Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 14-14)
Tafsir: Himyān az-zād ilā dār al-maʿād
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهوَاتِ } أى المشتهيات ، فهو جمع شهوة مصدر بمعنى مفعول ، وفتحة الهاء تبعاً للشين ، كدعد ودعدات ، والشهوة ميل النفس إلى الشىء ، والمراد هنا الشىء الذى مالت إليه ، بدليل أنه ببنها بمن فى قوله { مِنَ النِّساءِ والبَنِينَ والْقَنَاطِير المُقَنْطَرةِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والْخَيْلِ المُسَّومة والأنْعَامِ والْحَرثِ } ذكرها بلفظ المصدر ، مبالغة كانها نفس الاشتهاء ، وقال { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهوَاتِ } ليكون المعنى حبب إليهم حبها ، ولذلك لم يقل زُين للنَّاس الشهواتِ ، أو أحب الناس الشهوات وذلك أن كمال المحبة أن تحب ، محبة الشىء ، كقول سليمان { إنى أحببتُ حُبّ الخير } أى أحب الخير ، وأحب أن أكون محبا له ، وذلك أن الإنسان قد يحب الشىء ولا يحبُّ أن يحبه ، أو يفعل ، والمزين هو الله تعالى ، لأنه الخالق للأفعال ، خيرها وشرها ، طاعتها ومعصيتها ، والخالق للدواعى إليها ، وذلك ابتلاء منه تعالى ، يخلق حبها فيتأوله الإنسان ، ويشقى بالمقارفة للمعصية ، لأنه قارف اختباراً ، ولا يسئل عما يفعل ، أو يسعد بمقارفة الطاعة ، والغنى بالمباح عن الحرام ، مثل أن يشتهى امرأة فيتزوجها بنية النجاة من الزنا ، فيلد فينتفع بولده للآخرة ، ولو بالحزن على موته إذا صبر ، وبنية تكثير أمة الإجابة ، ومثل أن يتصدق بماله ، ويدل على أن المزين الله ، قوله تعالى { إنّا جَعلْنَا ما عَلى الأْرضِ زينةً لها لنَبْلوَهُم أيُّهُمْ أحْسَن عَمَلاً } وقرأ مجاهد زين ، بالبناء للفاعل أى زين الله . وقال الحسن المزين الشيطان ، قال إن الشيطان والله زينها لهم ، لأنا لا نعلم أحداً لها من خالقها ، وأيضاً ذكر هذه الأشياء فى معرض ذم الدنيا ويدل عليه أيضاً آخر الآية { واللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المآب } . وقال الحباوى من المعتزلة إن المزين للخير والطاعة هو الله تعالى ، وللشر والمعصية الشيطان وقوله { مِنَ النِّساء } حال من الشهوات ، وقدم النساء ، لشدة تشوق النفس النفس إليهن ، لأنه حبائل الشيطان ، وفتنة الرجال . قال صلى الله عليه وسلم " ما تركت بعد فتنة أضر على الرجال من النساء " ثم ثنى بالولد الذكر ، لأن حبه أتم وأقوى من الولد الأنثى وحبب الله النساء والولد فى نوع الحيوان كله ليبقى التوالد ، والقنطار المال الكبير لا يحدُّ بوزن أو عدد على الصحيح ، واختلف من قال بحده . فروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن القنطار اثنتا عشرة أوقية " وروى عنه أيضاً أنه ألف درهم ، وروى أبىّ بن كعب عنه صلى الله عليه وسلم " أن القنطار ألف ومائتا أوقية " ، وهو قول معاذ ، وقال ابن عباس رضى الله عنهما ، والحسن القنطار ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم ، وعن ابن عباس ألف دينار ومائتا مثقال ، وقال سعيد بن جبير