Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 47-47)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } القسط مصدر نعت به مبالغة ولذا أفرد كأنها لشدة قسطها نفس القسط ، أى العدل ، أو يقدر مضاف ، أى ذوات القسط ، أو يؤول بقاسطة ، بمعنى عادلة . والحق عندنا - معشر الأباضية - أن وضع الموازين كناية من إثبات الحساب فى المكلفين ، وجزائهم على أعمالهم ، أى يبالغ فى الحساب مبالغة شديدة كما قال { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا } أى ظلمًا ، أو مفعول ثان لتظلم ، بمعنى تُنقَّص ، أو تمييز محول عن النائب على هذا المعنى ، أى لا يُنقص شئٌ نَفْس ، أى عملها ، أى لا يُنقص من حسناتها ، ولا من سيئاتها ، واللام ظرفية ، أى فى يوم القيامة قاله أبو حيان وابن هشام . وعن بعض بأنها بمعنى عند . وقيل للتعليل ، على حذف مضاف ، أى لأجل يوم القيامة . وقال الشنوانى أو الجزاء يوم القيامة . { وَإِنْ كَانَ } تامة بمعنى حصل { مِثَالَ } زنة { حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ } ما يرى فى الشمس من الهباء ، أو بذر اللفت ونحوه . وقرأ غير نافع بنصب مثقل على نقصان كان ، واسمها ضمير الفعل ، قبل أو فى غير الظلم ، وهو ضعيف ، إن لم يكن باطلا . { أَتَيْنَا بِهَا } الباء للتعدية ، أى أحضرناها ، وضمير المؤنث للمثقال ، وإنما أنث لتأويله بالزنة ، أو لإصابته للمؤنث ، مع صحة الاستغناء عنه ، فإنه لو قيل وإن كانت حبة من خردل ، لظهر المراد . وقرأ ابن عباس ومجاهد آتينا بالمد ، أى أعطينا صاحبها ثوابها أو عقابها وعُدِّىَ بالياء ، لتضمنه معنى المجازاة ، أو هو بمعنى المؤاتاة ، فإنهم أتوا بالعمل ، وأتاهم بالجزاء . وقرأ حميد أَثَبْنَا بِهَا ، من الثواب . وقرأ أُبىّ فجئنا بها . { وَكَفَى بِنَا } الباء صلة ، ونا فاعل به . { حَاسِبِينَ } حال لا تمييز ، لضعف كون التمييز وصفًا . والمعنى إن حسابنا كان فوق كل حساب لكمال علمنا وحفظنا . وفى ذلك توغيب فى الحسنات وبعُد عن السيئات قال صلى الله عليه وسلم لا تغتروا بالله ، فإنه لو كان مُغْفِلاً شيئًا لأغفل الذرة والبعوضة والخردلة . فصل مذهبنا - معشر الأباضية - كما مر - أن الميزان عبارة عن إثبات الحساب والجزاء ، وإظهار أن فعلك أيها المكلف كذا وكذا ، قد أوجب لك من الخير أو الشر كذا وكذا أصح . وإن شرَّك مغفور ، وخيرك مقبول . وإن خيرك غير مقبول ، وشرَّك مؤاخذ به ، وذلك مذهب أكثر المعتزلة . وقالت الأشعرية وغيرهم إن الميزان عمود وكفتين ولسان ، وإن طول الدنيا وسعة كفتيه سعة السماوات والأرض . وروى أن داود - عليه السلام - سأل ربه أن يريه الميزان ، فأراه كل كفة ما بين المشرق والمغرب . فلما رآه غُشى عليه ، ثم أفاق وقال إلهى من الذى يقدر أن يملأ كفته حسنات ؟ قال يا داود إنى إذا رضيت عن عبدى ملأتها بتمرة . وذكر أحمد بن حنبل وابن حبان والحاكم ومسلم والترمذى وابن ماجة واللفظ للترمذى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله عز وجل سيستخلص رجلا من أمتى على رءوس الخلائق يوم القيامة ، فيُنْشَر عليه تسعة وتسعون سجلا ، كل سجل مثل مد البصر ، ثم يقول أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلَمك شيئًا كتبتى الحافظون ؟ فيقول لا يا رب . فيقول ألك عذر ؟ فيقول لا يا رب . فيقول الله تبارك وتعالى بل لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم ، فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله . فيقول احضر وزنك . فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ ! فيقول فإنك لا تظلم فتوضع السجلات فى كفة ، فطاشت السجلات ، وثقلت البطاقة ، ولا يثقل مع اسم الله شئ " . والسجل الكتاب الكبير . والبطاقة الصغير . والطيش الخفة . وأجر الشهادة كما ذكروا وأكثر ، ولكن المراد أن ذلك لمن مات تائبًا ، فيظهر الله له أن ذنوبه مثل تلك السجلات ، وأنه لما تاب قبلت توبته ، فغلبت عليها شهادته . ونسبوا كونه ميزانا فى كفتين وعمود ولسان إلى الحسن ، وذكروا أن الكفة اليمنى كفة نور توضع فيها الحسنات ، واليسرى توضع فيها السيئات ، وهى كفة ظلمة . فبعض يقول ليس علينا البحث عن كيفية الوزن ، بل نؤمن به وتفوِّض كيفيته إلى الله تعالى . وقيل توزن صحائف الأعمال . قلنا إذًا تكون الزيادة فى الموزونات من الأعمال . وبعض يقول تجعل الحسنات أجساما نورانية بيضاء حسنة ، والسيئات أجساماً ظلمانية قبيحة ، جوابًا عما يقال إن الأعمال أعراض لا توزن ، وأنها قد عدمت ، فلا توجد . سلّمنا أن الله قادر على قلب الأعراض أجساماً ، بل وعلى إيجاد الأعراض الممدومة وعلى وزنها ، لكن لا فائدة فى الوزن ، مع أن الله عالم بمقاديرها ووزنها غيب . وإن قالوا فائدته امتحان العباد بالإيمان بالغيب فى الدنيا ، وجعل ذلك علامة لأهل السعادة والشقاوة . قلنا هذا موجود فى تفسيرنا الميزان ، بتعريف العباد ، ما لهم من الجزاء على الخير والشر ، وإحضار ذلك الجزاء . وبعض يقول يخلق الله أجساما على عدد تلك الأعمال من غير قلبها . وفيه ما فى الذى قبله . وإذا أدحضت حججهم قالوا إن لوزنها حكمة أبهمها الله ، كما صرح به بعض ، وبأن ذات الميزان لا تعرف من أى شئ هى ؟ وما ورد فى ذلك من الأخبار فمعناه معنى الآية الذى أوضحناه . فمن ذلك ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه توزن الصحف . فمعنى وزنها الجزاء بما فيها وترجيح خيرها على شرها ، أو شرها على خيرها . وزعم بعضهم أن الراجح فى ذلك الميزان يرتفع والمرجوح يتسفل . ولا توزن أعمال المشركين لقوله { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } عند بعضهم . والراجح عندهم وزنها لقوله عز وعلا { ومن حقّت } - إلى - { تكذبون } وأجيب عن الآية الأولى ، أن المعنى احتقارهم ، وأنهم لا قدر لهم فى الآخرة أو أنه لا يقال لهم وزن نافع . وقالوا إنه توزن سيئات من لا حسنة له إعلانا بفضيحته ، وحسنات من لا سيئة له ، إعلانا بشرفه . وقيل بعض الكفار يعجل بهم إلى النار بلا وزن ، وبعضهم يوزن له ، ويلقى فى النار . وقال الغزالى من الأمة سبعون ألفا يدخلون الجنة بلا حساب ، لا يرفع لهم ميزان ، ولا يأخذون صحفا ، يكتب لكل واحد صحيفة ، فيها براءة فلان ابن فلان . ولا توزن أعمال الأنبياء ، ولا أعمال الملائكة . قال أبو الحسن القابسى والصحيح أن الحرص قبل الميزان . وما ذهب إليه أبو طالب المكى وغيره أن الحوض بعد الصراط غلط فيه . وأجيب عن قوله صلى الله عليه وسلم لأنس إن لم تلقنى عند الصراط فاطلبنى عند الميزان ، فإن لم تلقنى فعند الحوض ، فإن الذكر فيه بحسب الأهمية . وصحح القرطبى أن للنبى صلى الله عليه وسلم حوضين ، كلاهما يسمى كوثرا ، وأن الحوض الذى يذد عنه مَن بدَّل أو غيَّر ، يكون فى الموقت قبل الصراط . وإن قلت إذا كان الميزان بمعنى ما ذهبتَ إليه ، أو بمعنى ما ذهب إليه القوم فكيف جمع ؟ قلت جمع إما للتعظيم ، وإما نظراً لتعدد الموزون ، وإما لأن لكل صنف من الأعمال ميزانا ، وإما لأن لكل مكلف ميزانا . أقوال . والجمهور على أن الميزان واحد . قيل إن الموازين جمع مَوْزَن . واختلفوا هل تجعل حسنات العباد كلها فى كفة النور ، وسيئاتهم فى كفة الظلمة ، ويخلق الله علما ضروريا لكل إنسان ، يعلم به خفة أعماله ، أو ثقلها ؟ أو يقوم عمود من نور من كفة النور ، يغطى كفة الظلمة ، يظهر للسعيد ، وبالعكس للشقى ، أو يوزن عمل كل أحد على حِدَة ، كما رزقهم على كثرة عددهم ؟ أقوال . قالوا وصحائف الأعمال التى توزن كلها تحت العرش . وهل الحوض مختص بنبينا صلى الله عليه وسلم ؟ أو لكل نبى حوض يتباهَوْن أيهم كَثُرَ وِرْد حَوضه ، كما روى فى حديث غريب لا تقوم به حجة ؟ قولان .