Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 87-87)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَقدْ آتَيْنَا مُوسى الْكِتابَ } التوراة نزلت عليه بمرة ، واللام فى قوله لقد لام ابتداء عند بعض ، ولام جواب قسم محذوف عند بعض ، ورجحه كثير ومعناه التوكيد على القولين ، قال السهولى موسى مفعول ثانى والكتاب مفعول أول ، ووجهه عندى أن همزة آتينا للتعدية ، صيرت الفاعل مفعولا وهى مزيدة على أتى الثلاثى للتعدية والمفعول الذى أصله فاعل هو الذى يسمى مفعولا أولا ، والمعنى ولقد جعلنا الكتاب آتياً موسى بالغاً إليه ، وقال غيره موسى مفعول أول والكتاب مفعول ثان ، ووجهه عندى أنه ضمن آتينا معنى أعطينا ، فكان موسى آخذاً فهو الفاعل فى المعنى فهو المفعول الأول . { وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } تشديد قفينا للتأكيد والياء للتعدية قائمة مقام الهمزة التى للتعدية ، ويجوز كون التشديد للتعدية لا للتأكيد ، والرسل مفعول به والياء زائدة فيه ، والمعنى اتبعنا الرسل بعضها بعضاً أى صيرنا بعضها يتبع بعضاً . قفى زيد عمراً أى جعله قافياً إياه ، أى تابعاً له وذلك من القفا ويقال أيضاً قفيت فلاناً فلاناً إذا جئت به من جهة قفاه ، وقفوته بالتخفيف تبعته ، وقفوته ببكر أى تبعته به ، ويقال ذنبته بالتشديد أى صيرته ذنباً ، والمعنى اتبعنا الرسل الكثيرة بعد موسى بعضاً خلف بعض ، وهم يوشع وإسمؤيل وشمعون وداود وسليمان وشعيا وأرميا وعزير وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم ، كما ذكره الزمخشرى ، وكلهم يحكمون بالتوراة حتى بعث الله عيسى بن مريم وأنزل عليه الإنجيل وخالف بعض الإنجيل بعض التوراة ، فقال بعضهم الإنجيل هو المراد بالآيات البينات فى قوله عز وجل { وآتَيْنَا عيسَى بنَ مَرْيَم الْبَيِّنَاتِ } أى الآيات الواضحات الدالة على الأحكام الشرعية ، وهى الآيات التى تتلى فى الإنجيل ، وقال الكلبى البينات المعجزات الواضحات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، والإخبار بالغيب بإذن الله ، وقيل الحجج التى يحتج بها فى كلامه ، ويجوز أن يراد ذلك كله ، وعيسى بالسريانية وهى العبرية يشوع بالشين المعجمة ، ويقال أيضاً بالمهملة ومريم علم لأمه رضى الله عنها ، وأصل هذا اللفظ بالعبرية صفة بمعنى الخادم ، سميت به وتلقيت عليه الاسمية ، وقيل المريم فى لسان العرب موجود بمعنى المرأة التى تحدث الرجال وتميل إليهم ، كالزئر بكسر الزاء بعده همزة وهو الرجل الذى يحب محادثة النساء ومجالستهن ، قال رؤبة يمدح السفاح أو المنصور @ قلت لزير لم تصله مريم قليل أهوى الصبى تندسى @@ وهذه فى لغة العرب ، وليست هذه الصفة فى مريم إلا أن أحبت محادثة الأنبياء والعلماء ، ووزن مريم بالمعنى العربى ، مفعل فميم زائدة والياء أصل من رامه يرميه إذا فارقه أو لازمه يستعمل بالمعنيين ، وليس وزنه فعيل بأصالة الميم وزيادة الياءَ لأن هذا غير موجود فى الأبنية ، بل الموجودة فعيل بضم الفاءِ كعليب وفعيل بكسرها كعثير . { وَأَيَّدْنَاهُ } قويناه والأيد القوة ، وقرئ أيدناه بهمزة فألف وفتح الياء خفيفة ، والمعنى واحد كما قال أجده بتشديد الجيم بمعنى قواه واجد بتخفيفها بعد ألف وهمزة ، والمعنى واحد ، ويقال الحمد لله الذى أجدنى بعد ضعف ، أى قوانى وأوجدنى بعد فقر ، أى أغنانى . { بِرُوحِ القُدُس } أى بجبريل الطهارة ، فروح بمعنى جبريل علم عليه ، فيكون من إضافة العلم لعلة المدح كما أضيف للبيان فى قوله @ على زيدنا يوم الوغى رأس زيدكم @@ ونقول فى المدح زيد العلم وزيد العقل وزيد الفوز ، والقدس الطهارة من الذنوب ، وجبريل طاهر منها ، فأضيف للقدس لأجل ذلك أو لكرامته