Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 87-87)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَذَا النُّونِ } صاحب الحوت أضيف للحوت لأن الحوت بلعه ، وهو يونس بن مَتَّى . قال السهيل هذا مقام ثناء على يونس ، ولذا عبر عنه بذو ، بخلاف { ولا تكن كصاحب الحوت } والإضافة بذو أشرف من الإضافة بصاحب لأن ذو تضاف إلى التابع وصاحب يضاف إلى المتبوع . انتهى . ولعل هذا غير لازم ، وهو نبى من أهل نِينَوِى . { إذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا } لقومه أى غضبان عليهم غضبا شديدا ، مما قاسى منهم من التكذيب وغيره ، ولم يؤذن له فى ذلك سئم بقومه ، وذهب عنهم غضبا ، قبل أن يؤمر . وقيل وعدهم بالعذاب غدا ، ولم يأتهم العذاب غدا لقوتهم ، ولم يعرف بذلك ، وظن أنه يقال فيه كذب . وغضب من حيث بلغه تكذيبهم إلى هذا المقام ولم يقل غضبان ، بل مغاضبًا لأن مفاعِل والتفاعُل يستعمل كثيراً للمغالبة ، فاستعمل منه مفاعِل هنا ، قصدا للمبالغة ، أو الألف للتعدية لأنه أغضبهم بالمهاجَرة ، لخوفهم لحوق العذاب ، كما يقال ماشيْتُه وسايرتُه . وقرأ أبو شرف مغضبًا بفتح الضاد . ونقل عنه أبو حيّان مغاضَبا بفتحها . { فظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ } لن نقضى عليه ما قضينا ، من حبسه فى بطن الحوت . ويدل لهذا أنه قرأ الزهرى والحسن نُقَدِّر بضم النون وفتح القاف وتشديد الدال . وقرئ نَقْدِر بفتح وسكون القاف وكسر الدال . وقرأ يعقوب بالياء والبناء للمفعول . وقرئ بالياء والبناء للمفعول مع التشديد . وفاعل ذى الياء ضمير الله ، ونائبه عليه . وقيل فى المعنى ذلك هو التضييق ، أو تقدير الله عليهم عقوبة ، أو المراد أنه ظن أن لن تعمل فيه قدرتنا . وقيل ذلك من المجاز المركب لاستعارى ، مُثّلت حاله بحال من يظن أنه لن يقدر الله عليه ، فى مراغمته قومه ، من غير انتظار لأمرنا ، أو وسوس له الشيطان أنه لا يقدر عليك ولم يتبعه ، ولا كاد يتبعه ، أو يقبل وسوسته ، ولكن سميت ظنًّا ، للمبالغة والتغليظ عليه ، حيث ذهب ولم يؤمر ، بل أمر قبل ذلك بالصبر على دعائهم ، وظن أن ذلك يسوغ له ، إذ لم يفعل إلا غضبًا لله تعالى وبغضًا للكفر وأهله . وتلك المعانى كلها ، يقبلها التخفيف والتشديد . وإذا رأيت التشديد مستغنى عنه فاجعله لموافقة التخفيف ، أو للتوكيد . وخص بعضهم التفسير ، بأنه ظن أن لن تعمل فيه قدرتنا والتفسير بالمجاز المركب والتفسير بالوسوسة بقراءة التخفيف . وممن فسر الآية بالقَدْر لا بالقُدرة ابن عباس . رُوى أنه دخل على معاوية . فقال معاوية لقد ضربتنى أمواج القرآن البارحة فغرقتُ ، فلم أجد لنفسى خلاصا إلا بك . قال وما ذاك يا معاوية ؟ فقرأ الآية فقال أوَ يظن نبى الله أن لا يقدر عليه الله ؟ قال هذا من القَدْر لا من القُدرة . وزعم بعضهم أنه غضب لأن العذاب لم ينزل عليهم ، وهو باطل لأن فيه طرفا من معاداة الله . وإنما فر سآمة وغضبًا لدين الله - كما مر - أو خشية أن ينسب إليه الكذب ، أو يعمه العذاب ، ولم يؤمر . فذلك ذنبه . وعن ابن عباس إن يونس وقومه يسكنون فلسطين ، فغزاهم ملك نسبّه منهم سبعة أسباط ونصف ، وبقى سبطان ونصف ، فأوحى الله إلى أشعياء النبى أن سر إلى حرفيا الملك ، وقل له يوجه نبيًّا قويا ، فإنى ألقى فى قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بنى إسرائيل ، ففعل . فقال الملك فمن ترى ؟ وكان فى مملكته خمسة أنبياء . قال يونس لأنه قوى فدعاه الملك ، وأمره أن يخرج . فقال هل أمرك الله بإخراجى ؟ وهل سمانى لك ؟ قال فها هنا أنبياء أقوياء غيرى . فألحوا عليه ، فخرج مغاضبًا للملك والأنبياء وللقوم ، وأتى بحر الروم فركبه . وقيل خرج من قومه لما لم يؤمنوا ، وكان عندهم عادة أن يقتلوا الكاذب . وقيل اعتادوا هذا بعد إيمانهم . وعن ابن عباس أتى جبريل يونس فقال انطلق إلى أهل نينوى فأنذرْهم فقال ألتمس دابة . قال الأمر أعجل من ذلك . فغضب وانطلق إلى السفينة . قال وهب كان فى خُلُق يونس ضيق ، فلما حمل أثقال النبوة تَفَسَّخ تحتها ، تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل ، فقذفها من يده ، وخرج هاربًا منها . ولذلك أخرجه الله من أولى العزم إذ قال لنبيه { فاصبر