Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 13-13)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَدْ كَانَ لَكُم آيةٌ فى فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا } يوم بدر ، فئة المؤمنين وفئة المشركين ، والخطاب لقريش ، كما يدل له كلام ابن عباس أو لليهود . وقال ابن مسعود والحسن للمؤمنين ، وجملة { الْتَقَتَا } نعت فئتين ، ولم يقل كانت بالتاء للفصل ، ولكون التأنيث غير حقيق ، ولكن خبر كان وفى فئتين متعلق بـ " كان " ، أو نعت لـ " آية " ، ويجوز تعليق " لكم " بـ " كان " فيكون فى { فِئَتَيْنِ } خبر لـ " كان " . { فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللهِ } دينه ، وهم النبى صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنون ، ومسوغ الابتداء التفضيل ، وكونها فاعلا معنى . { وَأُخْرَى كَافِرَةٌ } تقاتل فى سبيل الشيطان ، كما دل عليه لفظ كافرة كما أن أصل قوله تعالى { فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللهِ } فئة مؤمنة ، فحذف مؤمنة ودل عليهِ قوله { فِى سَبِيلِ اللهِ } فحذف من كل واحد ، مقابل ما ذكر فى الآخر ، وسمى السيوطى ذلك احتباكاً ، وقرىء بنصب فئة ، وأخرى كافرة على الحال من الفاعل التقتا ، أو على الاختصاص ، وبالجر على البداية المطابقة ، بحسب المعطوف من فئتين . { يَرَوْنَهُمْ } أيها المسلمون . { مِثْلَيْهِمْ } أى مثلى المسلمين ، أى ترون يا مسلمون المشركين مثلى المسلمين ، والخطاب لنحو ثلاثة من المسلمين ، أى ثلاثة كانوا يرون المشركين مثلى جملة المسلمين التى منهم هؤلاء الثلاثة ، أو نحوهم . ويجوز أن يكون الأصل ترونهم مثليكم ، فعدل عن الخطاب ، وعلى الوجهين فالحكمة فى رؤيتهم مثليهم مع أنهم ثلاثة أمثال المسلمين . وقيل مثلاهم ، فقط ليستشعروا الوعد فى قوله تعالى { إن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين … } الآية ، فإنه وعد بالنصر . قيل كان المشركون قريباً من ألف ، أو مثلى عدد المؤمنين ، والمؤمنون ثلثمائة وثلاثة عشر ، وفيهم سبعون بعيراً ، وفرسان أحدهما للمقداد بن عمرو وآخر لزيد بن أبى مرثد ، وستة أدرع ، وثمانية سيوف . سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ، ومائتان وستة وثلاثون رجلا من الأنصار ، وراية المهاجرين مع على ، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة ، وكان المشركون تسعمائة وخمسين رجلا ، ورأسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وفيهم مائة فرس ، وسبعمائة بعير ، وتلك وقعة بدر وهى أول مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإذا قيل إن المشركين ثلاثة أمثال المؤمنين ، فمعنى قول الله مثليهم أن المشركين زادوا عليهم بمثليهم ، كما تقول نحتاج إلى مثلى هذا الدرهم ، فيكون لنا ثلاثة أو أظهر الله للمؤمنين مثليهم فقط ، وأخفى ثلثاً آخر ، وأظهر من الملائكة للمؤمنين معهم عدداً يكون المشركون معه مثلى المؤمنين فقط قلل الله المؤمنين فى أعين المشركين ليثبتوا طامعين فى أن يغلبوا المؤمنين ، وقللهم فى أعين المؤمنين ، لتقوى قلوبهم . عن ابن مسعود رأيناهم يضعفون علينا كما فى آية آل عمران . ثم رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا ، وذلك بإظهار الملائكة للمؤمنين ، أو بإخفاء المشركين ، وقال لقد قللوا فى أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبى تراهم سبعين ، قال أراهم مائة ، فأسرنا منهم رجلا فقلنا كم أنتم ؟ . قال ألفاً أو ذلك مواطن ، تارة يرون مثليهم ، وتارة مثلهم مثل أن يقللوا فى أعين المشركين ، قبل القتال ، ثم يكثروا فى أعينهم عند القتال ، وقيل الخطاب لليهود ، أى ترون أيها اليهود المسلمين مثلى المشركين ، أو ترون المشركين مثلى المسلمين ، فالهاء الأولى - كما ترى - للمسلمين ، والثانية للمشركين ، وبالعكس . وكان اليهود حضروا القتال ليروا على من تكون الدائرة ، وكذا حضر جماعة من العرب على جبل ، وأبسط القصة فى غير هذه السورة ، فكان ذلك معجزة ، إذ رأوا المسلمين نصف المشركين ، ومع ذلك غلبوا المشركين ، أو إذ رأوا المسلمين مثلى المشركين ، ومع ذلك كان المشركون أكثر من مثلى المسلمين ، فأراكهم الله إياهم مثل ما أراهم أنهم أكثر من المشركين حال القتال ، ويجوز أن يكون الخطاب لمشركى العرب ، بقصد ثلاثة ، أى ثلاثة كانوا فأكثر ، أى ترون المشركين الذين أنتم منهم مثلى المسلمين قبل القتال ، أو ترون المسلمين مثلى المشركين عند القتال ، وقرأ غير نافع ويعقوب { يَرَوْنَهْم } بتحتية أى يرى المشركون المؤمنين عند القتال مثليهم ، أى مثلى المشركين ، أو يرىالمشركون أنفسهم مثلى المؤمنين قبل القتال ، أو الواو للمسلمين أو لليهود على حد ما مر ، وقرأ ابن مصرف { ترونهم } بالمثناة ، وبالتحتية والبناء للمفعول فيهما ، والفاعل هو الله ، ومرح الخطاب والغيبة فيهما - على حد ما مر - ويجوز على البناء للمفعول أن يكون المعنى تظنونهم أو يظنونهم . { رَأْىَ العَيْنِ } مفعول مطلق ، إما على البناء للفاعل ، فلا إشكال ، وإما على البناء للمفعول فى { ترونهم } ، أو { يَرَوْنَهْم } لأن الفعل على البناء للمفعول ، من أرى المتعدى لاثنين ، إذ تعدى بالهمزة الأول نائب فاعل ، والثانى الهاء الأولى ، وإما على البناء للفاعل ، فلواحد هو الهاء ، ومثلى على كل حال ، هو حال ومعنى رأى العين رؤية ظاهرة ، منكشفة لا لبس فيها ، ويجوز أن يكون المعنى رؤية العين ، لا رؤية الحقيقة ، لأنهم فى الحقيقة على غير ما يرونهم . { والله يُؤَيِّدُ } أى يقوى . { بِنَصْرهِ مَنْ يَشَاءُ } نصره كما أيد بنصره أهل بدر . { إنّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرةً لأُولى الأَبْصَارِ } أى إن فى ذلك التقليل والتكثير ، أو وقوع الأمر على ما أخبر به الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، أو المذكور من غلبة القليل العدد ، والعدة ، على الكثير العدد والعدة ، أو المذكور من الوقعة ، لاشتمالها على ذلك ، تعظة لأولى البصائر ، بصائر القلوب إلى آخر الدهر ، أو لذوى العيون المشاهدين للوقعة بأعينهم ، وأصل العبرة العبور الذى هو النفوذ من جانب لآخر ، وإن ذلك موصل لمن اتعظ به إلى مراده ، أو من الجهل إلى العلم ، قال المحدث الأندلسى أبو عمرو ابن عبد البر بسنده إلى معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " تعلموا العلم فان تعليمهُ لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح ، والبحث عنهُ جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ، لأنهُ معالم الحلال والحرام ، ومنار سبل أهل الجنة ، وهو الأنيس فى الوحشة ، والصاحب فى الغربة ، والمحدث فى الخلوة ، والدليل فى السراء والضراء ، والسلاح على الأعداء ، والزين عند الأخلاء ، ويرفع الله به أقواماً فيجعلهم للخير قادة ، وأئمة تقتص آثارهم ، ويقتدى بأفعالهم ، وينتهى إلى رأيهم ، وترغب الملائكة فى خلتهم ، وبأجنحتها تمسحهم ، ويستغفر لهم كل رطب ويابس ، وحيتان البحر وهوامه ، وسباع البر وأنعامه ، لأن العلم حياة القلوب من الجهل ، ومصابح الأبصار من الظلم ، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار ، والدرجات العلى فى الدنيا والآخرة ، والفكر فيه يعدل الصيام ، ومدارسته تعدل القيام ، به توصل الأرحام ، وبه يعرف الحلال من الحرام ، هو أمام العمل ، والعمل تابعه ، يلهمه السعداء ، ويحرمه الأشقياء " . قيل ومن علامة نور العلم إذا حَلَّ بالقلب المعرفة ، والمراقبة ، والحياء والتوبة ، والورع ، والزهد ، والتوكل ، والصبر ، والرضى ، والأنس ، والمجاهدة ، والصمت ، والخوف ، والرجاء ، والقناعة وذكر الموت .