Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 135-135)

Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَالَّذِينَ } معطوف على المحسنين ، أو على العافين ، فالجملة بينهما معترضة ، وكذا إن عطف على الذين ، وفيهما مر من كون هؤلاء الصفات لموصوف واحد ، أوكد لها صاحب ، ويجوز كون مبتدأ ، خبره { أولئك جزاؤهم مغفرة } { إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً } فعلة بالغة فى القبح كالزنى وقتل النفس ، وكشف العورة ، وفسرها السدى الزنى ، وقيل الفاحشة هنا الكبائر والظلم فى قوله عز وجل . { أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } الصغائر وعلى القول الأول فى الفاحشة يكون الظلم الصغائر وباقى الكبائر ، وقيل الفاحشة الزنى ، وظلم أنفسهم هو مقدمات الزنى كالمس والقبلة ، وقيل الفاحشة ظلم غيره ، والظلم معصية التى ليست ظلماً لغيره . { ذَكَرُواْ اللَّهَ } ذكروا عظمة الله المتعالى عن العصيان ، فاستحبوا حقه وهو أن يطاع ، ولا يعصى أو حكمه على العاصى ، أو وعيده ، أو يذكر الله نطقاً بتسبيحه وتقديسه ، والثناء عليه ، لأنهُ ينبغى لمريد أن يسأل الله سبحانهُ أن يقدم الثناء على مسألته ، وهؤلاء أرادوا سؤال المغفرة ، كما قال { فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } وقيل هذه الجملة مفسرة لقوله { ذَكَرُواْ اللَّهَ } واللام للتعليل ، أو بمعنى عن ، بمعنى طلبوا ليخلص عنها ، أو بمعنى من الابتدائية ، أى طلب الانتقال من لازم الذنوب ، أو للتعدية ، وإنما يحصل الاستغفار بالندم ، وأما مجرد الاستغفار باللسان ، فلا يزول به الذنب ، كما لا يحصل الذنب بخطأ اللسان ، وكما لا يحصل الاستغفار بخطأ اللسان بالاستغفار ، وفى الكلام حذف ، أى فاستغفروا الله لذنوبهم . { وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ ؟ } الاستفهام للإنكار ، أعنى لنفى إن يغفر الذنوب ، غير الله بدليل إلا ، والله بدل من المستكن فى يغفر ، وهذه الجملة معترضة ، بين المعطوف عليه ، والعاطف مع المعطوف ، فى قوله { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ } فإن قوله { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ } عطف على { ذكروا } أو { استغفروا } وحكمة الاعتراض بها والله أعلم ، أن يذكر فى جواز ذكر الاستغفار ما يدل على سعة رحمة الله ، وعموم المغفرة والحث على الأستغفار ، والوعد بقبول التوبة ، وعلى أن التائب كم لا ذنب لهُ وأنه لا مفزع للمذنب إلا فضل الله وكرمه ، وأن عفوه أعظم من كل ذنب ، أى لم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين ، أو قوله { ومن يغفر } إلخ على تقدير قائلين ومن … إلخ . وكان جابر بن زيد إذا قرأ { وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّه } قال لا أحد يغفرها غيرك يا ألله . قال أبو موسى الأشعرى جلست على رجل من المهاجرين فسمعته يقول ، قال رسول الله " أيها الناس استغفروا الله وتوبوا إليه ، إنى لأستغفر الله كل يوم مائة مرة " وقال على حدثنى أبو بكر - وصدق أبو بكر - قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فينظر ثم يصلى ثم يستغفر الله إلا غفر له " ثم قرا الآية ، وفى رواية قيل ذلك . قد سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعنى الله منه بما شاء ، أن ينفعنى ، وإذا حدثنى أحد من أصحابه استحلفته ، فإذا حلف إلى صدقته ، قال وإنه حدثنى أبو بكر إلى آخر ما مر ، وذكر بعض السلف أنهُ ما جاور عبداً فى قبره خير له من الاستغفار . قال ابن عباس كل ذنب أقام عليه العبد ، حتى يموت فهو كبيرة ، وكل ذنب تاب منه العبد قبل أن يموت فليس بكبيرة . ويقال فى الحديث " لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار " وعبارة بعضهم لا قليل مع الإصرار ، ولا كبير مع الاستغفار ، وعنه صلى الله عليه وسلم " طوبى لمن وجد فى صحيفته استغفاراً كثيراً " ، وعن ابن عباس " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ، ومن كل هم فرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب " ، وعنه