على الله سبحانه ، وسمى روحاً للطافته كروح الحيوان ، لأنه روحانى خلق من النور ، وقيل سمى روحاً لمكانه من الوحى الذى هو للقلب كالروح للجسد ، ويحتمل أن يكون روح هو جبريل والقدس من الطهارة كذلك ، لكن بمعنى القدس من إضافة الموصوف للصفة ، وفيه تكلف ويحتمل أن يكون الروح جبريل ، والقدس الله ، كما يقال عبدالله ، وما ذكرته من كون روح هو جبريل هو قول السدى والضحاك والربيع وقتادة وهو الأصح لتعاقب روح القدس ، وجبريل فى قوله ، صلى الله عليه وسلم " اهج قريشاً وروح القدس معك " مع قوله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى " اهج قريشاً وجبريل معك " فإن المتبادر أنهما فى الحديثين واحد ، وإن قلت كيف قلت روح علم جبريل وقد قرن بأل فى قوله تعالى { تنزل الملائكة والروح } ؟ قلت أل فيه للمنح ، وقيل الروح عيسى عليه السلام أضيف للقدس ، والقدس بمعنى الطهارة مجرد إضافة المدح بالمعنى المصدرى ، أو إضافة موصوف لصفته ، بمعنى القدس أى المطهر ، ووجه نسبته للطهر أنه سالم من مس الشيطان حين ولد ، أو أنه كريم على الله تعالى ، ولذلك أضاف الروح إلى نفسه فى قوله وروح الله كلمته ، أو أنه لم يكن فى صلب الرجال ولا أرحام الحوائض ، كذا قيل ، ويبحث فيه بأنه قد ضمه ظهر آدم ، وقد ذكر الواحدى وغيره أن الله سبحانه وتعالى أخرج الناس من ظهر آدم ، وأخذ عليهم الميثاق { أَلسْتُ بربِّكم قالوا بلى } ثم ردهم إلا روح عيسى لم يردها بل حفظها ، إلى أن قدر أن تحمل مريم ، فأرسل جبريل بروح عيسى فنفخ فحملت . وقد يجاب بأن المراد لم يكن فى أصلاب جماعة الرجال العامة ، أما رجل واحد نبى أو رسول فلا ضير به ، ولو تصور تضمن أنبياء كثيرة له لم يضر ذلك . ويبحث أيضاً بأن مريم لما رأت جبريل بصورة شاب يتبادر أنه نزل منه الماء إلى رحمها وهى قد كانت فى أصلاب الرجال ، فقد كان فيها بكون أمه فيها إلا أن يجاب بأنه لم ينزل لها ماء ، ويبحث أيضاً بأن المشهور أنها تحيض ، ويجاب بأنه قول ، وعدم حيضها قول ، فلا يرد قول بمجرد قول . ويبحث أيضاً بأنه كان فى أرحام الحوائض بكون أمه فى أرحام الحوائض ، إلا أن يقال بأنه لم ينزل لها ماء كما مر ، وبيان تأييد الله جل وعلا ، عيسى عليه السلام بجبريل ، أن جبريل أمره الله ألا يفارقه وأن يسدده ، فكان كذلك فلم يفارقه حتى صعد هو به إلى السماء . وقال ابن زيد روح القدس هو الإنجيل كما سمى الله تعالى القرآن روحاً ، وقال ابن عباس هو اسم الله الأعظم الذى كان يحيى به الموتى بإذن الله عز وجل ، وإضافة الإنجيل أو الاسم الأعظم للقدس تشريف ، والقدس الطهارة من النقائص أو اسم الله أو الإضافة من إضافة الموصوف للصفة ، كما مر من القولين الأخيرين أيضاً . قال أبو عمرو الدانى قرأ ابن كثير القدس مخففاً حيث وقع ، يعنى مسكن الدال والباقون مثقلا يعنى مشدد الدال . قال الكلبى ولما سمعت اليهود بذكر عيسى وبيانه فى هذه الآية قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مثل ما جاء به موسى جئنا به ، ولا مثل ما عمل عيسى كما تزعم عملت ، ولا كما نقص علينا من أخبار الأنبياء فعلت فائتنا بما أتى به عيسى إن كنت صادقاً ، وفى رواية إسقاط ذكر موسى ، فنزل قوله تعالى { أَفَكُلَّمَا جاءَكُم رسولٌ بما لا تَهْوَى أنفُسُكُم اسْتَكْبرتُم ففريقاً كذّبْتُم وفريقاً تَقْتُلُونَ } ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك سكتوا وعرفوا أنه الوحى من الله عز وجل ، عيرهم بما فعلوا . والهمزة للاستفهام التوبيخى وفيها تعجب من شأنهم ، وهى فى المعنى داخلة على قوله استكبرتم ، فهو محط الاستفهام ، لكن فصل بينهما بقوله { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم } والفاء للاستئناف مقدمة على الهمزة فى الأصل ، ولكن أخرت لتمام صدارة الهمزة ، وكذا تقول إن جعلت الفاء عاطفة على محذوف معطوف على محذوف ، أى ولقد آتينا أنبياءكم ما آتيناهم ففعلتم ما فعلتم ، أفكلما … إلخ بعطف الاستفهام على الأخبار ، وكذا يجوز العطف على ولقد آتينا موسى الكتاب ، وليس كما قيل إن الهمزة فى مكانها إذا جعلت الفاء للاستئناف ، فإن حكم فاء الاستئناف فى ذلك حكم فاء العطف ، ولو لم يذكروه ، بل أصل فاء الاستئناف العطف وكذا واو الاستئناف ، ولذا لا يؤتى بهما للاستئناف فى أول كلام لم يسبقه شئ مذكور ولا مقدر ، وكل ظرف زمان متعلق باستكبرتم ، وذلك أنه أضيف للمصدر النائب عن اسم الزمان وهو المجئ ، فإن ما مصدرية ، وجاء فى تأويل مصدر مضاف إليه ، وتهوى بفتح الواو بمعنى تحب وماضيه هوى بكسرها وأكثر ما يستعمل شرعاً فيما ليس بحق وأما لغة فيستعمل فى الحق والباطل والمباح وهو حق ، وفى كل شئ ، وأما السقوط فيقول فيه هوى بفتحها يهوى بكسرها ، أى بما لا تحبه أنفسكم من الحق ومعنى استكبرتم تعظمتم وترفعتم عن الإيمان بالحق ، واتباع الرسول الذى جاءكم فى أى حين جاءكم ، والفريق الذين كذبوا كموسى وعيسى ومحمد وغيرهم ، وما جاء رسول إلا كذبوا به كما هو نص الآية ، والفاء فى قوله ففريقاً للاستئناف استؤنف بها كذبتم ، وتقتلون ، وفيما بعدها من الجملتين تفصيل لما تضمنه الاستكبار ، وعاطفة على استكبرتم وهى للتفصيل أيضاً أو عاطفة سببية ، بمعنى أن ما بعدها من التكذيب والقتل مسبب عن الاستكبار المذكور قبلها ، والمعطوف هو جملة كذبتم وتقتلون ، والفريق الذى يقتلون كزكريا ويحيى وعدد كثير ، روى أنهم قتلوا ثلثمائة نبى فى يوم واحد ، ثم قامت سوق بقلهم آخر النهار ، وفى رواية يقتلون ثلثمائة نبى فى اليوم الواحد ، ثم تقول سوق البقل آخره ، وهذه الرواية تدل على تعدد قتل هذا العدد فى أيام . وروى أنهم قتلوا فى يوم واحد سبعين نبيا ، وقامت سوق بقلهم آخر النهار ، ويمكن الجمع عندى بأن السبعين أنبياء رسل وثلثمائة أنبياء غير رسل أو أنبياء فيهم رسل ، وتقتلون مضارع بمعنى الماضى ، أو شبه القتل الماضى المنقطع الذى لا يرى بالقتل الحاضر المشاهد لتحقق وقوعه كتحقق المشاهد ، فعبر عنه بالمضارع الدال على الحال ، أو شبه هذا الزمان الذى نزلت فيه الآية بذلك الزمان الذى وقع فيه القتل ، كأنه زمان حاضر يشاهد ما وقع فيه من القتل ، فإن الحاضر أوقع فى النفس ، فمعاينة القتل أشد على النفس وهو فى نفسه أفظع ، وأما حكايته فدون ذلك ولو اطمأن القلب ، وفى ذلك مراعاة الفواصل ، فإنها النون آخرها قبله واو أو ياء ، ولو قال قلتم لم يكن ذلك ، ويجوز كونه للحال الحاضرة باعتبار أنهم إلى زمان النزول على ذلك الطغيان ، فكم تشاوروا فى قتل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم عدد تصدى لقتله ، وقد سحروه ، حتى نزلت المعوذتان عصمة له ، حتى سمته يهودية فى ذراع شاة حين فتح خيبر ، فمات رجل أجل منها ، وكانت سبب موت رسول الله صلى الله عليه وسلم مكثت فيه مضرة أكله منها سنين ، يتوجع بها تارة وتسكن أخرى حتى مات بها ، فجمع الله تعالى له النبوة والشهادة ، قال صلى الله عليه وسلم " ما زالت أكلة خيبر تعاودنى فهذا أوان قطعت أبهرى " @ ثم سمّت له اليهودية الشا ة وكم سام الشقوة الأشقياء @@ وذلك كله لحبّهم الدنيا ، فلا ترى أحب للدنيا من اليهود فيما يظهر لى مالها وجاهها ، كانوا كلما جاءهم رسول بما لا يحبون مما خالف شهواتهم كذبوه وقتلوه إن تهيأ لهم قتله ، وإلا كذبوه ، وقد قصدوا عيسى بالقتل فنجاه الله إليه بعد ما عملوا فى قتله ، وعالجوا حتى قتلوا أخاهم قبحهم الله وقيل قتلوا مؤمناً ألقى عليه الشبه إكراماً له .