يطلق على مائة ألف ، ويطلق على مائة رطل ، وعلى مائة مثقال ، وعلى مائة درهم ، ولقد جاء الإسلام وما بمكة مائة رجل ، قد قنطروا ، وقال سعيد بن المسيب وقتادة ثمانون ألفاً ، وقال مجاهد سبعون ألفاً ، وقال السدى أربعة آلاف مثقال ، وقيل القنطار ما بين السماء والأرض ، وقيل ما فيه عبور الحياة ، كما يعبر بالقنطرة ، وهو لفظ عربى ، ونونه قيل أصل والألف زائدة وزنه فعلال . وقيل كلاهما زائد ووزنه فنعال . وعلىهذا الأخير ، هو قطر إذا سال ، لأن الذهب والفضة يشبهان الماء فى سرعة الانقلاب ، وكثرة التقليب ، وعلى الأول وهو قول الزجاج هو من قنطرت الشىء إذا أحكمته ، ومنه القنطرة بإحكامها ، والإنسان يحكم بماله دفع النوائب ، وقيل أنه بلغة الروم ، وأنه ملء جلد ثور ذهباً أو فضة ، والمقنطرة مأخوذة من القنطار للتأكيد ، كقولهم ليلة ليلاء ، ويوم أيوم لشدتهما أو طولهما ، وبدرة مبدرة ، وهى عشرة آلاف درهم ، أى تامة ، ودراهم مدرهمة أى كاملة فى شأنها ، وألف مؤلفة ، وداهية دهياء ، وشعر شاعر ، وظل ظليل والمقنطرة بمعنى المجموعة أو التامة ، وقيل المسكوكة المنقوشة ، ولا واحد من لفظ الخيل ، وقيل الفرس الواحد خائل ، كصاحب وصحب ، سمى لاختياله فى مشيه ، وقدم الذهب والفضة ، لأنهما أكمل الوسائل إلى كل محبوب ، وسمى الذهب ذهباً ، لأنه يذهب عن صاحبه ، والفضة فضة ، لأنها تتفرق عن صاحبها ، لأن مادة " ف ض ض " قد جاء فيها معنى التفرق ، كما جاء فى مادة " فَ ظَ طَ " باشالة الظاء ، والمسومة المعلمة فإنه كما يقال فى العلامة وسم وسمة ووسمة يسمها ، يقال سيمة وسامه يسومه سوما ، والعلامة فيها الإحجال ، والغرة عند أبى مسلم وهو أصح ، لأنها أحسن فى الوصف . وقيل البلغة . وقال قتادة الشبة . وقيل سومة المرعية ، فإن الحيوان الذى يأكل من المرعى يكون أحسن وأنمى . وقال مجاهد وعكرمة المليحة التامة الخلقة من السوم فى البيع ، لأنها يكثر سوم السائمين ، أو من السومة بمعنى العلامة ، كأنها علم فى الحسن والقوة . والأنعام جمع نعم ، للإبل والبقر والغنم . ولا يقال للجنس الواحد نعم فيما قيل للإبل فإنه غلب عليها ، ويشكل عليه قوله تعالى { مثلُ ما قتَلَ مِنَ النَّعَمِ } وأخر " الحرث " للتعب فيه ، وما فيه التعب يشق على النفس ، ولأن غالبه فى البدو ، ولأن المقصود به غالباً تحصيل الذهب والفضة ، والخيل المسومة ، والأنعام ، وصدقات النساء . والله أعلم . { ذَلِكَ } المذكور من النساء ، والبنين ، وما بعدهم … { مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنيا } أى شىء يتمتع به فيها ، ويغنى قريبا . { واللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المآبِ } حسن المرجع ، أى حسن الرجوع هو الرجوع إلى الجنة ، لأنها كاملة التمتع دائمة ، فارغبوا إليها بالعمل الصالح وازهدوا فى متاع الدنيا ، بأن لا تملكوه ، أو بأن يملكوه ، وتقدموا منه للآخرة ، وقد علمت أن الحسن ، والمآب ، كليهما مصدر ، ويجوز أن يكون المآب اسم مكان ، وحسن مصدر استعمل بمعنى الوصف ، وأصله أن يؤخر عن المآب نعتاً على هذا .