله النار فهى خطيئة ، وهذا الذى قال إنما هو فى القرآن وليس متعيناً فى جميعهِ أيضاً ، وأما فى غيره فالخطيئة تحتمل الصغيرة وكذا السيئة والذنب والمعصية والله أعلم . فصل مذهب حمزة فى الهمزة المتوسطة الساكنة أن تبدل حرفاً خالصاً كالمؤمنين ويؤفكون ، وكدأب والذئب والبئر وبئس والهدى أننا والذى أؤتمن ولقاؤنا وفرعون أؤتونى ، واختلف الأندلسيون فى إدغام الحرف المبدل من الهمزة ، وفى إظهاره فى قوله ورئياً ، وتؤوى ، وتؤويه ، ومنهم من يدغم اتباعاً للخط ، ومنهم من يظهر لعروض البدل ، والوجهان جائزان جيدان ، واختلف أهل الأداء فى تغير حركة الهاء مع إبدال الهمزة ياء قبلها فى قوله عز وجل { أنبئهم } و { نبئهم } فكان بعض يكسرها للياء وبعض يضمها لعروض الياء وهما صحيحان ، وإذا تحركت الهمزة وهى متوسطة فما قبلها يكون متحركاً وساكناً ، فإن كان ساكناً وكان أصلياً وسهلتها ألقيت حركتها على ذلك الساكن وحركته بها ما لم يكن ألفاً كقوله شيئاً وخطئاً ، والمشئمة وكهيئة ويجأرون ويسألون والقرآن ومنسوماً ومسئولا وموئلا والموءودة واسأل ، وإن كان زائداً أبدلت وأدغمت إن كان ياء أو واوا نحو قوله عز وجل { هنيئاً مريئاً } وبريئون وبريئاً وخطيئة وخطيئاتكم ولم تأت الواو فى القرآن ساكنة ، فإن كان الساكن ألفاً مبدلة أو زائدة جعلت الهمزة بعدها بين بين ، وإن شئت مكنت الألف قبلها ، وإن شئت قصرتها ، والتمكين أقيس وذلك كقوله نساؤكم وأبناؤكم ، وماء وغثاء ، وسواء وهواء ، ومن آبائهم وملائكته ، وإذا كان قبل الهمزة متحركاً فإن انفتحت هى وانكسر ما قبلها أو انضم أبدلت فى حال التسهيل مع الكسرة ومع الضمة واواً وذلك نحو قوله وينشئكم ، وإن شانئك ، والخاطئة ، ولئلا ولؤلؤاً ، ويؤده ويؤلف ، ثم بعد هذا يجعلها بين بين فى جميع أحوالها وحركتها وحركات ما قبلها ، فإن انضمت جعلتها بين الهمزة والواو نحو قوله عز وجل ويؤسا ورءوف وبرءوسكم ولا يؤده ومستهزءون وليواطئوا ويأمنوكم ، ما لم تكن صورتها ياء نحو أنبئكم وسنقرئك وكان سيئة فإنك تبدلها ياء مضمومة على مذهب حمزة فى اتباع الخط عند الوقف على الهمزة ، وهو قول الأخفش أعنى التسهيل فى ذلك بالبدل ، وإن انفتحت جعلتها بين الهمزة والياء نحو قوله جبريل وييئس الذين وسئل موسى ويومئذ وحينئذ وجميع ما يسهله حمزة من الهمزات فإنما يراعى فيها خط المصحف دون القياس ، وقد اختلف الأندلسيون فى تسهيل ما يتوسط من الهمزات بدخول الزوائد عليهن نحو قوله عز وجل { أفأنت } ، و { فبأى آلاء } و { بأيكم } و { كائن } ، و { كأنه } و { فلا أقطعن } ، والأرض ، والآخرة ، وكذا ما وصل من الكلمتين فى الرسم فجعل كلمة نحو قوله تعالى هؤلاء ، وهاأنتم ، ويا أيها ، ويا أخت ويا آدم ، ويا أولى الألباب . فبعض يسهل اعتداد بتوسطهن وبعض يحقق اعتداداً بكونهن مبتدءَات ، وكلاهما جيد وبهما ورد نص الرواة . والله أعلم . فصل اعلم أن الهمزة إذا كانت مع حرف المد واللين فى كلمة واحدة توسطت أو تطرفت ، فلا خلاف فى تمكين حرف المد زيادة نحو قوله عز وجل أولئك ، وشاء الله ، والملائكة ، وجئ ، وجيئ وخطيئات وخطيئة ، وإذا كانت أول كلمة وحرف المد آخر كلمة أخرى فإنهم يختلفون ، فابن كثير وقالون بخلاف عنه ، وأبو شعيب وغيره عن اليزيدى يقصرون حرف المد ولا يزيدونهُ تمكيناً على مافيه من المد الذى لا يوصل إلا به ، كقوله عز وجل { بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } { وفى آياتنا } وهؤلاء المذكورون أقصروا مدا فيهِ من الضرب الأول المتفق عليهِ ، والباقون يطولون حرف المد فى ذلك زيادة ، وأطولهم مدا فى الضربين جميعاً ورش وحمزة ودونهما عاصم ودونهُ ابن عامر والكسائى ودونهما أبو عمرو من طريق أهل العراق ، وقالون من طريق أبى نشيط بخلاف عنه ، وإذا كانت الهمزة قبل حرف المد سواءُ حققت أو ألقى حركتها على ساكن قبلها ، أو أبدلت كآدم وآمن ولقد آتينا ، ومن أوتى ولئلا وقريش وللإيمان فأهل الأداء من مشيخة المصريين الآخذين برواية أبى يعقوب عن ورش يزيدون فى تمكين حرف المد فى ذلك زيادة متوسطة على مقدار التحقيق ، واستثنوا من ذلك قوله بنى إسرائيل فلم يزيدوا فى تمكين الياء فيه ، وأجمعوا على ترك الزيادة إذا سكن ما قبل الهمزة ، وكان الساكن غير حرف مد ولين نحو قوله مسئولا ومذءوماً والقرآن والظمآن وكذلك إذا كانت الهمزة مجتلبة للابتداء نحو اتمن ، وإيت بقرآن ، وائذن لى والباقون لا يزيدون فى إشباع حرف المد فيما تقدم . وبالله التوفيق . { فأُولَئِكَ } البعداء عن مقامات الخير ، وإنما عبر بإشارة البعيد تلويحاً لهذا المعنى ، واعتبر معنى من فى اسم الإشارة وما بعده بعد أن اعتبر لفظها فى كسب وهاء به وهاء خطيئاته . { أَصْحَابُ النَّارِ } أى مستحقوها بكسبهم أو ملازموها فى الآخرة كما لزموا موجباتها فى الدنيا وهى الذنوب . { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } دائمون فيها لأنهم ماتوا ، وقد أحاطت بهم خطاياهم مصرين فلم يكن للبثهم فيها آخر كما أن المصر لا آخر للمعصية وملازمتها عنده والناس إما مصر وإما غير مصرّ مرحوم يدخل الجنة .