Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 113-114)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَيْسُوا } أى أهل الكتاب . { سَوَاءً } مستوين فى القبائح ، قال ابن عباس رضى الله عنهما لما أسلم عبد الله بن سلام ، وثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسيد بن عبيد قال الكفار من أحبار اليهود ما آمن بمحمد إلا شرارنا ، ولو كانوا خياراً ما تركوا دين آبائهم . فأنزل الله جل وعلا { لَيسُوا سَوَاءً } الآية ، ومثله لقتادة وابن جريج أى أن أهل الكتاب الذين سبق ذكرهم ، أن منهم مؤمنين وأن أكثرهم فاسقون ليسوا سواء فضلا عن أن يكون الكفار خياراً ، بل من آمن منهم هم الأخيار ، فالأمة القائمة فى قوله تعالى { مِنْ أهْلِ الكِتَابِ أمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آنَاءَ اللّيلِ وَهُم يَسْجُدُون . يُؤمِنُونَ بِاللهِ والْيَوْم الآخِرِ ويَأمُرونَ بالمَعْروفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَر ويُسَاعُون فِى الْخَيْرَاتِ وَأولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ } هم المؤمنون المذكورون فى قوله تعالى { منهم المؤمنون } ومقابله محذوف وهو الأكثر الفاسقون ، أى ومنهم من ليس كذلك ، ولم يذكر هذا المقابل المذموم استغناءً بذكر مقابلة الممدوح لعلمه منه ، ولأنه قد ذكر قبل بقوله { وأكثرهم الفاسقون } ولو كان المؤمنون أيضاً قد ذكروا لأنهم أعيدوا للرد على اليهود ، ومن مثل ذلك الحذف قولك زيد وعمرو ليسا سواء ، زيد عالم ، فتعلم من ذلك أن المقابل وعمرو جاهل فحذف وذلك إخبار بأن من أهل الكتاب من بقى على الحق إلى أن أتى محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال الحسن من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وزعم بعض أنه لا وقف فى سواء وأن الواو فى ليسوا علامة جمع لا ضمير ، وأن أمة اسم ليس ومن أهل الكتاب حال من أمة ، وهذا قول ضعيف ، وقيل الواو فى ليسوا عائداً إلى أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم واليهود وأن الأمة القائمة هى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنهم من جملة من أوتى الكتاب ، والقائمة هى المستمرة للطاعة ورفع منار الإسلام ، وذلك أن القاعد لا يقوى على الأعمال القوية ، فصارت العرب تعبر بالقيام عن التشمر والحزم فى الأمر ، ويجوز أن يكون معناه غير معوجة فى عملها ، واعتقادها ، كالشىء المستوى القامة ، كأنه قيل أمة مستقيمة ، بإقامة حدود الله وكتابه ، وقيل قائمة فى الصلاة ، ومعنى { يَتْلُونَ آياتِ الله } يتلون آيات الله بالقراءة أى يقرءونها ، وهى القرآن تتلوه هذه الأمة ، أو من آمن من أهل الكتاب يقرؤه ، أو هى التوراة يتلوها من بقى على الحق ، و { آنَاءَ اللّيل } ساعات الليل ، والمفرد إنى - بكسر الهمزة وإسكان النون - وجملتهم يسجدون حال من واو يتلون ، ومعنى { يسجدون } يصلون ، إذ لا قراءة فى السجود والركوع ، وقيل إلا أن كانت صلاة النفل ، أو يتلون تارة فى الصلاة قياماً ثم يسجدون ، سمى الكل باسم البعض ، فالمراد يتلون آيات الله فى الصلاة ويجوز أن تكون معطوفة عطف اسمية على فعلية ، أخبرنا برسوخهم فى الصلاة ، أى أن من صفة الأمة التلاوة والصلاة ، وعلى كل حال فالصلاة صلاة نفل فى الليل ، وقيل مستأنفة ، وقيل المراد صلاة العشاء ، لأن أهل الكتاب لا يصلونها ، قال ابن مسعود رضى الله عنه " أخر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، صلاة العشاء ، ثم خرج إلى المسجد ، فإذا الناس ينتظرون الصلاة ، فقال " أما أنه ليس فى أهل الأديان أحد يذكر الله فى هذه الساعة غيركم ؟ " قرأ هذه الآية . وقال عطاء فى قوله تعالى { لَيسُوا سَوَاءً } الآية إن الأمة القائمة التالية لآيات الله الساجدة أربعون رجلا من نصارى نجران ، واثنان وثلاثون من الحبشة ، وثمانية من الروم ، وكانوا على دين عيسى عليهِ السلام ، وصدقوا برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وآمنوا به ، وعدة من الأنصار منهم أسعد بن زرارة ، والبراء ابن معزوز ، ومحمد بن سلمه ، وأبو قيس سلمة بن أنس ، كانوا قبل الإسلام موحدين ، يغتسلون من الجنابة ، ويقومون بما عرفوا من الشريعة الحنيفية ، حتى بعث الله تعالى النبى صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا به وصدقوه ، ثم إنهُ إن فسرنا الصلاة بصلاة النفل ، فالمعنى أن الشخص الواحد تارة يقوم ساعات الليل كلها ، وتارة يقوم فى هذه الساعة من الليل ، وتارة فى هذه . وهكذا بحسب تمكنه من القيام ، وإن شخصاً يقوم فى هذه ، وآخر فى هذه وهكذا . ودرس العلم فى الليل أفضل من الصلاة فيه ، لمن أخلصهُ لما يرجى من نفع المسلمين به ، وكانوا يستحبون الصلاة آخر الليل ، لرواية أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قال " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول من يدعونى فأستجيب له ، من يسألنى فأعطيه ، من يستغفر لى فأغفر له " . وعن عمرو بن عنيسه أنهُ سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول " أقرب ما يكون الرب من العبد فى جوف الليل الأخير ، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله فى تلك الساعة فكن " " وعن أبى إمامة يا رسول الله أى الدعاء أسمع ؟ قال " جوف الليل الأخير ، ودبر الصلاة المكتوبة " ويروى جوف الله الأخير أرجى ، ومعنى نزول الرب سُبْحَانهُ نزول مناديه ، أى ينزل داعى ربنا وهو ملك يقول عن الله من يدعونى … إلخ ، وقيل السجود هنا الخضوع لله ، عز وجل ، وعنه صلى الله عليهِ وسلم " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وإن قيام الليل قربة إلى الله وتكفير السيئات ، ومنهاة عن الإثم ، ومطردة للداء ، عن الجسد " وجملة { يتلون } نعت أمة ، أو حال من أمة ، أو من ضمير { قائمة } و { يؤمنون } نعت ثالث ، أو حال من { أمة } أو من واو { يتلون } ، أو واو { يسجدون } ، واليهود على خلاف ذلك ، لأنهم مشركون بالله ، ملحدون فى صفاته ، يصفون يوم القيامة بخلاف صفته ، لا يعبدون فى الليل لا يأمرون بالمعروف ، ولا ينهون عن المنكر ، بل يداهنون ولا يسارعون فى الخيرات ، والأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر فى الآية على عمومها . وقيل { المعروف } الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، و { المنكر } الكفر بهما ، وأكد الله تبارك وتعالى المدح بوصف الأمة ، بتلاوة آيات هى الهيئة فى وقت يكون تخصيصه بالعبادة ناشئاً عن الإخلاص حال كون التلاوة مقرونة بهيئة الخضوع ، وهى السجود ، ومعنى المسارعة فى الخيرات المبادرة إليها خوف الموت ، لا يتشاغلون ويتكاسلون ، كما قال صلى الله عليه وسلم " اغتنم خمساً قبل خمس " قال بعض الناس دخلت مع بعض الصالحين فى مركب فقلت ما تقول أصلحك الله فى الصوم فى السفر ؟ فقال لى إنها المبادرة يابن أخى . و { فى } بمعنى إلى ، أو هى للظرفية على تضمين الشروع لعجلة أو معنى اللبث فيها من واحد لآخر ، ومعنى { من الصالحين } أنهم ممن صلحت أحوالهم عند الله ، واستحقوا رضاه وثناءه . و { من } للتبعيض ومن أجاز أن تكون لبيان الجنس ، فلعله أراد أن المعنى أولئك هو الصالحون أى الكاملون فى الصلاح ، وذلك على العموم ، وقيل المعنى أولئك من المسلمين ، فخص الصالحين بهذه الأمة المؤمنين .