Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 133-133)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّنْ رَّبِّكُمْ } جدوا فيما يوصلكم إلى مغفرة عظيمة من ربكم من الأعمال الواجبة ، والمندوب إليها كاجتهاد دائنين كل منهما يجتهد أن يفوق الآخر فى أمر ، لأنهما يشتد اجتهادهما ، كما يدل له قوله تعالى { فاستبقوا الخيرات } ونكر المغفرة للتعظيم ، وسمى المسارعة إلى الفرائض ، وما دونهما من الطاعة ، مسارعة إلى المغفرة ، لأن الطاعة سبب المغفرة ، وعن ابن عباس إلى الإسلام ، فإن أراد الإسلام الطاعة ، شملت الفرض وما دونه ، كما رأيت ، وإن أراد التوحيد فأراد التمثيل بدليل أنه قد روى عنه أيضاً أنه قال " إلى التوبة " وقالوا التوبة من الذنوب ، وأنها توجب المغفرة ، ومن الطاعة التوحيد وهو أعظمها ، ومن الذنوب الشرك وهو أقبحها ، وعنه إلى التوبة من الربا وسائر الذنوب ، وقال على إلى أداء الفرائض ، وقيل إلى الجهاد ، وقيل إلى الإخلاص ، لأنهُ لا يقبل عمل بدونهُ ، وبه قال عثمان ، وقال سعيد بن جبير إلى تكبيرة الإحرام ، وهو مروى عن أنس ، والتعميم أولى ، قال النووى ينبغى لمن بلغه شىء من فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة ، انتهى . وهذا دأب أبى خزر - رحمه الله - وفى الحديث إذا أمرتكم بشىء فائتوا منه ما استطعتم ولعل من خص ، أراد التمثيل إلا من ذكر علة التخصيص ، وكذا فى قول من قال إلى الهجرة ، وقول من قال إلى الصلاة ، وتلك القراءة قراءة نافع وابن عامر ، وهى التى فى كتب أهل المدينة والشام ، وهى أولى ، وقرأ غيرهما ، وسارعوا بالواو ، قبل بالسنين عطفاً على أطيعوا ، وقرأ أبى ، وعبد الله بن مسعود بالواو . { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ } الجملة نعت جنة والمراد عرضها ، كعرض السماوات والأرض ، فالكلام على حذف المضاف ، وأداة التشبيه ، ولم يذكر الطول ، لأنه إذا كان العرض كعرض السماوات والأرض فمعلوم أن طولها أعظم ، والمراد بالأرض الجنس ، فشملت سبع أراضين . قال ابن عباس كسبع سماوات ، وسبع أراضين لو وصل بعضهما ببعض ، فإما أن يكون ذلك تمثيلا للوسع ، وأن عرض الجنة أكثر ، وسواء أبقينا على ظاهره ، أو فسرناه بمعنى الوسع ، كما روى عنه مولاه كريب كما قال الشاعر @ كأن بلاد الله وهى عريضة على الخائن المطلوب كفة حابل @@ وإما أن يكون المراد أن توصل السماوات والأرضون السبع بجنب بعض وتمد حتى تكون كالورقة فى الرقة وأدق ، فإن غلظ كل أرض وكل سماء خمسمائة عام فلو مدت أرض واحدة أو سماء واحدة هذا المد لم يعلم غاية سعتها إلا الله ، فكيف بمد سبع سماوات وسبع أراضين ؟ وإما أن تكون الجنة التى عرضها السماوات والأرضون للسعيد الواحد ، ولكل سعيد مثله ، كما تقول ركب القوم دابة ، وتريد ركب كل واحد دابته ، وإما أن يكون المعنى معروضها السماوات والأرض ، أى ما تعرض به وتقوم به ، لو عرضت للسبع السماوات والأرض ، وهذا أيضاً تمثيل لأن ثمن الجنة الواحدة للرجل الواحد أعظم من ثمن السماوات والأرضين ، وزائد عليه بما لا يعرف قدره إلا الله ، وكان التمثيل بهن فى هذا القول ، وقول قد تقدم لأنهن أعظم وأوسع ما عرفه الناس من خلق الله جل وعز ، وروى " أن رجلا سأل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن قوله تعالى { وَجَنّةٍ عَرْضُها السماواتُ والأرض } فقال " هى مائة درجة ، وكل درجة منها عرضها السماوات والأرض " وقيل عرض بابها كعرض السماوات والأرض ، وهو قول ضعيف ، لأنه خلاف الظاهر ، ولقوله