صلى الله عليه وسلم ، يقول " إذا أذنب عبد ذنباً فقال اللهم اغفر لى ذنبى ، يقول الله تبارك وتعالى أذنب عبدى ذنباً ، وعلم أن له رباً يغفر الذنوب ويأخذ بالذنب ، أشهدكم يا ملائكتى أنى غفرت له " وعن أنس ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " قال الله تبارك وتعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك ، ولا أبالى ، يا ابن آدم لو أتيتنى بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئاً ، لأتيتك بقرابها مغفرة " أى أتيتنى بقراب الأرض ذنوباً وقد تبت منها ، ولست مشركاً ، لأن المشرك لا تنفعه توبته من ذنوبه ، وقراب الأرض ما يقرب ملاؤها . قال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " كل ذنب عسى الله أن يغفره - أو قال عسى أن يغفره الله - إلا من مات مشركاً أو قتل مؤمناً متعمداً " وعن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قال أستغفر الله العظيم الذى لا إله إلا هو الحى القيوم ، وأتوب إليه ، غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف " قال ابن مسعود قال المؤمنون للنبى صلى الله عليه وسلم يا رسول الله كانت بنو إسرائيل أكرم على الله منا ، كان أحدهم إذا أذنب ذنباً أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة على عتبة بابه اجدع أنفك ، أو أذنك ، وافعل كذا . فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله { وَالذَيِنَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً } الآية . وهذا من ابن مسعود يدل على أن قوله { أولئك جزاؤهم } للذين فعلوا فكأنه قال الله عز وجل بل أنتم أفضل من بنى إسرائيل وأكرم عندى ، أجتزئ فى غفران ذنوبكم بالاستغفار ، والتوبة ، وقد روى ان أبليس لعنه الله بكى حين نزلت الآية ، ثم رأيت الخازن ذكره عن ثابت البنانى عن غيره بلاغاً ، وعن عطاء عن ابن عباس نزلت فى تَمَّار أتته امرأة حسناء تبتاع منه تمراً ، فقال لها إن هذا التمر ليس بجيد ، وفى البيت أجود منه ، فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها ، فقالت لهُ اتق الله فتركها وندم على ذلك ، فأتى النبى صلى الله عليه وسلم ، وذكر لهُ ذلك فنزلت الآية . وعن أبى صالح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين رجلين أحدهما أنصارى والآخر ثقفى ، فخرج الثقفى فى غزوة واستخلف أخاه الأنصارى على أهله فاشترى لهم ذات يوم لحماً ، فلما أرادت المرأة أن تأخذ منه دخل على أثرها وقبل يدها ثم ندم ، وانصرف ووضع التراب على رأسه وهام على وجهه ، فلما رجع الثقفى ، لم يستقبله الأنصارى فسأل امرأته عن حاله ، فقالت لا أكثر الله فى الإخوان مثله ، وذكرت لهُ الحال ، والأنصارى يسيح فى الجبال تائباً مستغفراً ، فطلبه الثقفى حتى وجده فأتى به إلى أبى بكر رجاء أن يجد عنده راحة وفرجاً ، فقال الأنصارى هلكت - وذكر القصة - فقال أبو بكر ويحك … أما علمت أن الله يغفر للغارى ما لا يغفر للمقيم ، ثم لقيا عمر فقال لهما مثل ذلك فأتيا النبى صلى الله عليه وسلم ، فقال لهما مثل مقالتهما ، فأنزل الله عز وجل { وَالذَيِنَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَة … } الآية ، والروايتان أيضاً دليل على أن { الذين إذا فعلوا } مبتدأ خبره { أولئك جزاؤهم مغفرة } { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } الواو للحال ، وصاحب الحال واو { لَمْ يُصِرُّوا } أى لم يصروا على ما فعلوا ، والحال أنهم عالمون بأنه معصية ، كذا يقال عن ابن عباس ، والسدى ، ولفظ السدى { يعلمون } أنهم أذنبوا ، وقيل يعلمون أن الإصرار ضار ، وقيل يعلمون أن الله يملك مغفرة الذنب ، وأنه ربهم يغفر ذنبهم ، وقيل يعلمون أن الله لا يتعاظمه الذنب ، ولو كثر وعظم . وقيل يعلمون أنهم إن استغفروه غفر لهم ، وعن ابن إسحاق يعلمون بما حرمت عليهم ، وعبارة بعضهم يعلمون أن باب التوبة مفتوح وعبارة بعض يعلمون أنى أعاقب على الإصرار ، والإصرار على الذنب كبيرة فى حق من علمه ذنباً ، ومن لم يعلمه ولكن فى حق من علم أقبح وأكبر فقد يعذر الجاهل فى أمر ولا يعذر العالم .