كما صبر أولو العزم } وقال { ولا تكن كصاحب الحوت } وزعم بعض أن الشيطان استزله حتى ظن أن الله لا يقدر عليه ، وهو قول منكر . ولبث فى بطن الحوت عشرين يوماً بلياليها . وقيل سبعة أيام . وقيل ثلاثة . وقيل أربع ساعات . وقيل إن الحوت ذهب حتى بلغ تخوم الأرض السابعة . وتاب إلى الله ، وراجع نفسه فى بطن الحوت . وروى أنه طال عليه تكذيبهم ، فأوحى الله إليه أن العذاب يأتيهم يوم كذا وكذا . فلما دنا الوقت تنحى عنهم . ولما كان قبل الوقت بيوم ، جعل يطوف بالمدينة يبكى ويقول يأتيكم العذاب غداً ، فسمعه رجل فانطلق إلى الملك ، فأخبره أنه سمع يونس يبكى ، ويقول كذا . فدعا الملك قومه ، وأخبرهم . فقال إن كان هذا حقًّا فسيأتيكم غداً . فاجتمِعوا حتى ننظر . وخرجوا غداً ، فنظروا فإذا بظلمة وريح شديدة أقبلتا ، فعرفوا الحق ، ولبسوا الشَّعَر ، وجعلوا التراب والرماد على رءوسهم تواضعًا لله وتضرعًا ، وبكوا وآمنوا . فصرف الله عنهم العذاب . فاشترط بعضهم على بعض ألا يكذب أحد كذبة إلا قطعنا لسانه . فجاء يونس من الغد ، فنظر فإذا المدينة على حالها ، والناس داخلون وخارجون فقال كيف ألقاهم بوجه كاذب . فأتى إلى ساحل البحر ، فمرت سفينة ، فأشار إليهم ، فحملوه وهم لا يعرفونه فقبع فى ناحية منها فرَقد ، فما مضوا إلا قليلا حتى جاءتهم ريح كادت السفينة تغرق . فاجتمعوا فقالوا أيقظوا الرجل ليدعوا معنا فأيقظوه . فدعا معهم ، فرفع الله تلك الريح ، وعاد لمكانه فعادت الريح ، فكادت السفينة تهلك ، فأيقظوه فدعوا فزالت الريح فتفكر فقال هذا من خطيئتى . فقال لهم شدونى وثاقا ، وألقونى فى البحر فقالوا لا نفعل ، وحالك ما نرى ، ولكن نقترع . ففعلوا ، فجاءت له ، وقالوا لا حتى تعيد ، فأعادوا ، فجاءت له . فانطلق إلى صدر السفينة ليلقى نفسه ، فإذا بحوت فاتح فاه . فانطلق لجانب آخر ، فإذا فيه الحوت ، فألقى نفسه . فأوحى الله إنى لم أجعله لك رزقا ، بل جعلت بطنك له سجناً ، فلا تكسرن له عظمًا ، ولا تقطعن له شَعرًا ، فبقى فى بطنه . قال الشيخ هود أربعين ليلة . { فَنَادَى فِى الظُّلُمَاتِ أَنْ } مخففة من الثقيلة ، اى بأن أو تفسيرية { لا إِلَهَ إلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } فى ذهابى من غير أن تأمرنى ، أو فى غضبى لنفسى أن أسمَّى كاذبا . والمراد بالظلمات الظلمات المتكاثفة فى بطن الحوت . وقيل ظلمة بطن الحوت ، وظلمة الليل ، وظلمة البحر . وقيل بلع حوته حوتا أكبر منه ، فهو فى ظلمتى بطن الحوتين ، وظلمةِ البحر . " وعنه صلى الله عليه وسلم دعوة أخى ذى النون { لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين } ما دعا بها مؤمن ، أو قال مسلم ، إلا استجيب له " . وعنه صلى الله عليه وسلم " أيما مسلم دعا بها فى مرضه أربعين مرة ، فمات فى مرضه أُعطى أجر شهيد ، وإن برئ ، برئ وقد غفر له جميع ذنوبه " . ومصداق عموم بركة هذا الدعاء لكل مسلم دعا به { وكذلك ننجى المؤمنين } كما روى عنه صلى الله عليه وسلم . " وروى أنه هَوَى به الحوت إلى مسكنه أسفل البحر ، وسمع يونس فيه حسًّا فقال فى نفسه ما هذا ؟ فأوحى الله إليه هذا تسبيح دواب البحر ، فسبَّح هو بالدعاء المذكور . فسمع الملائكة تسبيحه فقالوا يا ربنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة ، وفى رواية صوتا معروفا فى مكان مجهول . فقال ذلك عبدى يونس ، عصانى فحبسته فى بطن الحوت . فقالوا العبد الصالح الذى كان يصعد منه كل يوم وليلة عمل صالح ؟ قال نعم . فشفعوا له عند ذلك " . " وروى أنه سجد فى بطن الحوت ، حين سمع تسبيح الحوت " . " ورأى بعضهم النبى صلى الله عليه وسلم فى النوم . فقال يا رسول الله لى حاجة إلى الله ، فبماذا أتوسل إليه ؟ فقال مَن كانت له حاجة إلى الله تعالى فلْيتوضأ ، وليسجد وليقل فى سجوده أربعين مرة ، ويشير بأصبعه { لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين } فإنه يستجيب دعوته " . وعنه صلى الله عليه وسلم " اسم الله عز وجل الذى إذا دُعِىَ به أجاب ، وإذا سُئل أعطى دعوة يونس بن مَتَّى " . وقالوا مَن كتبها فى جلد ظبى وعلّقها فى وسطه ونام ، فإنه لا يستيقظ حتى يقلع عنه الكتاب . وهذا يصلح لمن طال سهره لكفرة وخوف ، أو نحوهما .