صلى الله عليه وسلم " إن بين المصراعين من أبواب الجنة مسيرة أربعين سنة ، وسيأتى يوم يزدحم الناس فيه على الباب كما يزدحم الإبل إذا وردت خمصاً ظماء " ، وفى الحديث أن فى الجنة شجرة يسير الراكب المجد فى ظلها مائة عام ، لا يقطعها . والجنة أعظم من السماوات والأرضين ، فمعنى كونها فى السماء عن يمين العرش ، أو العرش سقفها أنها عن يمينه ، مسقفة بجانبه الأيمن والله أعلم بيمينه وتمتد حتى تجاوز السماء ، فالعرش أعظم من الجنة . وفى الحديث " ما لسماوات السبع والأرضون السبع فى الكرسى إلا كدارهم ألقيت فى فلاة من الأرض ، وما الكرسى فى العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت فى فلاة من الأرض " وفيه رواية مختلفة الألفاظ ، ويزيد بعضها على بعض ، فمعنى ما يروى أن الجنة فى السماء السابعة أنها فوق السماوات وتحت العرش كما سأل أنس عن الجنة أفى السماء هى أم فى الأرض ؟ فقال أى أرض وأى سماء تسع الجنة ، فقيل فأين هى ؟ فقال فوق السماوات تحت العرش وفى الحديث " سقف الفردوس عرش الرحمن " وعن قتادة الجنة فوق السماوات السبع ، والنار تحت الأرضين السبع ، وروى أن موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام سأل ربه عن أدنى أهل الجنة منزلة ، فأوحى الله إليه أنهُ رجل يأتى بعد ما يدخل أهل الجنة فيقال لهُ أترضى أن يكون لك ما كان لملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول رضيت أى ربى فيقال لك ذلك ، ومثلهُ معه ومثله معه ، فقال فى الخامسة أرضيت أى ربى ، فيقال له لك ذلك ، وعشر أمثاله ، فيقول رضيت . أى ربى . فقال لهُ فإن لك مع هذا ما اشتهت نفسك ولذت عينك . وعن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جناته وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرياته مسيرة ألف سنة " قلت لعل هذا من أمته صلى الله عليه وسلم ، والمذكور فى الحديث قبله من أمة موسى ، كأنه سأل موسى ربه تبارك وتعالى ، عن أدنى أهل الجنة من بنى إسرائيل ، أو هذه الغاية فى الحديث هى واقعة قوله فإن لك مع هذا ما اشتهت نفسك ولذت عينك . وفى الحديث عنه ، صلى الله عليه وسلم " أنه إذا دخل أهل الجنة الجنة ، تبقى فيها فضلة فينشئ الله لها خلفاً " ، وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا هرقل إلى الإيمان فكتب إليه هرقل إنك تدعونى إلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار ؟ " فقيل فى تفسيره إنه إذا دار الفلك حصل النهار فى جانب والليل فى جانب آخر ضده ، فكذلك الجنة فى جهة العلو والنار فى جهة السفل ، وأنا أقول ليس المعنى كذلك ، بل المعنى إظهار العجز عن معرفة ذلك ، وإحالة علمه على الله ، ثم رأيت ولله الحمد ما يوافقه وأنا مسرور جدا بالموافقة ، وهى من نعم الله العظمى ، وذلك أن طارق بن شهاب روى أن ناساً من أهل الكتاب سألوا عمر بن الخطاب وعنده أصحابه ، فقالوا أرأيتم قولكم { وجنة عرضها السماوات والأرض } فأين النار ؟ . فقال عمر أرأيتم إن جاء الليل فأين يكون النهار ؟ وإذا جاء النهار فأين يكون الليل ؟ فقال إن مثلها فى التوراة ، ومعناه حيث يشاء الله تعالى . { أُعِدَّتْ } هيئت . { لِلْمُتَّقِينَ } فهى موجودة الآن كما دلت الآية على ذلك ، وعلى أنها خارجة عن هذا العالم ، لأنها عرضها عرض السماوات والأرض فكيف تكون فيهن وتفنى يوم القيامة وترد كما كانت ، وقيل لا تفنى يوم القيامة إلا ما فيها من الحور العين ، وما فيها من حى ، فإنه يموت يوم القيامة ويبعث كما كان وكذا الخلاف فى النار .