Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 88-88)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالُوا } لرسول الله صلى الله عليه وسلم . { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } مغطاة بأغطية خلقت عليها فلا يصل إليها ما تقول يا محمد ولا نَفْقَه ، وهذا كذب منهم بل ذل قلوبهم وفهموه حقا ولم تخلق عليهم أغطية وجحدوه عمداً ، ويحتمل أن يكونوا قالوا ذلك عناداً ظاهراً وجحوداً مواجهاً ، بمعنى أن قلوبهم لم تقبل ما جاء به ، ولو كان حقا . ويحتمل أن يكون ذلك كناية عن أنهم لا يقبلون كلامه ، ولو قبلته قلوبهم وكان حقا ، ويحتمل أن يكون المعنى أن قلوبهم تأبى قبول ما قال ، لكونه خطأ فذلك كناية منهم قبحهم الله عن أن ما يقول ليس بحق ، وأنه لو كان حقا لأثر فى قلوبهم . وإن قلت كيف صح الاحتمال الذى قبل هذا ، مع أن لفظ قلوبنا غلف ينافيه ؟ قلت صح لأنه لا يلزم استعمال الكناية فى المعنى الحقيقى مع لازمه ، بل تستعمل فيها تارة وتستعمل فى لازمة فقط أخرى ، وعدم قبول كلام الإنسان فى الجملة يجوز أن يكون عن كون قلب السامع مغطى ، والغلف جمع أغلف ، والأغلف الذى لم يختن ، استعير للقلب المغطى بجامع كون الستر على كل من القلب بما غطى به فى زعمهم ، ومن رأس الذكر بالغفلة التى يقطعها الخاتن ، ولذلك صح ذلك الجمع هنا ومفرده فإن أفعل وفعلا فيما هو خلقه أو لون كأبكم وبكم وأحمر وحمر ، قال الحسن غلف قلف لم تختن ، لقولك يا محمد ، وقال ابن مجاهد عن أبيه غلف أى فى أكنة ، والمعنى واحد ، لأن هذا معنى لفظ الاستعارة فى كلام الحسن ، وتفسير الغلف بالمغطاة مروى عن ابن عباس ، وهو أيضاً معنى ذلك اللفظ ، وذلك كقوله { قلوبنا فى أكنة مما تدعونا إليه } وفى رواية عن ابن عباس أن الغلف جماعة ، والواحد غلاف وأصله غلف بضم اللام كالغين سكن تخفيفاً ، وقد روى عن أبى عمر شذوذاً بضم اللام كالغين على أصل ، وإن المعنى إن قلوبنا أوعية للعلم لا تسمع علماً إلا وعنه ، ولا تعى ما تقول لأنه ليس حقاً ، وقيل قلوبنا أوعية للعلم مملوءة به ، مستغنية عما تقول قال الله عز وجل ردا عليهم { بَل لَّعَنتمُ اللهُ بِكُفْرِهِم } أى لم يخلق الله غطاء على قلوبهم مانعاً من فهم ما يقول محمد . وقبوله وإنما خلقهم على الفطرة والتمكن من فهمه وقبوله ولذلك عصوا بمخالفة التوراة فكفروا فأبعدهم الله بكفرهم الموجب للإبعاد عن قبوله وفهمه ، فذلك خذلان فبطل تمكنهم بسوء اختيارهم مخالفة التوراة وذلك جزاء على الذنب بذنب أعظم منه ، ويجوز أن يكون لما زعموا أن قلوبهم ممتنعة من قبوله وفهمه لكونه غير صواب ، رد الله تعالى عليهم بأنها لم تمتنع لكونه غير صواب ، لأنه صواب ، بل امتنعت للخذلان الذى جره كفرهم السابق من مخالفة أمر التوراة ، كقوله { يضل من يشاء } وقوله { فأصمهم وأعمى أبصارهم } أو لما قالوا إن قلوبنا أوعية للعلم مملوءة به مستغنية عنك ، رد الله عز وجل عليهم بأنهم كفرة أبعدهم الله عن مقامات العلم ، فمن أين لهم العلم والاستغناء عنك . { فَقَليلاً مَّا يُؤمِنونَ } قليلا مفعول مطلق ليؤمنون على حد الموصوف ، وما صلة لتأكيد القلة أى يؤمنون إيماناً قليلا قلة دقيقة ، ولا يجوز أن تكون ما نافية ، لأن لا نافية الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وهنا قد عمل ما بعدها فيما قبلها فليست نافية ، وأجازه بعضهم إن لم تعمل عمل ليس ، ولأن فى كونها نافية إيهاماً فإن المعنى المقصود على النفى أنهم لا يؤمنون ولو إيماناً قليلا ، واللفظ يوهم أن الإيمان القليل لا يؤمنونه ولكن يؤمنون الإيمان الكثير ، وهذا لا يصح ، والقلة فى الآية على أصلها كما مر فى قولى يؤمنون إيماناً قليلا قلة دقيقة ، ويجوز كونها بمعنى النفى ، ولا يمكن كون ما على هذا الوجه نافية إلا على تأكيد النفى تأكيداً لغوياً اصطلاحياً ، فإن اللغوى يكون فى كل واحد من الفعل والاسم والحرف للآخر ، فكأنه قيل لا لا يؤمنون بتكرير لا ، ولو جعلت نافية غير مؤكدة للنفى المستفاد من قليلا ، لكان المعنى انتفاء عدم إيمانهم وهذا غير مراد ، وإبقاء القلة على أصلها هو الراجح والقلة إنها هى بالنسبة إلى من آمن من غيرهم إذ قد من أكثر من ثلاثة منهم كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار ورفاعة القرضى ، وذكر رفاعة القرضى فى قوله تعالى { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } أنه من عشرة من اليهود ، وأنهم المراد فى هذه الآية { الذين آتيناهم … } إلخ ، وأنا أحدهم ولا ينافى قوله هذا قول الحسن عنه صلى الله عليه وسلم أنه لو آمن بى واتبعنى وصدقنى عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودى إلا اتبعنى ، لأن المراد عشرة غير اثنين أتم بهما رفاعة العشرة التى ذكرها هو ، وقال كعب ردا على الحسن لما روى الحديث بلفظ العشرة بل اثنى عشر قال ومصداقى فى كتاب الله { ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيباً } ويحتمل أن يراد فى رواية الحسن عشرة بعد اثنين أسلما يتم بهما اثنى عشر ، ولو أسلم عشرة وهذا على أنه لم يسلم إلا اثنان كما زعم بعض المفسرين ، قال بعض لا نعلم أحداً من اليهود أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رجلا واحداً ، والحسن يذكر آخر ولا أدرى من هو .